صلة الرحم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 29 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 2064 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الرءوفِ بالعباد رحمنِ الدنيا والآخرة ورحيمِهما وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له خلق الرحم وشقَّ لها اسماً من اسمه، دعانا إلى برها وجعل الجنَّةَ في صلتها والنَّارَ في قطعها "إنه هو البر الرحيم"الطور:28. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله دعانا إلى بر الوالدين وصلة الأرحام ونهانا عن العقوق لأنه من أعظم الكبائر والآثام اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه البررة الكرام إلى يوم الدين.

أما بعد

فيقول الله سبحانه في كتابه الكريم: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجاري الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا.النساء:36.

أيها المسلمون: هذه آية كريمة من كتاب الله تناولت أمرين صريحين من رب العباد أولها أن نعبده وحده لا نشرك به شيئاً وثانيها أن نحسن إلى الوالدين وذوي القربى وبقية من عددتهم الآية، والآية في بساطتها تجعل حياة المؤمن ذات رباطين: رباط بالله الخالق قوامه العبادة الخالصة فحياة المؤمن تجري ما بين حالين حال العبادة وحال الإحسان وقد قامت العبادة على أساس أن الله واحد لا يتعدد ولا يتجزء وقام الإحسان على أساس أن الأمة واحدة لا تتفرق ولا تتجزأ قال تعالى "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون"المؤمنون:52. فعلاقة المؤمن بمجتمعه علاقة أراد الله لها أن تكون إحساناً في كل شيء لأنها علاقة بين إخوة مهما تباعدت بهم الأنساب أو تفرقت بهم الديار.

فالمسلم أخو المسلم لا يظلمه وهو دائماً في حاجته لأن الإحساس بالأخوة قرين الإيمان بالله "إنما المؤمنون إخوة"الحجرات:10. ومثل المجتمع بهذه الصورة مثل الشجرة ضربت بجذورها في أرض الإسلام وارتوت بماء الإيمان فلا بد أن يصل إلى جميع فروعها وأغصانها وأوراقها دون استثناء لتكون ثمرتها أخوة باقية وإحساناً سخياً مباركاً فإذا ما سرنا مع الآية في نسقها الرفيع وجدناها تفرض هذا الإحسان أولاً للوالدين ثم لذوي القربى ثم لليتامى والمساكين ثم للجيران على مراتبهم وهكذا فبر الوالدين أول القربى ثم بقية أصحاب الحق فيه ممن يدخلون في نطاق الأخوة العامة ولكن ظروفهم المعيشية تجعلهم أحق بهذا الإحسان من غيرهم من البعداء.

والمهم أن نقف أمام أوامر الإسلام بالإحسان إلى الوالدين لنتابع الأسلوب الذي استعمله الله سبحانه في إقناع المؤمنين بأمره لقد سلك القرآن مسلكاً عاطفياً للإقناع بضرورة هذا الإحسان فصور للمؤمن مرة مدى ما تعانيه الأم في حملها وفي ولادتها وفي رضاعها من تعب وإرهاق لا يطيقهما غيرها في هذه الظروف "حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"الاحقاف:15 ، "حملته أمه وهناً على وهن"لقمان:14. وصور للمؤمن مرة أخرى منظر الوالدين أحدهما أو كلاهما وقد شاب الرأس وانحنى الظهر وعجز العقل عن الفهم وأخذت التصرفات تسوء إلى حد الإثارة والإزعاج وكل ذلك يحدث من كبار السن ومع ذلك فلا ينبغي لمن يؤمن بالله ربا واحداً أن ينسى نفسه فينهرهما أو يوجه إليهما قوله فيها أدنى نقد لمسلكهما أو جرح لمشاعرهما فلسوف يكون هذا مصيره هو أيضاً بعد سنوات وما أسرع ما تمر الأيام وهنا نحس بلمسة رقيقة من الرحمن حين نقرأ قوله عز وجل "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"الإسراء:24. لقد استعمل القرآن لفظ ربياني الذي يأتي منه لفظ "رب" ليشعر المؤمن بقداسة جانبهما وبإن التربية جديرة بالعرفان من حيث كانت ذات اتصال بالربوبية وفي ذلك أعظم تقدير للأبوين اللذين فرض الله لهما الحنان والإحسان قولاً وعملاً.

ولنعد أيها المسلون إلى بقية المراتب في استحقاق الإحسان لنجد بعد الوالدين ذوي القربى وهم ذوو الرحم الذين يجتمعون مع المرء في قرابة الدم بعد أخوة الروح فقرابة الدم هنا مكملة لصلة الأخوة في الله ومؤيدة لها وإنما اهتم الإسلام بهذه الصلة لأنها زيادة على الأخوة المفروضة بين المؤمنين وقرابة الدم لا قيمة لها بدون الشركة في الإيمان والأخوة في الله وقد وجدنا في القرآن إعظاماً لشأن القرابة التي يجمع شملها في ظل الإيمان فيقول الله سبحانه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم "قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى"الشورى:23. كما وردت أحاديث كثيرة تصور أهمية الرحم في وصل أبناء الأمة المسلمة فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "قال الله تبارك وتعالى أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته"رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني. ويقول في حديث آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "الرحم متعلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله"متفق عليه. ولا ريب أن قاطع الرحم يحس بقطيعة الله له في هذه الدنيا حين تضيق عليه مذاهب الأرض ويحس كأن جلده يكاد يهرب منه لأن ذوي قرباه بعيدون عنه وربما كانوا من جملة الحاقدين عليه وقد كان من الممكن أن يطفئ هذا الحقد بالصلة الكريمة لأنهم أولى الناس بصلته وبالعون السخي لأنهم أحق الناس بمعونته وهو قادر بهذا الإحساس على أن يمتلك أنفسهم يتحصن بها ويدفع أحقادها وبمثل هذا يحس بالسعادة والرضا لأنه أسعد ذوي رحمه، ووصل ذوي قرباه، إن قاطع الرحم يطارده الشؤم حيثما كان فهو معذب من الداخل بتأنيب ضميره وهو مطارد في كل مكان بنظرات الحقد والاحتقار.جعلني الله وإياكم ممن بر بوالديه ووصل رحمه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكيم .

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أما بعد؛

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.آل عمران:102. وتذكروا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.رواه البخاري . أمَا وإنَّا في مناسبة عيدٍ فاحرصوا على صلة أرحامكم.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم كن لإخواننا في سوريا وانصرهم على النصيرية والرافضة اللهم داو جرحاهم واشف مرضاهم واكس عاريهم واطعم جائعهم واسق ظامئهم واقبل شهداءهم اللهم اجمع شمل المسلمين في فلسطين وانصرهم على اليهود وطهر الأقصى من دنسهم اللهم كن لإخواننا في العراق وإيران وانصرهم على الرافضة اللهم كن لإخواننا الأراكانيين في بورما وانصرهم على من ظلمهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1434-9-27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي