الدرس 115 باب قول الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
أراد المؤلف بهذ الباب بيان وجوب التوكل على الله ، والاعتماد عليه في جميع أمور الدين والدنيا.

والتوكل: هو التفويض إلى الله والثقة به والإيمان بأنه مسبب الأسباب وكل شيء بيده وما شاء كان ومالم يشأ لم يكن ، فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب؛ نقص توكله على الله، ويكون قادحا في كفاية الله؛ فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه.
ومن جعل اعتماده على الله ملغيا للأسباب، فقد طعن في حكمة الله لأن الله جعل لكل شيء سببا، فمن اعتمد على الله، اعتمادا مجردا، كان قادحا في حكمة الله لأن الله حكيم، يربط الأسباب بمسبباتها، كمن يعتمد على الله في حصول الولد وهو لا يتزوج، وكان صلى الله عليه وسلم يتقي الحر والبرد، ولم ينقص ذلك من توكله.

قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين:" التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة ".

ولا يمكن تحقيق العبادة إلا بالتوكل؛ لأن الإنسان لو وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز، ولم يتمكن من القيام بالعبادة فهو حين يعبد الله يشعر أنه متوكل على الله، فينال بذلك أجر العبادة وأجر التوكل.
وأننا نعتمد في الغالب على الأسباب الظاهرة وننسى ما وراء ذلك فيفوتنا ثواب عظيم، وهو ثواب التوكل.

والتوكل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول: توكل عبادة وخضوع، وهو الاعتماد المطلق على من توكل عليه، بحيث يعتقد أن بيده جلب النفع ودفع الضر.
الثاني: الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه وغير ذلك، وهذا من الشرك الأصغر.

الثالث: أن يعتمد على شخص فيما فوض إليه التصرف فيه، كما لو وكلت شخصا في بيع شيء أو شرائه، وهذا لا شيء فيه ، وقد وكَّل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالب؛ أن يذبح ما بقي من هديه . من حديث جابر رضي الله عنه "نَحَرَ عليه السلامُ ثلاثًا وستينَ، فأعطى عليًّا فنَحَرَ ما غَبَر، وأشرَكَه في هَدْيِه " أخرجه مسلم

ومما سبق يتبين أن التوكل من أعلى المقامات، وأنه يجب على الإنسان أن يكون مصطحبا له في جميع شئونه،

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/15 هـ