الدرس 115: كتاب النكاح

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 6 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 1807 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

هناك أنكحة تخالف النكاح الشرعي من ذلك نكاح المتعة وتحدثنا عنه في الدرس السابق

النكاح الثاني من الأنكحة التي حرمها الله عز وجل وقد وقع فيها بعض الناس نكاح التحليل وهو نكاح يفعله من حرمت عليه زوجته بالطلاق بالطلقة الأخيرة الثالثة بعض الناس لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله عز وجل يتفق مع شخص آخر ليتزوجها فإذا دخل بها ووطأها فارقها حتى يعود إليها زوجها الأول وهذا هو النكاح الذي يسمى نكاح التحليل وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه لعن المحلل والمحلل له" أخرجه ابن ماجه.

المحلل هو التيس المستعار والزوج هو الذي يطلبه لتحليلها والمحلل له هو الزوج الأول المطلق هذا نكاح باطل وحرام إذا اتفقا عليه للتواطؤ أو بالشرط اللفظي أو بالكتابة كل ذلك محرم للأحاديث التي جاءت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المحلل والمحلل له جاء في ذلك عدة أحاديث منها حديث ابن مسعود وأبي هريرة وغيرهما وفي لفظ يروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال "ألا أنبئكم بالتيس المستعار ؟ قلنا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له" سمي تيسا مستعارا لأنه جيء به للضراب ليس زوجا وإنما جيء به ليدخل بها مرة يجامعها مرة ثم يفارقها لأن الله سبحانه وتعالى قال في المطلقة آخر الثلاثة "فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" فهذا المطلق الطلقة الثالثة لما رأى أنه لا حيلة له إلا بزوج وهو يريدها وتريده زين لهم الشيطان هذا العمل السيئ وهو الاتفاق مع شخص يسمى المحلل ويعطونه ما شاء الله من المال وترضى به الزوجة رضا مؤقتا ليحللها لزوجها فلا تنظر في حاله ولا نسبه ولا أهليته في الغالب لأنه لا يهمهم إلا أنه يدخل عليها مرة ثم يخرج وينتهي الأمر ليحللها للزوج الأول وهذا من أقبح الباطل ومن أعظم الفساد وهو زان في المعنى لأنه ما تزوجها لتكون زوجة لتعفه ولتبقى لديه لتحصنه ليرجو منها وجود الذرية لا إنما جاء تيسا مستعارا ليحللها لمن قبله بوطء مرة واحدة ثم يفارقها وينتهي منها هذا هو المحلل ونكاحه باطل وليس بشرعي ولا تحل للزوج الأول إذا علم هذا فإنه يستحق أن يؤدب ويعزر بالتعزير البليغ الذي يردعه وأمثاله وهذه الزوجة لا تحل بذلك بل يعزر أيضا المحلل وهي كذلك إذا كانت راضية كلهم يعزرون لهذا العمل السيئ لأنه نكاح فاسد نكاح خبيث نكاح منكر ومعصية فوجب أن يعزر القائمون به المحلل والمحللة والمحلل له أيضا كلهم سواء فالمرأة إذا كانت راضية وعالمة بهذا الشيء فهي أيضا تستحق التعزير والتأديب لرضاها بالمعصية ومواطأتها عليها ولو أراد أن يبقى عندها لم تحل له ما دام نكحها بهذه النية وبهذا القصد فإنه نكاح فاسد ولا تحل له ولا تحل للزوج الأول لأن هذا ليس بزواج والله قال "حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ" وهذا تيس مستعار وليس بزوج شرعي فلا يحللها للزوج الأول

والنكاح الثالث الفاسد أيضا نكاح يسمى نكاح الشغار ويسمى عند بعض الناس نكاح البدل وهو نكاح يشترط فيه كل واحد من الوليين نكاح الأخرى فيقول أحدهما للآخر زوجني وأزوجك زوجني بنتك وأزوجك بنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوج ابني وأنا أزوج ابنك أو زوجني وأنا أزوج ابنك أو زوج ابني وأنا أزوجك أو أزوج أخاك أو ما أشبه ذلك هذا هو الشغار قالوا سمي شغارا من الخلو لأنه في الغالب لا يهمهم المهر وإنما يهمهم الاتفاق على هذا العمل يقال بلاد شاغرة يعني خلت من أهلها ويقال مكان شاغر خالي ويقال شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول فأخلى مكانها وقيل سمي شغارا من شغور الكلب برجله المعنى كأنه يقول لا تمسها ولا تمس رجلها حتى أمس أو حتى أباشر رجل أختك أو بنتك أو عمتك وما أشبه ذلك وبكل حال فهو منكر وفاسد وإن لم يخل من المهر وإن سمي فيه مهر لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشغار في حديث ابن عمر ومن حديث جابر رضي الله تعالى عنه ومن حديث معاوية ومن أحاديث أخرى في النهي عن الشغار وفي حديث أبي هريرة والشغار هو أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي هذا هو الشغار أما ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بقوله إن الشغار هو أن يزوج هذا هذا وهذا هذا وليس بينهما صداق هذا من كلام نافع مولى ابن عمر وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة هو من كلام مالك بن أنس الراوي عن نافع وبكل حال فهو ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من كلام من دون النبي صلى الله عليه وسلم وهو نافع مولى ابن عمر أو مالك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في البلوغ واتفقا من وجه آخر على أن تسمية الشغار من كلام نافع فليس من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وقد اتفق الشيخان على أنه من تفسير نافع وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الفقهاء رحمة الله عليهم أخذ بما قال نافع وقالوا إنه لا يكون شغارا إلا إذا خلا من المهر أما إذا كان فيه المهر كاملا فليس فيه حيلة والمهر كاملا لهذه ولهذه فإنه لا يكون شغارا وهذا قول ضعيف ومرجوح والصواب أنه يكون شغارا مطلقا إذا كان فيه الشرط لظاهر الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في حديث أبي هريرة قال "والشغار أن يقول الرجل زوجني أختك وأزوجك أختي أو زوجني بنتك وأزوجك بنتي" أخرجه مسلم

ولم يقل وليس بينهما صداق بل أطلق ولما ثبت في المسند وسنن أبي داود بسند صحيح عن معاوية رضي الله عنه "أنه رفع إليه أمير المدينة أن شخصين تزوجا شغارا وقد سميا مهرا فكتب معاوية رضي الله عنه إلى أمير المدينة أن يفرق بينهما وقال هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام" مع أنهما قد سميا مهرا فدل ذلك على أن الشغار هو ما فيه مشارطة سواء سمي فيه المهر أم لم يسم فيه المهر و الحكمة في ذلك والله أعلم أنه وسيلة إلى ظلم النساء وإجبارهن على أزواج لا ترضاهم النساء وسبب أيضا لعدم المبالاة بمهورهن وسبب أيضا للنزاع المتواصل والخصومات الكثيرة فمن رحمة الله أن حرم الله ذلك حتى لا يجبر النساء بغير حق وحتى لا يظلمن وحتى يسد باب النزاع والخصومات فإن الذين فعلوا هذا قد جربوا ما فيه من الشر فإنه تكثر بينهم النزاعات والخصومات وإذا جرى بين هذا وزوجته شيء وخرجت لعلة خرجت الأخرى أو طلب وليها بإخراجها حتى تعود هذه وهكذا في النزاع متى ساءت الحال بين هذا وزوجته لحقتها الأخرى لأنه مشروط على هذا وهذا مشروط عليه أن ينكح هذا هذه وهذا هذه فكل ما جرى نزاع ساءت الحال بين الجميع ثم الولي لا يبالي بل يحبسها ويؤذيها حتى يجد امرأة أخرى ويشترطها لنفسه أو لولده أو لابن أخيه أو لأخيه فتكون النساء حبسا مظلومات لحاجات الأولياء ولمصالح الأولياء ولظلم الأولياء

ومن أجل هذا حرم الله الشغار ونهى عنه نبيه عليه الصلاة والسلام حتى لا تظلم النساء وحتى لا يتخذ تزويجهن للهوى والظلم وإرضاء الأولياء وتحصيل مقاصدهم وأهوائهم بل على الولي أن يطلب لها الزوج المناسب الزوج الشرعي ولا يعلق ذلك بأن يزوج ابن هذا أو أخا هذا أو عم هذا وما أشبه ذلك فهذا هو نكاح الشغار وهو المسمى نكاح البدل والصواب أنه لا يجوز مطلقا سواء كان فيه مهر أم لم يكن فيه مهر هذا هو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة وهو الموافق للأحاديث الصحيحة وهو الموافق للمعنى الذي من أجله حرم الله الشغار الذي هو البدل ونهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة وإن سمي فيه مهر والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله أسأل الله أن يمن على المسلمين بالعافية من كل ما يغضبه والواجب على من يستمع مثل هذه الفائدة أن يبلغها إلى غيره لأن هذا كثير عند بعض الناس فمسألة الشغار هذه موجودة في الحاضرة والبادية ولعله في البادية أكثر وفي القرى فينبغي تبليغ ذلك لمن يستطيعه الإنسان ولا سيما في هذا الوقت عند غلاء المهور صار كل واحد يحبس ابنته أو أخته يقول لعله يحصل لي من يزوجني بأخته أو بنته فتبقى عنده بنته إلى أن تبلغ الأربعين سنة أو الثلاثين سنة يرجو وجود من يزوجه أو يزوج ولده وهذا من الظلم الظاهر والمعصية الظاهرة فيجب على الإخوان أن يبلغوا من علموا ذلك منه.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

هذا وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-6هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي