ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

خطر الغيبة والنميمة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 محرم 1447هـ | عدد الزيارات: 332 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.

أَمَّا بَعْدُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ[آل عمران: 102].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، دَاءٌ مِنْ أَفْتَكِ الأَدْوَاءِ الَّتِي يُبْتَلَى بِهَا الأَفْرَادُ وَالْجَمَاعَاتُ؛ حَذَّرَنَا اللهُ مِنْهُا فَقَالَ: ﴿ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ[الحجرات: 12].

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ–:" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ -‏ فَقَامَ رَجُلٌ، فَوَقَعَ فِيهِ رَجُلٌ بَعْدَهُ -أَيِ: اغْتَابَهُ وَتَكَلَّمَ فِي عِرْضِهِ-، فَقَالَ النَّبِيُّ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ -‏ لِهَذَا الرَّجُلِ: «تَخَلَّلْ» أَيْ: نَظِّفْ أَسْنَانَكَ وَفَمَكَ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ، فَقَالَ: وَمِمَّ أَتَخَلَّلُ وَمَا أَكَلْتُ لَحْمًا؟! قَالَ: «إِنَّكَ أَكَلْتَ لَحْمَ أَخِيكَ» [صححه الألباني].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ: سَبَبُ كُلِّ شَقَاءٍ وَشَرٍّ وَعَذَابٍ فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ؛ إِذْ هُمَا مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ الَّتِي عَظُمَ ضَرَرُهَا، وَزَادَ خَطَرُها؛ لأَنَّهَا تُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَتَزْرَعُ الشُّرُورَ، وَتُورِثُ الْفِتَنَ، وَتُنْبِتُ الْحِقْدَ وَالْحَسَدَ.

فَهُمَا عَارٌ وَنَارٌ، صَاحِبُهَا مَمْقُوتٌ، وَعَلَى غَيْرِ الْجَمِيلِ يَمُوتُ، تَنْفِرُ مِنْهُ الْقُلُوبُ، وَتَكْثُرُ فِيهِ الْعُيُوبُ.

وَالْغِيبَةُ عَرَّفَهَا النَّبِيُّ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ -‏ بِقَوْلِهِ لِلصَّحَابَةِ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» [رواه مسلم].

وَأَمَّا النَّمِيمَةُ فَهِيَ نَقْلُ الْكَلاَمِ لِقَصْدِ الْإِفْسَادِ ، وَإِيِقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَهُمْ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[القلم: 10 - 13].

فَالنَّمَّامُ كَثِيرُ الْحَلِفِ حَقِيرٌ، غَمَّازٌ بِالْكَلاَمِ وَالإِشَارَةِ شِرِّيرٌ، يَمْنَعُ الْخَيْرَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَمُتَجَاوِزٌ لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ، قَدْ وَقَعَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَوَلَغَ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ، فَظٌّ قَاسٍ مَكْرُوهٌ، شِرِّيرٌ يُحِبُّ الإِيذَاءَ، وَيَسْتَمْتِعُ بِبَذْلِ الشَّرِّ وَزَرْعِ الأَحْقَادِ بَيْنَ الأَخِلاَّءِ.

وَالنَّمِيمَةُ سَبَبٌ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ -‏ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» [ متفق عليه].

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ -‏ يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ »

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ: لاَ يُزَاوِلُهَما إِلاَّ شِرَارُ الْخَلْقِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمِ: «إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ؛ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ» [متفق عليه ].

هذا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وحده لا شريك له. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا .

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ؛ عَنِ الْغِيِبَةِ وَالنَّمِيِمَةِ ، فقد قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ» [متفق عليه]، وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي بُيُوتِهِنَّ، فقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ»[حسنه الألباني ].

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].

اللَّهُمَّ احْفَظْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَاحْفَظْ مُجْتَمَعَاتِنَا مِنْ شَرِّ الْمُغْتَابِينَ وَالنَّمَّامِينَ وَالْمَاكِرِينَ وَالْحَاقِدِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [البقرة:201] .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي