الزواج

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1478 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، خلق بقدرته الذكر والأنثى، وشرع الزواج لهدف أسمى وغاية عظمى، أحمده على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، أيها الناس.

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى شرع الزواج لمصالح عظيمة منها: أنه يصون النظر عن التطلع إلى ما لا يحل له، ويحصن الفرج ويحفظه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أغَضُّ لِلْبَصَرِ، وأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ. ) أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود ومنها: أنه يبعث الطمأنينة في النفس، ويحصل به الاستقرار والأنس، قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)الروم21 ومنها: أنه سبب لحصول الذرية الصالحة التي ينفع الله بها الزوجين، وينفع بها مجتمع المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود وصححه الألباني ومن مصالح الزواج: قيام الزوج بكفالة المرأة ونفقتها، وتوفير الراحة لها وصيانتها ورفعتها عن التبذل والامتهان في طلب مؤونتها، وإعزازها عن العنوسة، قال تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) النور:32 والأيامى: جمع أيم، وهو من لا زوج له من رجل أو امرأة.

عباد الله: لما كان الزواج بهذه الأهمية في الكتاب والسنة، وفيه هذه الفوائد العظيمة، فإنه يجب على المسلمين أن يهتموا بشأنه، ويسهلوا طريقه، ويتعاونوا على تحقيقه، ويمنعوا من يريد إعاقته من العابثين والسفهاء والمخذلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فإن هناك من إذا سمعوا بخطبة رجل لامرأة حاولوا حرمانه منها، وهناك من يريدون أن يستغلوا الزواج لمصالحهم الخاصة، ويخضعوه لرغباتهم الهابطة الدنيئة، ومن الناس من لا هم لهم إلا الإفساد والوقوف في سبيل كل إصلاح، وتنفيذ ما في صدورهم من الغل والحسد لأهل الخير والصلاح، فيجب إيقاف هؤلاء عند حدهم، وعدم تمكينهم من كيدهم ومكرهم

ومن أجل أن يأخذ الزواج طريقه المشروع جعل الله سبحانه أمر التزويج بيد الرجال الراشدين، والأولياء الصالحين، فقال تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم) النور:32

ومن العراقيل التي وضعت في طريق الزواج: التكاليف الباهظة من ارتفاع المهور، والمباهاة في إقامة الحفلات، واستئجار أفخم القصور، مما لا مبرر له إلا إرضاء النساء والسفهاء، ومجاراة المبذرين والسخفاء (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) الإسراء:27

فيجب على المسلمين القضاء على هذه العادات السيئة، والعمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تيسير مؤنة الزواج، وتخفيف المهور (قال عمرُ بنُ الخطَّابِ : ألا لا تغلوا صُدُقِ النِّساءِ ، فإنَّه لو كان مَكرُمةً في الدُّنيا ، أو تقوَى عند اللهِ عزَّ وجلَّ كان أولاكم به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، ما أصدق رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم امرأةً من نسائِه ، ولا أُصدِقت امرأةٌ من بناتِه أكثرَ من ثنتَيْ عشرةَ أُوقيَّةً !) رواه النسائي وصححه الألباني، والاثنتا عشَرة أوقية تساوي مئة وعشرين ريالا سعوديا بالريال الذي هو من الفضة أي لا يزيد على ستمائة ريال سعودي من العملة الورقية

ولقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم المغالاة في المهور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة من الأنصارفقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل نظرتَ إليها ؛ فإنَّ في عيون الأنصار شيئًا قال : قد نظرْتُ إليها قال : على كم تزوجت؟ قال: على أربع أواق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : على أربع أواق ، كأنما تنحتون الفضة من عُرْضِ هذا الجبلِ ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه " أخرجه مسلم

ولا تجوز المبالغة في حفل الزواج باستئجار القصور الفخمة، ويحرم أن يشتمل الحفل على منكرات كاختلاط النساء بالرجال، أو يكون فيه أصوات مطربين ومزامير وتصوير وسفور، ولا يجوز للمسلم أن يحضر حفلا فيه مثل هذه المنكرات إلا إذا كان يقدر على إزالتها

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) الأعراف: 189 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله، يرث الأرض ومن عليها، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى الناس كافة، من أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن من الظلم العظيم للنساء عرقلة طريق الزواج عليهن بأن يمتنع الولي من تزويج موليته إلا بشرط أن يزوجه الآخر موليته، وهو ما يسمى عند العامة بالبدل، ويسمى في الشرع نكاح الشغار فإذا جعلت المرأة في مقابل المرأة، فهو نكاح باطل بإجماع أهل العلم، حتى وإن سمي فيه مهر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، فقال : (لا شغار في الإسلام)أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمر . وإنما نهي عن ذلك ؛ لأن الشغار يفضي إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه إيثارا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، ولأنه يفضي إلى حرمان المرأة من مهر مثلها، ولأنه أيضاً يفضي إلى النزاع والخصومات بعد الزواج، لأنه لو حصل اختلاف بين إحداهن مع زوجها أثر على نكاح الأخرى مع زوجها ولو لم يكن بينهما اختلاف، لأن كل واحدة مرهونة بالأخرى ، فاتقوا الله عباد الله وانتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد ، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى وانصر جنودنا في الحد الجنوبي ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

1439/3/15 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي