حرمة مرافق المسلمين

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 29 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1580 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، أمر بالإحسان والتعاون على البر والتقوى، ونهى عن الإساءة والأذى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق والهدى، وأمر ببذل الندى وكف الأذى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين أنزل الله سكينته عليهم، وألزمهم كلمة التقوى، وسلم تسليما .

أما بعد، أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واحذروا أذية المسلمين في طرقهم ومرافقهم؛ فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، وأسباب دخول الجنان، وأنها من أنواع الصدقة والإحسان، وأن وضع الأذى في الطريق من أعظم الإساءة والعصيان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ. ) رواه مسلم

والأذى: كل ما يؤذي المار كالحجر والشوك، والعظم، والنجاسة والحديد، والزجاج، وغير ذلك، وإماطته: تنحيته وإزالته.

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم (عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمالُ أُمَّتي حَسَنُها وسَيِّئُها، فَوَجَدْتُ في مَحاسِنِ أعْمالِها الأذَى يُماطُ عَنِ الطَّرِيقِ، ووَجَدْتُ في مَساوِي أعْمالِها النُّخاعَةَ تَكُونُ في المَسْجِدِ، لا تُدْفَنُ. ) رواه مسلم

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ."

والسلامى: هي العظام الدقيقة، والمفاصل التي في جسم الإنسان

ومعنى الحديث: أن تركيبة هذه العظام وسلامتَها من أعظم نعم الله على عبده، فيحتاج كل عظم منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه بها، ليكون ذلك شكرا لهذه النعمة

ومن أنواع هذه الصدقة إزالة الأذى عن طرقات المسلمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له) رواه البخاري ، وفي رواية لمسلم قال ( لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ. )

وكما جاء الترغيب في إزالة الأذى عن طرقات المسلمين من أجل سلامة المارة، فقد جاء الوعيد الشديد في حق من يلقي الأذى في الطرقات، ويؤذي المارة ويعرقل السير في الطريق.

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قالوا: وَما اللَّعَّانَانِ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ في ظِلِّهِمْ. ) ، ومعناه: النهي عن قضاء الحاجة في الطريق الذي يسلكه الناس، أو في الظل الذي يجلسون فيه، وإن فعل ذلك فهو مستحق للعنة والعقوبة؛ لأنه يؤذي الناس بذلك وينجسهم، أو يحرمهم المرور في الطريق، والجلوس في الظل، وهم بحاجة إلى ذلك، فيدعون عليه باللعنة

وقد تساهل بعض الناس اليوم في هذا الأمر، فصاروا لا يبالون بأذية الناس في طرقاتهم وأماكن جلوسهم واستراحاتهم: يحفرون الحفر في الطريق، ويطرحون القمامة، ويلقون الأحجار، والحديد، وقِطع الزجاج، ويرسلون المياه، ويوقفون السيارات في الطرقات، ولو كان في ذلك أذية الناس، وسد الطريق، وعرقلة السير، وتعريض المارة للخطر، وتناسوا ما في ذلك من الإثم، وقل من يحتسب الأجر، فيزيل هذا الأذى أو يتسبب في إزالته بمراجعة المسؤولين عن ذلك، وإذا كان هناك ظل حول الطرق العامة الطويلة من شجر أو كباري يستريح فيها المسافرون، جاء من يفسد ذلك عليهم بوضع القاذورات والأوساخ فيها، أو غير ذلك مما يفسد الظل على من جاء بعده!! أين الإيمان؟ أين الشيمة والمروءة؟ أين خوف الله من هؤلاء المستهترين بحرمات المسلمين وحقوقهم ومرافقهم؟ ماذا سيكون شعور المسلم إذا سُد الطريق في وجهه، أو مُلِئ بالأوساخ والوحل، أو مُلِئ بالأحجار والحديد وقِطع الزجاج والعلب والكراتين الفارغة، أو عمقت فيه الحفر، أو دنس بالأنجاس والروائح الكريهة؟!!

وماذا سيكون شعور المسلم إذا أجهده السير في السفر، ومسه حر الشمس والسموم، فأوى إلى ظل ليستريح فيه، وعندما يصل إليه يجده مليئا بالقاذورات والروائح الكريهة والمناظر البشعة؟ ماذا سيكون في نفسه من الغضب؟ وماذا سيقول بلسانه في حق من فعل ذلك من الدعاء عليه، وهو مستحق لذلك بقبيح فعله وإساءته إلى إخوانه المسلمين؟

فاتقوا الله يا من تؤذون الناس في طرقهم، وأماكن استراحاتهم، كفوا أذاكم، واحترموا حق إخوانكم، واتقوا دعوات المظلومين، فليس بينها وبين الله حجاب

ومن أذية المسلمين في طرقهم ما يفعله بعض السفهاء من وقوفهم بالسيارات في وسط الشوارع، بعضهم إلى جانب بعض يتحدثون ويتمازحون، ويحجزون الطريق على المارة ويعرضون الناس للخطر

وهذا منكر ظاهر يجب إنكاره، وتأديب من فعله، ومن ذلك ما يفعله بعضهم من ترويع الناس وإزعاجهم بالعبث بالسيارات، بما يسمونه التفحيط، وهو في الحقيقة مظهر من مظاهر السَخف، والتخلف العقلي والحضاري، وكفران للنعمة

ومن ذلك الطيش في قيادة السيارات، والتهور في السرعة، وإزعاج الناس بأصوات أبواق السيارات، خصوصا عندما يسمعون بانتصار فريق رياضي على فريق آخر؛ والانتصار الحقيقي هو التقدم والظفر بما ينفع الأمة، ويزيد في قوتها، وما فيه رفعة دينها

ومن أذية المسلمين في طرقهم وتعريضهم للخطر: أن يتولى قيادة السيارات بعض من لا يحسنون القيادة، أو لا يستطيعون السيطرة عليها، لصغر سنهم من الأطفال، فيعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر، فيجب على أولياء الصغار منعهم من قيادة السيارات، إشفاقا عليهم وعلى غيرهم من الخطر، مع أن النظام يمنع من كل ذلك

ومن أذية المسلمين الجلوس على الطرقات، لما في ذلك من إحراج الناس في الاطلاع على شؤونهم الخاصة التي لا يحبون الاطلاع عليها، ولما في ذلك أيضاً من النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه من النساء، وغير ذلك من المحاذير، وأشدها عدم القيام بالواجب نحو المارة.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ. ) صحيح البخاري، فدل هذا الحديث على منع الجلوس في الطريق إلا لمن قام بحقه من هذه الأمور

وأما من جلس للتفرج، ولم يقم بما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور، فهو آثم، خصوصا من يحصل منهم فعل المنكر، كالذين يغازلون النساء، ويلاحقونهن بقصد الفساد

ومن أذية المسلمين تحويل الشوارع إلى ملاعب للكرة، مما يتسبب بكثرة الصخب والتجمعات حولها، مما يؤذي المارة وأصحاب البيوت، وربما يتسبب عنه أضرار كثيرة، وتجمعات مشبوهة

ومن أذية المسلمين إرسال ماء الغسيل من البيوت إلى الشوارع، مع أن بإمكانه أن يعمل له تصريف إلى مجرى الصرف الصحي

ومن أذية المسلمين في طرقهم مخالفة بعض سائقي السيارات لأنظمة المرور، وأصول القيادة، كالتهور في السرعة، وعدم التزام خط السير، وقطع إشارة الوقوف، أو الوقوف في الأماكن التي يمنع الوقوف فيها

أو قيادة السيارة، وهو في حالة لا يتمكن من ضبط القيادة كما ينبغي، كمن يغالبه النعاس؛ وجميع هذه الأحوال تعرضه وغيره للخطر، فيجب تلافيها، والحذر منها

فكم نجَم عن هذه الأحوال من حوادث ذهبت فيها أنفس بريئة، أو تعطلت فيها أعضاء وتعيبت فيها أجسام، وتعطلت فيها حواس، وكل ذلك راجع إلى تفريط السائقين، أو تهورهم، أو جهلهم بأصول القيادة، أو تهاونهم بأرواح الناس

إن مسؤولية هذه الحوادث، وما ينجم عنها من الأضرار، من تلف الأموال والأنفس، يتحملها هؤلاء السائقون، ومن يمكنهم من قيادة السيارات، وهم لا يحسنونها

إن السيارات بمثابة الأسلحة الفتاكة، لا يجوز أن يتولاها إلا من يحسن استعمالها، والتصرف فيها، ويجب الحذر من التلاعب بها، والتساهل في شأنها

فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم وفي إخوانكم، واحترموا حقوق المسلمين، واجتنبوا أذيتهم، والإضرار بهم

(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) الأحزاب: 58

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالهدى ودين الإسلام، عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه يحرم على المسلم أن يحدث في طرق المسلمين ما يضر بهم وإن كان هو ينتفع بذلك

فاتقوا الله أيها المسلمون، وكفوا أذاكم عن الطرقات، تسلموا من العقاب، وأميطوا عنها الأذى الحاصل من غيركم تفوزوا بالثواب.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على إمام المرسلين وقدوة عباد الله أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)الأحزاب:56. وقال صلى الله عليه وسلم (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) رواه مسلم.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بمنك وكرمك وإحسانك .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين اللهم عليك باليهود المعتدين المجرمين الغاصبين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعنه على البر والتقوى وسدده في أقواله وأعماله وألبسه ثوب الصحة والعافية وارزقه اللهم البطانة الناصحة الصالحة . اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا اللهم اغفر ذنوب المذنبين اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " البقرة:201.

عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت:45.

1439-2-29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي