الحج 3

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 16 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1581 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين شرع لعباده حج بيته الحرام، ليكفر عنهم الذنوب والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنفي جميع الشرك والأوهام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، وسلم تسليماً

أما بعد، عباد الله

الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)" (آل عمران:97 )

أي: لله على الناس فرض واجب، وهو حج البيت؛ لأن كلمة: (على) للإيجاب، وقد أتبعه بقوله جل وعلا (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (آل عمران:97)

فسمى تعالى تاركه كافرا، وهذا يدل على وجوبه، فمن لم يعتقد وجوبه، فهو كافر بالإجماع، وقال تعالى لخليله :"وأذِّنْ في الناس بالحج " (الحـج: 27)

وقال صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا)صححه الألباني. والمراد بالسبيل توفر الزاد، ووسيلة النقل التي توصله إلى البيت، ويرجع بها إلى أهله، مع توفير ما يكفي أهله إلى أن يرجع إليهم بعد سداد ما عليه من الديون.

والحكمة في مشروعية الحج، قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) إلى قوله: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) (الحج: 29)

فالمنفعة من الحج ترجع للعباد، ولا ترجع إلى الله تعالى؛ لأنه (غني عن العالمين) آل عمران: 97

فليس به حاجة إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق إلى من يقصده ويعظمه، بل العباد بحاجة إليه، فهم يفدون إليه لحاجتهم إليه.

والحكمة في تأخير فرضية الحج عن الصلاة والزكاة والصوم؛ أن الصلاة عماد الدين، ولتكررها في اليوم والليلة خمس مرات، ثم الزكاة، لكونها قرينة لها في كثير من المواضع، ثم الصوم لتكرره كل سنة، وقد فرض الحج في الإسلام سنة تسع من الهجرة، وهو قول الجمهور، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإسلام إلا حجة واحدة، هي حجة الوداع، وكانت سنة عشر من الهجرة، واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر

والمقصود من الحج والعمرة عبادة الله في البقاع التي أمر الله بعبادته فيها،

والحج فُرض في العمر مرة واحدة على المستطيع، وفَرض كفاية على المسلمين كل عام، وما زاد على حج الفريضة في حق أفراد المسلمين تطوع

وأما العمرة، فواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على النساء من جهاد؟ قال (نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) رواه ابن ماجه وصححه الألباني

وإذا ثبت وجوب العمرة على النساء، فالرجال أولى، وقال صلى الله عليه وسلم للذي سأله: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن، فقال (حج عن أبيك واعتمر) رواه الخمسة وصححه الترمذي

فيجب الحج والعمرة على المسلم مرة واحدة في العمر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (الحج مرة فمن زاد فهو تطوع) رواه أبو داود وصححه الألباني

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا (أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام؟ فقال: لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم)

ويجب على المسلم أن يبادر بأداء الحج الواجب مع الإمكان، ويأثم إن أخره بلا عذر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (تعجلوا إلى الحج -يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له) رواه أحمد

وإنما يجب الحج بشروط خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، ومن الاستطاعة في حق المرأة وجود المحرم لها، فمن توفرت فيه هذه الشروط، وجب عليه المبادرة بأداء الحج

ويصح فعل الحج والعمرة من الصبي نفلا؛ لحديث ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر. رواه مسلم

وقد أجمع أهل العلم على أن الصبي إذا حج قبل أن يبلغ، فعليه الحج إذا بلغ واستطاع، ولا تجزئه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذا عمرته

وإن كان الصبي دون التمييز عقد عنه الإحرام وليه بأن ينويه عنه، ويجنبه المحظورات، ويطوف، ويسعى به محمولا، ويستصحبه في عرفة ومزدلفة ومنى، ويرمي عنه الجمرات

وإن كان الصبي مميزا نوى الإحرام بنفسه بإذن وليه، ويؤدي ما قدر عليه من مناسك الحج، وما عجز عنه يفعله عنه وليه، كرمي الجمرات، ويطاف ويسعى به راكبا أو محمولا إن عجز عن المشي، وكل ما أمكن الصغير فعله مميزا كان أو دونه بنفسه كالوقوف والمبيت، لزمه فعله، بمعنى: أنه لا يصح أن يفعل عنه، لعدم الحاجة لذلك، ويجتنب في حجه ما يجتنب الكبير من المحظورات

والقادر على الحج، هو الذي يتمكن من أدائه جسميا وماديا بأن يمكنه الركوب، ويتحمل السفر، ويجد من المال ما يكفيه ذهابا وإيابا، ويجد أيضا ما يكفي أولاده ومن تلزمه نفقتهم إلى أن يعود إليهم، ولا بد أن يكون ذلك بعد قضاء الديون، والحقوق التي عليه، بشرط أن يكون طريقه إلى الحج آمنا على نفسه وماله، وإن قدر بماله دون جسمه بأن كان كبيرا هرما أو مريضا مرضا مزمنا لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج عنه ويعتمر، حجة وعمرة الإسلام من بلده، أو من البلد الذي أيسر فيه؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: إن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال (حجي عنه) متفق عليه

ويشترط في النائب عن غيره في الحج أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال (حججت عن نفسك؟) قال: لا، قال (حُج عن نفسك) رواه أبو داود وصححه الألباني

وينبغي أن يكون مقصود النائب نفع أخيه المسلم المنوب عنه، وأن يحج بيت الله الحرام، ويزور تلك المشاعر العظام

والحمد لله رب العالمين

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الحج إلى بيته الحرام أحد أركان الإسلام، وفرضه على المستطيع مرة في العمر وليس كل عام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الذي بين المناسك، وأمر أن يأخذها عنه كل ناسك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، الذين ءامنوا به وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وإياكم من التهاون بشيء من أحكام المناسك؛ فإنه من أعظم أسباب المهالك، بل عظموا حرمة الإحرام، والبلد الحرام، وأحسنوا ولا تسيئوا إلى أحد من أهل الإسلام، ووسعوا كما وسع الله عليكم، وأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وأطيعوا ولاة أمركم في كل معروف، وخاصة ما يراد به مصلحة الأمة عامة، وتيسير أمر الحج خاصة؛ ومن ذلكم: التوجيه بالتقيد بالتصاريح، وأن لا يحج أحد إلا بتصريح؛ فإنما يراد من ذلكم التخفيف عن الناسك في المشاعر، وتسهيل أداء المناسك، فهو سياسة شرعية، لتحقيق مصلحة مرعية، يراد منه أداء المناسك بارتياح، والنأي عن إزهاق الأرواح، وتحقق الطمأنينة في العبادة، وهي مما ينال به الفلاح، فذلكم التوجيه من المعروف الذي تسوغ به الطاعة، وهو من حقوق ولاة الأمر والجماعة؛ فأطيعوا ولا تعصوا، ويسروا ولا تعسروا، وإذا لم يتيسر لكم عبادة معينة، فقد أعاضكم الله عبادات كثيرة غيرها ممكنة وميسرة، مع أن لكل امرئ ما نوى، ولكل على ربه ما احتسب

ثم صلوا على نبي الرحمة والهدى امتثالا لقول الله تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)الأحزاب:56.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وانصر عبادك في كل بلد من بلاد المسلمين واهزم الكفر والكافرين والمشركين والملحدين ودمر أعداء الدين اللهم احفظ إمامنا وأيده بنصرك ووفقه لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير وأصلح أئمة المسلمين وولاة أمورهم واجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك اللهم آمنا في أوطاننا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم فرج هم المهمومين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واكفنا شر أعدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا واقض حاجاتنا واشف مرضانا ومرضى المسلمين " رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "(البقرة201)

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القرب وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

1438/3/16 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي