وصايا للحاج

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 17 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1404 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي شرع لعباده حج بيته الحرام، وجعل ذلك أحد أركان الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ليبين لأمته شرائع الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، وسلم تسليما.

أما بعد: أيها الناس؛

في موسم الحج يتهيأ المسلمون للسفر لحج بيت الله الحرام فمنهم المتنفل بحج، ومنهم من يؤدي به فريضة الإسلام، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى تهيء بما يلزم له ماليا وبدنيا، فيحتاج إلى النفقة الكافية التي يستغني بها عن الناس قال تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]

فأمر سبحانه بالتزود، وهو أخذ الزاد الكافي لسفره ذهابا وإيابا وتوفير المركوب المناسب الذي يحمله في سفره ويبلغه إلى بيت الله، ثم يرده إلى وطنه، قال تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97]

والسبيل الذي اشترط الله استطاعته: هو الزاد والمركوب المناسب في كل وقت بحسبه. ولما كان أناس يحجون بلا زاد ويصبحون عالة على الحجاج ويقولون نحن متوكلون، نهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالتزود بما يغنيهم عن الناس، فقال تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197]

وكان أناس يظنون أن الإتجار والتكسب في موسم الحج لا يجوز للحجاج فأنزل الله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]

بين سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين أنه لا بد من أخذ زادين؛ زاد السفر للدنيا، وذلك بالطعام والشراب الكافيين إلى نهاية الرحلة، وزاد السفر للآخرة وذلك بالعمل الصالح والابتعاد عن المعاصي، ثم بين سبحانه أن مزاولة التجارة والاكتساب وطلب الرزق الحلال لا يتعارض مع العبادة إذا لم يطغ على وقتها ولم يشغل عنها.

كما لا يتنافى مع التوكل، ولا بد لمن يريد الحج أن يوفر لأهل بيته ما يكفيهم من النفقة إلى أن يرجع إليهم، ولا يجوز له أن يتركهم بدون نفقة أو ينقص من نفقتهم من أجل أن يوفر ما يكفي لحجه، فإنه في هذه الحالة آثم. قال صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" (صحيح أبي داود للألباني).

كما أن على من ينوي الحج أن يسدد الديون التي عليه، فإن لم يكن لديه من المال ما يكفي لنفقة الحج وسداد الدين فإنه يقدم سداد الدين أو يستأذن من صاحب الدين.

كما أن على الحاج أن ينفق في حجه من الكسب الحلال، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)" (رواه مسلم).

ويجب على من يريد الحج أن يتوب إلى الله من سائر الذنوب، وإذا كان عنده مظالم للناس فعليه أن يردها إليهم ويطلب مسامحتهم، ليستقبل حجه بالتوبة، كما يجب عليه أن يتجنب الذنوب والمعاصي وأن يحافظ على أداء الصلوات وسائر الواجبات، وهذا أمر واجب عليه في كل حياته، لكن الحاج يتأكد في حالة ذلك لأنه في عبادة عظيمة ، فلا ينبغي له أن يدخل فيه وهو متلبس بالذنوب والمعاصي أو يفعل الذنوب والمعاصي أثناء الحج، قال تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".

ويجب على الحاج أن يخلص النية لله في حجه بأن لا يقصد به رياء ولا سمعة ولا طمعا من مطامع الدنيا، قال تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة 196]

قوله: {لله} يعني: إخلاص النية فيه لله وحده وتخليص أفعاله من الشرك الأكبر والأصغر، فلا يكون فيه رياء ولا سمعة ولا فخر ولا خيلاء ولا مباهاة، ويتواضع في حجه

وعلى الحاج قبل أن يسافر للحج أن يكتب ما له وما عليه من الديون وما عنده من الودائع والأمانات من أجل أنه لو قدر أن يجري عليه شيء في سفره من موت أو عائق يمنعه من الرجوع إلى وطنه فإنه يكون قد وثق هذه الحقوق وبينها، فيضمن بذلك وصولها إلى أهلها وتبرأ ذمته منها.

فاتقوا الله عباد الله واستعدوا للحج بما يليق وأدوه على الوجه المشروع, وأكملوا مناسكه، وأخلصوا النية فيه لله مع الخشوع والسكينة والتواضع فيه لله، والإحسان إلى إخوانكم الحجاج وعدم أذيتهم، ومضايقتهم، واصبروا على مشاقه وما ينالكم فيه من التعب، فإنه من الجهاد، والجهاد لا بد فيه من مشقة وتعب.

{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أوجب على عباده حج بيته لمن استطاع إليه سبيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلو تبديلاً، وسلم تسليماً.

أما بعد: أيها الناس؛

اتقوا الله تعالى، وحافظوا على دينكم من جميع جوانبه ولا تكونوا ممن يهتم بجانب منه، ويهمل الجوانب الأخرى، فإن بعض الناس يهتم بالحج والعمرة ويضيع بقية أركان الإسلام، فلا يهتم بإصلاح العقيدة التي هي أساس الدين، فتراه يدعو الموتى ويتقرب إليهم بأنواع العبادات، أو لا يهتم بالصلاة التي هي عمود الإسلام، وتركها كفر بالله وخروج من الدين، ولا يهتم بأداء الزكاة التي هي قرينة الصلاة، وثالثة أركان الإسلام، ولا يصوم رمضان، الذي جعل الله صومه فريضة على أهل الإيمان، قال تعالى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: 85-86]

فليس الدين هو الحج فقط، وإنما الحج جزء من الدين وركن من أركانه، وقبله أركان آكد منه، فمن كان مضيعا لشيء من أركان الإسلام وهو يريد أن يحج فعليه أن يتوب إلى الله توبة صحيحة ويؤدي ما ترك، ويحافظ على أدائه، ثم يحج بعد ذلك، لعل الله يقبل توبته ويتقبل منه حجه وسائر عباداته، ثم يستمر على التوبة ويستقيم على الدين والطاعة، ويتجنب المعاصي في بقية حياته ومستقبل أيامه، فإن الأعمال بالخواتيم وباب التوبة مفتوح ما لم يحضر الأجل، والأجل منتظر حضوره في كل لحظة، ولا يدري أحد متى تحين وفاته {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بأي أرض تموت} [لقمان: 34]

فاتقوا الله عباد الله وبادروا بالتوبة وحافظوا على الطاعة.

هذا، وصلوا وسلموا على خير البرية نبيكم محمد فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل :{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك وجودك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وكل أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أيد بالحق إمامنا، ووفقه لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة، اللهم أعز به دينك، وأعل بهم كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين .

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى.

اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.

اللهم إن اليهود الصهاينة المحتلين الغاصبين قد طغوا وبغوا، وآذوا وأفسدوا، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره يا رب العالمين اللهم ارحم موتى المسلمين، واشف مرضاهم، وفك أسراهم، وأصلح لهم شأنهم يا رب العالمين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90 ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، " ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون } {العنكبوت 45}

1439-03-17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي