أحوال الناس

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1676 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين وعدهم الله بالمغفرة والأجر الكبير، وسلم تسليما

أما بعد أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أنكم ما خلقتم عبثا، ولم تتركوا سدى، خلقكم الله لعبادته، وأمركم بتوحيده وطاعته، وأوجدكم في هذه الدار، وأعطاكم الأعمار، وسخر لكم الليل والنهار، وأمدكم بنعمه وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه، لتستعينوا بذلك على طاعة الله، وأرسل إليكم رسوله، وأنزل عليكم كتابه ليبين لكم ما يجب وما يحرم، وما ينفع وما يضر وما أنتم قادمون عليه من الأخطار والأهوال لتأخذوا حذركم وتستعدوا لما أمامكم

جعل هذه الدنيا دار عمل، والآخرة دار جزاء، وحذركم من الاغترار بهذه الدنيا والانشغال بها عن الآخرة، لأن الدنيا ممر، والآخرة المقر، وإذا لم تَسر أيها العبد إلى الله بالأعمال الصالحة، وتطلب الوصول إلى جنته، فإنه يُسار بك وأنت لا تدري، وعما قريب تصل إلى نهايتك من هذه الدنيا، وتقول "رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون"المنافقون: 10-11

أخي في الله

إنك في هذه الدنيا تتقلب بين أحوال ثلاث

نعم تتوالى من الله عليك تحتاج إلى شكر، والشكر مبني على أركان ثلاثة: الاعتراف بنعم الله باطنا، والتحدث بها ظاهرا، وتصريفها في طاعة موليها ومعطيها، فلا يتم الشكر إلا بهذه الأركان، ولا تستقر النعم إلا بالشكر

الحال الثاني: مما يجري على العبد في هذه الدنيا من محن وابتلاءات من الله يبتليه بها، فيحتاج إلى الصبر، والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله مثل الصلاة، وصبر عن معصية الله مثل الزنا، وصبر على قدر الله مثل الموت

ومدار الصبر على هذه الأنواع الثلاثة؛ فمن وفاها وفي أجر الصابرين. وقد قال الله تعالى "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" الزمر:10

والله سبحانه لا يبتلي العبد المؤمن ليهلكه، وإنما يبتليه ليمتحن صبره وعبوديته لله، فإذا صبر صارت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية في حقه عطية، وصار من عباد الله المخلصين الذين ليس لعدوهم سلطان عليهم، كما قال تعالى لإبليس "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان"الاسراء:65

وقال تعالى "إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون" النحل:99-100

الحال الثالث: ابتلاؤه بالهوى والنفس والشيطان، فالشيطان العدو الأكبر، يغتاله ويظفر به إذا غفل عن ذكر الله وطاعته، واتبع هواه وشهوته، ولكن الله سبحانه فتح لعبده باب التوبة والرجوع إليه، فإذا تاب إلى الله توبة صحيحة تاب الله عليه وخلصه من عدوه ورد كيده عنه

وإذا أراد الله بعبده خيراً فتح له باب التوبة والندم والانكسار والاستعانة بالله ودعائه والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات، وأراه عيوب نفسه وسعة فضل الله عليه، وإحسانه إليه ورحمته به، فرؤية عيوب النفس توجب الحياء من الله والذل بين يديه، والخوف منه

ورؤية فضل الله توجب محبته والطمع بما عنده، فيكون بين الخوف والرجاء، من الذين يدعون ربهم خوفاً وطمعاً

عباد الله

إن الإنسان إذا طالع عيوب نفسه عرف قدرها واحتقرها، فلا يدخله عجب ولا كبر، وإذا نظر في فضل ربه عليه أحبه وعظمه، وأول مراتب تعظيم الله سبحانه تعظيم أوامره ونواهيه، وذلك بفعل ما أمر الله به من الطاعات، وترك ما نهى عنه من المعاصي، لأن المؤمن يعرف ربه عز وجل برسالته التي أَرسل بها رسوله صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس، ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه، وعلامة التعظيم للأوامر رعاية أوقاتها وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على فعلها في أوقاتها، والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها كمن يحزن على فوت صلاة الجماعة، ويعلم أنه لو تقبلت صلاته منفرداً فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفا

ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق محبط للعمل

والمن بالصدقة مفسد لها، قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى"البقرة:264

وقد تحبط أعمال الإنسان وهو لا يشعر، كما قال تعالى "يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون"الحجرات:2

حذر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض وهم لا يشعرون بذلك، وليس ذلك بردة، بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها

وقد يتساهل الإنسان بشيء من المعاصي وهو خطير، وإثمه كبير، كما قال تعالى "وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ"النور:15

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً"رواه الطبراني وصححه الألباني، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.رواه البخاري.

عباد الله

ومن علامات تعظيم حرمات الله ومناهيه أن يكره المؤمن ما نهى الله عنه من المعاصي، وأن يكره العصاة، ويبتعد عنهم، ويبتعد عن الأسباب التي توقع في المعاصي، فيغض بصره عما حرم الله، ويصون سمعه عما لا يجوز الاستماع إليه من المعازف والمزامير والأغاني والغيبة والنميمة والكذب وقول الزور، ويصون لسانه عن ذلك، وأن يغضب إذا انتهكت محارم الله فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقوم بالنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، وأن لا يتبع الرخص والتساهل في الدين، ولا يتشدد فيه إلى حد يخرجه عن الاعتدال والاستقامة

لأن من تتبع الرخص من غير حاجة إليها كان متساهلاً، ومن تشدد في أمور الدين كان جافياً، ودين الله بين الغالي والجافي، وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما لتقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فإنه يأتي إلى العبد، فإن وجد فيه فتوراً وتوانياً وترخصاً ثبطه وأقعده وضربه بالكسل والتواني والفتور وفتح له باب التأويلات، حتى ربما يترك هذا العبد أوامر الله جملة، وإن وجد عنده رغبة في الخير وحبا في العمل وحرصا على الطاعة وخوفا من المعاصي أمره بالاجتهاد الزائد حتى يزهده بالاقتصار على الحد المشروع، فيحمله على الغلو والمجاوزة وتعدي الصراط المستقيم، كما يحمل الأول على القصور دون هذا الصراط، ويحول بينه وبين الدخول فيه

يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور*إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير.فاطر:5-6

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وجعلني وإياكم من الصالحين، هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على نعمته الباطنة والظاهرة، جعل الدنيا مزرعة للآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الأولى والآخرة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات الباهرة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى الزاهرة، وسلم تسليما كثيرا

أما بعد أيها الناس

اتقوا الله تعالى وتأملوا في دنياكم سرعة زوالها، وتغير أحوالها، فإن ذلك يحملكم على عدم الاغترار بها، ويحفزكم على اغتنام أوقاتها قبل فواتها، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فإن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه، فليتدبر قوله عز وجل "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار"الأحقاف:35، وقوله عز وجل "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين*قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين*قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون" المؤمنون:112-114، وقوله عز وجل"يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما"طه:102-104

أخي المسلم

أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الدنيا أضعت نصيبك من الآخرة، وكنت من نصيب الدنيا على خطر، وإن بدأت بنصيبك في الآخرة مر بنصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاماً

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الدنيا محطة تنزلون فيها في سفركم إلى الآخرة لتأخذوا منها الزاد فتزودوا "فإن خير الزاد التقوى"البقرة:197

ألا وصلوا على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال "إن اللّه وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً"الأحزاب:56

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين واحفظ لنا ولي أمرنا ومتعه بالصحة والعافية وانصر جنودنا في الحد الجنوبي على الحوثيين

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى

اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا

اللهم اجعلنا لك شاكرين، ذاكرين، مخبتين، أواهين منيبين

اللهم تقبل توبتنا، واغفر حوبتنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخائم قلوبنا

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات

اللهم ألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا، ربنا إنك رءوف رحيم

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.البقرة:201.

عباد الله

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل:90.، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1439-1-25

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي