تعلم القرآن الكريم

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1700 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة القرآن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي من عمل بمقتضاها، ويستحق بها دخول الجنان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المؤيد بمعجزة القرآن، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على طريق الإيمان وسلم تسليما كثيراً

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما منَّ به عليكم من نعمة الايمان، وخصكم به من إنزال القرآن، فهو القرآن العظيم، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه، مكتوب في اللوح المحفوظ، ومحفوظ في الصدور، وميسر للتعلم (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)القمر:17

ميسر حفظه للصغار والأعاجم، لا تكل الألسن من تلاوته ولا تمل الأسماع من حلاوته، ولا يشبع العلماء من التفقه في معانيه، ولا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، لأنه المعجزة الخالدة، والحجة الباقية، أمر الله بتلاوته وتدبره وجعله مباركا، فقال تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا ءاياته وليتذكر أولوا الألباب) ص: 29

وقال صلى الله عليه وسلم (من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) رواه الترمذي وصححه الألباني .

وقد جعل الله ميزة وفضيلة لحملة القرآن العاملين به على غيرهم من الناس، قال صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) رواه البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر) رواه البخاري ومسلم

ففي هذه النصوص حث على تعلم القرآن وتلاوته وتدبره والعمل به

وقد انقسم الناس مع القرآن إلى أقسام

فمنهم من يتلوه حق تلاوته ويهتم بدراسته علماً وعملاً، وهؤلاء هم السعداء، الذين هم أهل القرآن حقيقة

ومنهم من أعرض عنه فلم يتعلمه ولم يلتفت إليه، وهؤلاء قد توعدهم الله بأشد الوعيد، فقال تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) الزخرف: 36

وقال تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه: 124-126

ومن الناس من تعلم القرآن ولكن أهمل تلاوته، وهذا هجر للقرآن، وحرمان للنفس من الأجر العظيم في تلاوته، وسبب لنسيانه فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان خسارة كبيرة، وسبب لتسلط الشيطان على العبد، وقسوة للقلب

ومن الناس من يتلو القرآن مجرد تلاوة من غير تدبر ولا اعتبار، وهذا لا يستفيد من تلاوته فائدة كبيرة، وقد ذم الله من اقتصر على التلاوة من غير تفهم فقال سبحانه في اليهود (ومنهم أميون لا يعلون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) البقرة: 78، أي: يتلونه تلاوة مجردة عن الفهم

فيجب على المسلم عند تلاوته للقرآن أن يحضر قلبه لتفهمه، ولا يكتفي بمجرد سرده وختمه من غير تفهم وتأثر

ومن الناس من يتخذ تلاوة القرآن حرفة يتأكل بها، فيقرأه في المحافل والمآتم والموالد لأجل ما يدفع إليه من الأجرة، ويقرؤونه على غير الوجه المشروع فيلحنونه بألحان الأغاني، فهؤلاء جمعوا بين عدة جرائم

أولاً: قراءة القرآن في مواطن البدعة والمعصية كالمآتم والموالد وبعض المحافل التي تشتمل على المنكرات والهزليات

ثانياً: اتخاذ تلاوة القرآن لطلب الدنيا، والتلاوة عبادة لا يجوز أن يقصد بها الدنيا، وإنما يقصد بها وجه الله وطلب الأجر والثواب

ثالثاً: قراءة القرآن على غير الوجه الصحيح. بل على وجه الألحان المحرمة

ومن الناس من يتلو القرآن ويحسن التلاوة رياء وسمعة، وهو لا يؤمن به، وهؤلاء هم المنافقون اعتقادياً الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر)رواه البخاري. وقد يقرأ هؤلاء القرآن من أجل المجادلة به واتباع متشابهه، كما قال الله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأوليه) آل عمران: 7

أما من قرأ القرآن وهو مؤمن به، ولكنه بقراءته يُحَسن صوته بقصد ثناء الناس عليه ومدحهم له والاجتماع حوله، فهذا نفاق عملي وشرك أصغر يبطل الثواب ويوجب العقاب. قال الله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون) الماعون: 4-6

وإن كان بقصد نفع الناس بإسماعهم القرآن فهو مثاب مأجور

عباد الله

إن وجود القرآن بيننا وتيسير الحصول عليه لمن طلبه، وتوفير المصاحف في المساجد والبيوت والمكاتب، وإذاعة تلاوته في الإذاعات التي يسمعها من قرب ومن بعد كل هذا من أعظم النعم على من وفقه الله لتعلم كتاب الله واستماعه والعمل به. وهو حجة للناس أو عليهم، قال الله لرسوله (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) الأنعام: 19

وقال صلى الله عليه وسلم (والقرآن حجة لك أو عليك) رواه مسلم

فاتقوا الله عباد الله واهتموا بكتاب الله تعلماً وتعليماً وعلماً وعملاً تكونوا من أهله (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون بالأخرة اعتدنا لهم عذاباً أليماً) الإسراء: 9-10

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، جعل القرآن نوراً للمؤمنين، وحجة على الكافرين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد، عباد الله

اعلموا أن لكتاب الله مكانة عظيمة توجب على المسلم تعظيمه، واستماعه بإنصات وحضور قلب، قال تعالى (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) الأعراف: 204

ومن تعظيمه أن لا يمسه إلا طاهر. قال صلى الله عليه وسلم (لا يمس القرآن إلا طاهراً) رواه الدارقطني وصححه الألباني، كما يحرم على الجنب تلاوته، سواء من المصحف أو حفظاً، كما ذكر الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء إلا الجنابة. وكذلك المحدث حدثاً أصغر والحائض والنفساء لا يجوز لهم قراءة القرآن بدون حائل إلا حفظاً

ولا تجوز كتابة القرآن على شيء يتعرض فيه للإهانة ككتابته على الستور والجدران من أجل الزخرفة والزينة أو كتابته على لوحات تعلق، وهذا كله من العبث بكتاب الله، وفي ذلك ابتذال له، واتخاذه حرفة للكسب والبيع والشراء، فإن الذين يكتبون هذه اللوحات يبيعونها للناس ويأكلون ثمنها، والذين يشترونها يعلقونها على جدرانهم من أجل الزخرفة والزينة والمناظر الجميلة وقد تعلق مع صور محرمة وفي أمكنة غير لائقة، فاحترموا كتاب الله وصونوه عن هذا العبث

واعلموا أنه يحرم دخول الخلاء بالمصحف أو بشيء من القرآن ما لم يخش عليه من السرقة فيضعه في جيبه للضرورة، كما تحرم قراءة شيء من القرآن داخل محل قضاء الحاجة

ومما يجدر التنبيه عليه: المجلات والجرائد التي يكتب فيها شيء من القرآن، لا يجوز إلقاؤها وتعريضها للامتهان، بل يجب رفعها أو انتزاع ما فيها من القرآن قبل إلقائها وامتهانها أو حرقها

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة نبينا محمد، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) الأحزاب:56

اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا إلى ما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وارزقه البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم، اللهم احفظ جنودنا في الحد الجنوبي على الحوثيين وانصرهم على الظالمين المغتصبين واجعلهم عبرة للمعتبرين وطهر أرض اليمن من دنسهم ، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بشريعتك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم

" ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الأخرة حسنةً وقنا عذاب النار " البقرة 201

عباد الله: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " النحل 90

فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم"ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"العنكبوت45

1439-1-26 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي