أحوال الناس يوم القيامة

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 19 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2997 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله رب العالمين، خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وفاوت بينهم في العقول والأخلاق والآجال والأرزاق ليدلنا بذلك على قدرته وحكمته، وشدة عقوبته وسعة رحمته، أحمده على نعمه التي لا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله لا نبي بعده إلى أن تقوم الساعة، وأوجب على جميع العالمين الانقياد له بالطاعة، صلى الله عليه وسلم وعلى جميع آله وصحابته وأتباعه

أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله تعالى وتأملوا أحوالكم، وأصلحوا أعمالكم، وتفكروا في مصيركم، واعلموا أنكم في هذه الحياة تنتقلون من حال إلى حال فتزودوا منها للآخرة بصالح الأعمال، قال الله تعالى "لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ" الانشقاق(19) أي حالاً بعد حال، فأول أطباق الإنسان كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم جنيناً ثم مولوداً رضيعاً ثم فطيماً ثم صحيحاً أو مريضاً، غنياً أو فقيراً، يأخذ بالزيادة فيكون صبياً، ثم بالغاً إلى أن يصل إلى سن الأربعين فيأخذ بالنقصان وضعف القوى على التدرج، قال الله تعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً" الروم(54) فقوته بين ضعفين وحياته بين موتتين، فإذا تغيرت أحواله وظهر نقصه فقد رد إلى أرذل العمر، حتى إذا بلغ الأجل الذي قدر له واستوفاه جاءته رسل ربه عز وجل ينقلونه من دار الفناء إلى دار البقاء فيُنزل في القبر وهو دار البرزخ، فإذا وضع في لحده وتولى عنه أصحابه دخلت الروح معه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم على الأرض فيأتيه حينئذ الملكان فيجلسانه ويسألانه: من ربك، وما دينك، ومن نبيك، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، فيصدقانه ويبشرانه، بأن هذا هو الذي عاش عليه، ومات عليه، وعليه يبعث، ثم يفسح له في قبره مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة

وأما الفاجر فإنه إذا سأله الملكان يتلجلج ويقول: لا أدري فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويفتح له باب إلى النار

فعن البراء بن عازب قال: " خرَجْنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ في جِنازةِ رجلٍ منَ الأنصارِ، فانتَهينا إلى القبرِ ولمَّا يُلحَدْ، فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ وجَلَسنا حولَهُ كأنَّما على رءوسِنا الطَّيرُ، وفي يدِهِ عودٌ ينْكتُ بِهِ في الأرضِ، فرفعَ رأسَهُ، فقالَ: استَعيذوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ مرَّتينِ، أو ثلاثًا، زادَ في حديثِ جريرٍ هاهنا وقالَ: وإنَّهُ ليسمَعُ خفقَ نعالِهم إذا ولَّوا مدبرينَ حينَ يقالُ لَهُ: يا هذا، مَن ربُّكَ وما دينُكَ ومن نبيُّكَ ؟ ويأتيهِ ملَكانِ فيُجلِسانِهِ فيقولانِ لَهُ: مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ: ربِّيَ اللَّهُ، فيقولانِ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ، فيقولانِ لَهُ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكم ؟ فيقولُ: هوَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فيقولانِ: وما يُدريكَ ؟ فيقولُ: قرأتُ كتابَ اللَّهِ فآمنتُ بِهِ وصدَّقتُ زادَ في حديثِ جريرٍ فذلِكَ قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ "يُثبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا" إبراهيم(27) فينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن قَد صدقَ عَبدي، فأفرِشوهُ منَ الجنَّةِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى الجنَّةِ، وألبسوهُ منَ الجنَّةِ فيأتيهِ من رَوحِها وطيبِها ويُفتَحُ لَهُ فيها مدَّ بصرِهِ وإنَّ الْكافرَ فذَكرَ موتَهُ قالَ: وتعادُ روحُهُ في جسدِهِ، وياتيهِ ملَكانِ فيُجلسانِهِ فيقولانِ: من ربُّكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ لَهُ: ما دينُكَ ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فيقولانِ: ما هذا الرَّجلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم ؟ فيقولُ: هاهْ هاهْ، لا أدري، فُينادي منادٍ منَ السَّماءِ: أن كذَبَ، فأفرشوهُ منَ النَّارِ، وألبِسوهُ منَ النَّارِ، وافتَحوا لَهُ بابًا إلى النَّارِ فيأتيهِ من حرِّها وسمومِها ويضيَّقُ عليْهِ قبرُهُ حتَّى تختلِفَ فيهِ أضلاعُهُ زادَ في حديثِ جريرٍ قالَ: ثمَّ يقيَّضُ لَهُ أعمى أبْكَمُ معَهُ مِرزبَةٌ من حديدٍ لو ضُرِبَ بِها جبلٌ لصارَ ترابًا فيضربُهُ بِها ضربةً يسمَعُها ما بينَ المشرقِ والمغربِ إلَّا الثَّقلينِ فيَصيرُ ترابًا ثمَّ تعادُ فيهِ الرُّوحُ " رواه أبو داود ، وصححه الألباني

وفقني الله وإياكم في هذه الدنيا لصالح الأعمال.

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين .

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله واعلموا أنه إذا انتهى أجل العالم الدنيوي تمطر الأرض مطراً غليظاً فينبتون من قبورهم كما ينبت الشجر والعشب، فإذا تكاملت أجسادهم أمر الله سبحانه إسرافيل فنفخ في الصور نفخة البعث "فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ" الزمر(68) يقول المؤمن: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، ويقول الكافر "يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ" يس(52) ثم يساقون إلى المحشر حفاةً عراةً غرلاً، حتى إذا تكاملت عدتهم وصاروا جميعاً على وجه الأرض تشققت السماء، وانتثرت الكواكب ونزلت ملائكة السماء فأحاطت بهم، ثم نزلت ملائكة السماء الثانية فأحاطت بملائكة السماء الدنيا، ثم كل سماء كذلك فبينما هم كذلك إذ جاء الله رب العالمين لفصل القضاء فأشرقت الأرض بنوره ونُصب الميزان واستدعي الشهود، فشهدت يومئذ الأيدي والألسن والأرجل والجلود، فيحكم الله سبحانه بين عباده بحكمه الذي يحمده عليه جميع أهل السموات والأرض، وتوفىّ كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون، فإذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، أُتي بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون وجلين، ثم يقال: يا أهل النار، فيطّلعون مستبشرين فيقال: هل تعرفون هذا، فيقولون: نعم، وكلهم قد عرفه، فيقال: هذا الموت فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت

عباد الله: هذه أحوال الإنسان، وهذا منتهاه، فاتقوا الله في أنفسكم وفكروا في عواقبكم واسمعوا قول الله لكم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ" الحشر(18)

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه

وصلوا على نبيكم وأنيبوا إلى ربكم وتذكروا مآلكم جعلني الله وإياكم من الذاكرين القائمين المخبتين ووفق الله ولي أمرنا لما يحبه ويرضاه وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

1435-3-19

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 8 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي