الدرس 130 الشروط في البيع 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 17 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1336 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

يجوز اشتراط الجمع بين عقدين إلا في مسألتين

الأولى إذا شرط قرضاً ينتفع به فهنا لا يحل لأنه قرض جر نفعاً فيكون ربا لأن كل قرض جر نفعاً فهو حرام

مثال القرض إذا جاء الرجل ليستقرض من شخص فقال أنا أقرضك لكن بشرط أن تبيع بيتك علي بمائة ألف وهو يساوي مائة وعشرين فهنا شرط القرض مع البيع على وجه ينتفع به فالبائع انتفع من قرضه حيث نزل له من قيمة البيت عشرون ألفاً وهذا ربا فلا يصح

المسألة الثانية أن يكون حيلة على الربا بأن يشترط بيعاً آخر يكون حيلة على الربا فإنه لا يصح

مثاله أن يكون عند شخص مائة صاع بر جيد وعند الثاني مائتا صاع بر رديء فيأتي صاحب البر الرديء ويقول لصاحب البر الجيد بعني المائة صاع البر الجيد بمائتي درهم قال لا بأس بشرط أن تبيع علي مائتي الصاع الرديئة بمائتي درهم فهذا لا يجوز لأنه حيلة على أن يبيع مائة صاع بر جيد بمائتي صاع رديئة من البر وهذا حرام لأنه ربا لأن البر بالبر لا بد أن يكون سواء

وهذا هو الذي ينطبق على القواعد الشرعية وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله ومذهبه في المعاملات هو أقرب المذاهب إلى السنة غير أنه لا يتعارض مع مذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله

والأصل في المعاملات الحل حتى يقوم دليل على التحريم

قوله (وإن شرط أن لا خسارة عليه) هذا شرط فاسد فيفسد الشرط ويصح العقد

وضابطه أن يكون الفساد مختصاً بالشرط لمنافاته مقتضى العقد

مثاله شرط أن لا خسارة عليه الشارط المشتري قال المشتري اشتريت منك بمائة ألف بشرط ألا يكون علي خسارة أي لو نزلت السوق وبعته بأقل فلا خسارة علي الخسارة على البائع فهذا الشرط لا يصح لأنه مخالف لمقتضى العقد ومقتضى العقد أن المشتري يملك المبيع فله غنمه وعليه غرمه لحديث عائشة رضي الله عنها (الخراج بالضمان) رواه ابن حبان وصححه

أي من له ربح شيء فعليه خسارته فإذا كان الربح للمشتري فلا يصح أن يشترط الخسارة على البائع

والدليل على أن الشرط إذا كان مخالفاً لمقتضى العقد يكون باطلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل شرط البائع لنفسه الولاء في قصة بريرة حيث كاتبت أهلها على تسع أواق من الورق وجاءت تستأذن عائشة رضي الله عنها فقالت عائشة إذا أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فذهبت لأهلها فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال خذيها واشترطي لهم الولاء فأخذتها بهذا الشرط فلما تم العقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم وبين أن هذا شرط باطل فقال (ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق) أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها

فأبطل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الشرط لأنه يخالف مقتضى العقد إذ أن مقتضى العتق أن يكون الولاء للمعتق لا لغيره ولهذا قال العلماء كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل فالعقد صحيح حيث تمت فيه الشروط وانتفت الموانع والخلل إنما هو بالشرط

قوله (أو متى نفق المبيع وإلا رده) نفق بمعنى زاد وصار له سوق يُشترى وإلا رده على البائع هذا أيضاً شرط فاسد لأنه يخالف مقتضى العقد إذ إن مقتضى العقد أن المبيع للمشتري سواء نفق أو لا

قوله (أو لا يبيع) الشارط البائع شرط البائع على المشتري ألا يبيعه فيقول المؤلف إن الشرط فاسد وهذا له صورتان

الصورة الأولى أن يشترط عليه أن لا يبيعه مطلقاً

الصورة الثانية أن يشترط عليه أن لا يبيعه على فلان خاصة

وكلاهما على المذهب شرط فاسد لأنهما يخالفان مقتضى العقد إذ مقتضى العقد أن المالك يبيع ملكه على من شاء وأن الشرط يرونه فاسداً لمخالفته مقتضى العقد ولكن الصحيح أن في ذلك تفصيلاً وهو إن كان شرط عدم البيع لمصلحة تتعلق بالعاقد أو بالمعقود عليه فإن الصحيح صحة ذلك مثال التي تتعلق بالعاقد أنا أعرف أن هذا الرجل محتاج إلى بيت وأريد أن أبيعه بيتي ولكن أعرف أن الرجل لا يحسن التصرف يمكن أبيعه عليه في الصباح ويبيعه هو في آخر النهار وأنا إنما أريد أن أبيعه عليه من أجل أن ينتفع به ويسكنه فأقول له لا أبيعك هذا البيت إلا بشرط أن لا تبيعه فيلتزم بهذا من مصلحة المشتري وهو العاقد
مثال مصلحة المعقود عليه عندي بعير فأقول أبيعك هذا بشرط أن لا تبيعها لفلان لأنه معروف أنه لا يرحم البهائم يُحملها ما لا تطيق ويضربها على غير خطأ ويجيعها ويجعلها في العراء في البرد فأقول بشرط أن لا تبيعها على فلان خوفاً من أن يسيء لهذه البهيمة

فالصحيح أنه يجوز لأن فيه مصلحة المعقود عليه

قوله (ولا يهبه) والهبة هي التبرع بالمال بدون عوض في حال الحياة فإنه لا يصح الشرط

مثاله أن يقول أبيعك هذا المتاع بشرط ألا تهبه لأحد أو لا تتصدق به على أحد فلا يصح لأن هذا ليس فيه مصلحة للبائع وإنما هو مجرد تحجير على المشتري فلا يصح لأنه يخالف مقتضى العقد لكن القول الصحيح أنه إذا شرط عليه ألا يهبه ففيه تفصيل

إذا كان له غرض مقصود فلا بأس وإن لم يكن له غرض مقصود فإنه لا يصح هذا الشرط لأنه تحجير على المشتري

قوله (ولا يعتقه) فالشرط فاسد والعقد صحيح لأنه ينافي مقتضى العقد إذ مقتضى العقد أن يتصرف المشتري تصرفاً تاماً لكن ربما يكون له غرض مثل أن يكون العبد لا يتمكن من الكسب فيشترط ألا يعتقه لئلا يهمله وربما يشترط ألا يعتقه لأنه لو عتق صار حراً وتصرف كيف شاء وربما يؤدي تصرفه هذا إلى الفسوق والفجور أو الذهاب إلى الكفار أيضاً إذا كان أسيراً من قبل وما أشبه ذلك

فالمهم أن الذي يترجح أنه إذا كان له غرض صحيح فإن الشرط صحيح وغاية ما فيه أنه يمنع المشتري من بعض التصرف الذي جعله الشارع له وهو يسقطه باختياره فكان الأمر إليه

قوله (أو إن أعتق فالولاء له) أي للبائع فإن الشرط لا يصح أي أن البائع باع العبد على إنسان وشرط عليه إن أعتقه أن يكون الولاء له أي للبائع فهنا العقد صحيح والشرط غير صحيح

والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بَريرة أن بريرة السابق ذكرها قال صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث (إنما الولاء لمن أعتق) أخرجه البخاري ومسلم فأجاز البيع ولم يجز الشرط

فما هو الولاء

الولاء معناه أن الإنسان إذا أعتق عبداً صار كأنه من أقاربه كما يروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (الولاء لُحمة كلُحمة النسب) رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما وصححه الألباني

أي التحام بين السيد والعتيق كالتحام النسب فيرثه المعتِق إذا لم يكن له وارث من النسب حتى إنه إذا هلك هالك عن بنت أخ شقيق وعن معتِق فالمال للمعتِق مع أن الميت عمها لكنها ليست بذي فرض ولا عصبة فيكون المال للسيد المعتق فالولاء في الواقع لحُمة كلُحمة النسب يثبت به ما يثبت بالنسب من جهة الميراث والولاية وما أشبه ذلك عند عدم عاصب النسب لكنه ليس كالنسب في ثبوت المحرمية ولذلك أعتق النبي صلّى الله عليه وسلّم صفية بنت حيي اليهودي عندما وقعت في الأسر بعد مقتل أبيها وعمها وجعل عتقها صداقها وتزوجها في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه

في حين لم يعتق مارية القبطية أم ابنه إبراهيم ولم يتزوجها بل تسرى بها وماتت رضي الله عنها وهي على الرق فأخطأ من قال أنها من أمهات المؤمنين أو أنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

16-07-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر