الدرس 129 باب الشروط في البيع 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 16 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1481 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (والأمة بكراً) إذا اشترط في الأمة أن تكون بكراً فهو شرط صحيح لأن البكارة صفة مقصودة فيكون الشرط صحيحاً فإن لم يشترط ووجدها ثيباً فلا خيار له لأن الغالب أنها إذا كانت عند سيدها أنه يطؤها

فإذا اشترط أن تكون بكراً ووجدها ثيباً وتبين أن البائع مدلس وأنه غر المشتري فللمشتري أرش فقد الصفة وإن لم يكن مدلساً فللمشتري الخيار بين الإمساك بلا أرش والرد لأن البائع أيضاً قد يكون مغتراً ويقول لم أرض ببيعه إلا بهذا الثمن ولا أرضى أن ينزل من الثمن شيء

قوله (الدار) أل فيها للعهد الذهني أي الدار المبيعة شهراً

مثاله أن يقول بعتك داري هذه بمائة ألف درهم على أن أسكنها لمدة شهر فيصح البيع ويصح الشرط والدليل على ذلك عام وخاص

أما العام فقوله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) أخرجه البخاري ومسلم

أما الخاص فدليله أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشترى من جابر بن عبد الله رضي الله عنهما جملاً واشترط جابر حُملانه إلى المدينة فوافقه النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك. أخرجه البخاري ومسلم

فهذا نفع معلوم في المبيع فهو كسكنى الدار شهراً

قوله (سكنى الدار شهراً) لو اشترط سكنى دار غير المبيعة فإنه لا يصح إذ لا بد أن يكون في نفس المبيع الذي تم عليه العقد فإن كان في غيره فهو جمع بين بيع وإجارة وهذا لا يصح

قوله (وحملان البعير إلى موضع معين) هذا تعيين بالمكان والأولى (سكنى الدار شهراً) تعيين بالزمان

مثاله بعتك هذا البعير على أن أسافر عليه إلى مكة وأرجع فالبيع صحيح والشرط صحيح

مثال آخر بعتك هذه السيارة بخمسين ألفاً بشرط أن أحج عليها وأرجع فهنا البيع صحيح والشرط صحيح لأنه نفع معلوم في المبيع

فإن قال بعتك هذه السيارة بخمسين ألفاً على أن أطلب عليها ضالتي فلا يصح الشرط لأنه مجهول وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الغرر) في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة

وإذا جُهل الشرط جُهل الثمن لأن مقابل الشرط المجهول من الثمن غير معلوم وجهالة الثمن تؤدي إلى بطلان البيع لأن من شروط البيع العلم بالثمن

مسألة لو قال البائع بعتك هذا البيت على أن أسكنه لمدة سنة ما لم أشتر بيتاً

الجواب يجوز لأن المشتري قبل على أن البائع يسكنه لمدة سنة فإن نقص شيء عن السنة فهو لمصلحة المشتري لا ضرر عليه في هذا

أما حديث عائشة رضي الله عنها أن فلاناً قدم له بَزٌّ من الشام فقالت عائشة للنبي صلّى الله عليه وسلّم لو بعثت إليه فاشتريت ثوبين نسيئة إلى ميسرة فبعث إليه فامتنع. أخرجه الحاكم وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي

فقولها إلى ميسرة مجهول ومع ذلك أقر النبي صلّى الله عليه وسلّم قولها لأن هذا الشرط موافق لمقتضى العقد لأن البائع إذا حُكِمَ بإعسار المشتري فإنه لا يستحق مطالبته حتى يوسر لقوله تعالى (فنظرة إلى ميسرة) فسواء شرطت أو لم تشرط لا أوفيك إلا عند الميسرة فيكون من باب التأكيد

قوله (أو شرط المشتري على البائع حمل الحطب) أل في الحطب للعهد الذهني أي الحطب الذي تم عليه البيع

مثاله اشترى منه حطباً بشرط أن يحمله إلى بيته وبيته معلوم في المكان الفلاني فيصح قياساً على ما إذا شرط البائع على المشتري نفعاً معلوماً في المبيع فإن اشترط عليه حمل حطب آخر غير المبيع فإنه لا يجوز

قوله (أو تكسيره) اشترط عليه أن يكسره والحمل على المشتري وهنا يكسره فقط

قوله (أو خياطة الثوب) اشترط على الذي اشترى منه القماش أن يخيط الثوب فالشرط هنا صحيح لأنه نفع معلوم في المبيع

قوله (أو تفصيله) أي تفصيل الثوب والتفصيل غير الخياطة

قوله (وإن جمع بين شرطين بطل البيع) أي إن جمع بين الشرطين من قوله (إذا اشترط البائع سكنى الدار) فإنه يفسد العقد فلو شرط البائع سكنى الدار شهراً وشرط شرطاً آخر كسكنى الدكان أيضاً سنة وكذلك لو شرط المشتري على البائع حمل الحطب وتكسيره جميعاً فإنه لا يصح ويبطل ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان

لكن الاستدلال بهذا الدليل غير صحيح والصحيح جواز الجمع بين شرطين أو ثلاثة أو أربعة شروط حسب ما يتفقان عليه والحديث لا يدل على هذا بوجه من الوجوه وإنما المراد بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (ولا شرطان في بيع) الشرطان اللذان يلزم منهما محذور شرعي وهذا الجمع بين شرطين فيما ذكر لا يلزم منه محذور شرعي كالجهل والظلم والربا وما أشبه ذلك

وعلى هذا فلو شرط حمل الحطب وتكسيره وإدخاله في المكان المعد له في البيت لكان هذا الشرط صحيحاً ولو كانت ثلاثة شروط لأنها شروط معلومة ولا تستلزم محذوراً شرعياً والأصل في المعاملات الحل والإباحة

لذا فالشروط الصحيحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام

الأول قسم ثابت سواء شرط أم لم يشترط لأنه من مقتضى العقد مثل تسليم البائع المبيع والمشتري الثمن وكون الثمن حالًّا وما أشبه ذلك مما لا يحتاج إلى شرط فهذا إذا شرط فهو توكيد فلو جمع ألف شرط من هذا النوع فصحيح

القسم الثاني ما يتعلق بمصلحة العقد وليس نفعاً ينتفع به البائع أو المشتري مثل الرهن وكون العبد كاتباً والأمة بكراً وما أشبه ذلك

القسم الثالث شرط نفع إما للبائع وإما للمشتري ومثال للذي للبائع أن يشترط إذا باع داره سكناها سنة والذي للمشتري مثل أن يشترط على البائع أن يحمل الحطب وما أشبه ذلك فهذان النوعان إذا جمع فيهما بين شرطين صح البيع

قوله (ومنها فاسد يبطل العقد) وهذا هو القسم الثاني من أقسام الشروط الفاسدة

قوله (كاشتراط أحدهما على الآخر عقداً آخر كسلف) هذا فاسد يفسد العقد والسلف هو السلم والسلم تقديم الثمن وتأخير المثمن فيقول المشتري للبائع هذه مائة درهم بمائة صاع من البر تعطيني إياها بعد سنة فإذا باع أحدهما على الآخر شيئاً كدارٍ مثلاً وقال بشرط أن تسلمني مائة درهم بمائة صاع من البر فالشرط هنا فاسد مفسد للعقد إذ هو فاسد من أصله

قوله (وقرض) كذلك لو اشترط قرضاً مثاله قال له بع علي بيتك هذا فقال أبيعه عليك بشرط أن تقرضني مائة ألف فهذا الشرط فاسد ومفسد للعقد فلا يصح القرض ولا يصح البيع

قوله (وبيع) أي لو اشترط عليه بيعاً فطلب منه أن يبيعه سيارته قال أبيعك إياها بخمسين ألفاً بشرط أن تبيع علي سيارتك بخمسين ألفاً أو بأقل أو بأكثر فهنا لا يصح البيع لا الأصل ولا المشروط

قوله (وإجارة) مثاله بعتك هذا البيت بمائة ألف بشرط أن تؤجرني بيتك لمدة سنة فالعقد لا يصح لأنه جمع بين عقدين

هذا قول المؤلف والصواب جواز ذلك إلا في مسألتين

الأولى إذا شرط قرضاً ينتفع به فهنا لا يحل لأنه قرض جر نفعاً فيكون ربا

مثاله إذا جاء الرجل ليستقرض من شخص فقال أنا أقرضك لكن بشرط أن تبيع بيتك عليّ بمائة ألف وهو يساوي مائة وعشرين فهنا شرط القرض مع البيع على وجه ينتفع به فالبائع انتفع من قرضه حيث نزل له من قيمة البيت عشرون ألفاً وهذا ربا فلا يصح

الثانية أن يكون حيلة على الربا بأن يشترط بيعاً آخر يكون حيلة على الربا فإنه لا يصح

مثاله أن يكون عند شخص مائة صاع بر جيد وعند الثاني مائتا صاع بر رديء فيأتي صاحب البر الرديء ويقول لصاحب البر الجيد بعني المائة صاع البر الجيد بمائتي درهم قال لا بأس بشرط أن تبيع علي مائتي الصاع الرديئة بمائتي درهم فهذا لا يجوز لأنه حيلة على أن يبيع مائة صاع بر جيد بمائتي صاع رديئة من البر وهذا حرام لأنه ربا لأن البر بالبر لا بد أن يكون سواء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

15-07-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر