الدرس 128: باب الشروط في البيع 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 14 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1165 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الشروط جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، ومنه قول الله تعالى (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) محمد: 18
أما في الاصطلاح فهو بحسب ما يكون شرطاً فيه، فقد يراد به ما تتوقف عليه الصحة أي ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، ويختلف عن السبب بأن السبب يلزم من وجوده الوجود ويشتركان في أنهما يلزم من عدمهما العدم

فالوضوء شرط لصحة الصلاة، يلزم من عدمه عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من وجوده الوجود لأن الإنسان قد يتوضأ ولا يصلي

ومنه شروط البيع السابقة، فإنه يلزم من عدمها العدم ولا يلزم من وجودها الوجود، لأنه قد تتم الشروط كلها ويوجد مانع كأن يقع البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة

الشروط في البيع غير شروط البيع

الشروط في البيع هي إلزام أحد المتعاقدين الآخر ما لا يلزمه بمقتضى العقد وكذلك في غيره

وأما ما يلزمه بمقتضى العقد فإنه إن شرط فهو من باب التوكيد

والفروق بين الشروط في البيع وشروط البيع من وجوه أربعة

الأول: أن شروط البيع من وضع الشارع، والشروط في البيع من وضع المتعاقدين

الثاني: شروط البيع يتوقف عليها صحة البيع، والشروط في البيع يتوقف عليها لزوم البيع، لكن ليس بلازم، لأن من له الشرط إذا لم يوف له به فله الخيار

الثالث: شروط البيع لا يمكن إسقاطها، والشروط في البيع يمكن إسقاطها ممن له الشرط

الرابع: شروط البيع كلها صحيحة معتبرة، لأنها من وضع الشرع، والشروط في البيع منها ما هو صحيح معتبر، ومنها ما ليس بصحيح ولا معتبر، لأنه من وضع البشر، والبشر قد يخطئ وقد يصيب

وهذه الفروق بين الشروط في البيع وشروط البيع

تكون في غيره من العقود مثل عقود الأنكحة، والمعتبر من الشروط في البيع ما كان في صلب العقد، أو في زمن الخيارين خيار المجلس، وخيار الشرط، وهذا القول لمذهب أحمد بن حنبل

مثال: بعتك هذه السيارة واشترطت أن أسافر عليها إلى مكة، فهذا محله في نفس العقد وهو صحيح

مثال آخر: بعتك هذه السيارة، وبعد أن تم العقد بالإيجاب والقبول، قلت: أنا أشترط عليك أن أسافر بها إلى مكة فيصح شرطي، لأنه في زمن الخيار، لأنك لو قلت: لا، قلتُ: فسخت الآن، لأن بيدي الخيار ما دمنا لم نتفرق فلنا أن نزيد الشروط

مثال آخر: بعتك هذه السيارة ولي الخيار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني جئت إليك، وقلت: أشترط أن أسافر بها إلى مكة يصح، لأنه في زمن الخيارين

فكل ما اتفق عليه قبل العقد صحيح

مثاله: اتفقت أنا وأنت على أن أبيع عليك السيارة، واشترطت أن أسافر عليها إلى مكة، وعند العقد لم نذكر إما نسياناً وإما اعتماداً على ما تقدم، فالصحيح أن هذا يعتبر لعموم الحديث (المسلمون على شروطهم) علقه البخاري بصيغة الجزم، وقد وصله أحمد وأبو داود في القضاء، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه

وأنا لم أدخل معك في العقد إلا على هذا الأساس

ثانياً: أنهم جوزوا في النكاح تقدم الشرط على العقد، وإذا كان النكاح يجوز فيه تقدم الشرط على العقد، فالبيع مثله، ولا فرق

قوله (منها صحيح) من هنا للتبعيض، منها جار ومجرور، خبر مقدم وصحيح مبتدأ مؤخر، والصحيح ضد السقيم، وضابط الصحيح ما لا ينافي مقتضى العقد، وما نافاه فليس بصحيح، لأن كل شرط في البيع ينافي مطلق العقد

فمثلاً: إذا بعت علي شيئاً فمقتضى العقد أنني أتصرف فيه بالبيع والرهن والتأجير والتوقيف، وكل التصرفات التي أملكها شرعاً، فإذا شرط عليَّ البائع ألا أبيعه على أحد، فهذا ينافي مقتضى العقد، فمقتضى العقد أنني أتصرف فيه، فكيف يحبسني

أما ما ينافي مطلق العقد، مثل: إذا بعتك هذا الشيء واشترطت علي أن يكون الثمن مؤجلاً، فهذا ينافي مطلق العقد، لكن لا ينافي مقتضى العقد، لأن العقد تم الآن، لكن يخالف مطلق العقد، لأن مطلق العقد أن تسلم الثمن نقداً، وأسلم المبيع كذلك حاضراً، ففرق بين قولنا ما ينافي مقتضى العقد، وما ينافي مطلق العقد، لأننا نقول كل شروط في عقد فإنها تنافي مطلقه، لأن مطلقه ألاَّ يكون هناك شروط

قوله (كالرهن) الرهن من الشروط الصحيحة، والذي يشترطه غالباً البائع

فإذا اشترط البائع على المشتري رهناً بالثمن فالشرط صحيح، لأن فيه مصلحة للبائع وللمشتري أيضاً، لأن البائع إذا لم يلتزم المشتري بهذا الشرط فإنه لا يبيع عليه وحينئذٍ يحرم مما يريد من هذه السلعة

مثاله: أن يقول المشتري: اشتريت منك هذا الشيء بمئة، فيقول: بعت عليك، لكن أريد أن تعطيني رهناً، فأعطاه رهناً، فهذا الشرط صحيح، لأنه لا ينافي مقتضى العقد، بل يزيد العقد قوة وتوثقة، لأن البائع الآن يطمئن إذا علم أن الثمن الذي باعه به فيه رهن، إذ أن فائدة الرهن أنه إذا لم يوف فإنه يباع، ويُستوفى الثمن منه

قوله (وتأجيل الثمن) يشترطه المشتري، عكس الأول، فالرهن يشترطه البائع

مثاله: باع عليه متاعاً بمئة، فقال: أنا ليس بيدي شيء الآن، لكن أريد أن يكون الثمن مؤجلاً إلى شهر، فتم البيع على ذلك، فهذا البيع صحيح، والشرط صحيح، لأن هذا لا ينافي مقتضى العقد، بل من مصلحة المشتري لأجل أن يتوسع، ويجوز أن يشترط المشتري أن يكون الثمن مؤجلاً إلى أن يوسر الله عليه، لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلّى الله عليه وسلّم (إن فلاناً قدم له بزُ من الشام، فلو بعثت إليه أن يبيعك ثوبين إلى ميسرة، فأرسل إليه فامتنع) أخرجه الحاكم وصححه على شرط البخاري ووافقه الذهبي

ولعله امتنع، لأنه أراد أن يصفي البضاعة، ويأتي بأخرى، ولا بأس من امتناعه من البيع إذا كان لا يناسبه

وهذا هو الدليل الأثري على الجواز، أما الدليل النظري: فما دام البائع يعلم أن المشتري معسر فإنه لا يحق له مطالبته شرعاً إلا بعد الإيسار، ولزم أن ينظره، سواء شرطه أو لم يشرطه، لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) البقرة: 280

فما زاد هذا الشرط إلا تأكيد الإنظار فقط، والإنظار واجب

قوله (وكون العبد كاتباً) أي: العبد الذي عرض للبيع، اشتراه إنسان وقال: بشرط أن يكون كاتباً، فيصح الشرط، لأنها صفة مقصودة في المبيع، غير أن كلمة (كاتباً) فيها شيء من الجهالة، فلا بد أن يقال: كاتب تكون كتابته متوسطة، أي: يقرؤها الإنسان بدون تهج

قوله (أو خصياً) أي: اشترط المشتري أن يكون العبد خصياً، أي: قد قطعت خصيتاه، وهذا مقصود للمشتري، لأنه إذا قطعت خصيتاه فإنه يسلم الناس من شره، إذ إن شهوته تبطل أو تضعف جداً، حتى لا يكون له نظر في النساء، غير أنه إن قطع مالكه خصيتيه عتق عليه، لأنه إذا مثل بعبده، ولو بقطع قدر أنملة من جسمه فإنه يعتق، لكن ربما يكون خصياً قبل أن يُسترق، أو أنه خصاه غير مالكه فلا يعتق

قوله (أو مسلماً) إذا اشترط المشتري أن يكون العبد مسلماً، فهو شرط صحيح، أما إذا اشترط أن يكون كافراً فلا، لأن هذا شرط صفة مكروهة لله عزّ وجل حتى لو قال المشتري: أنا أريد أن يكون كافراً حتى لا يتعبني، فإنه إذا أذن المؤذن قال: أريد أن أصلي، وإذا جاء رمضان قال: أصوم، وإذا جاءت العمرة قال: أعتمر، وإذا جاء الحج قال: أحج، وأنا أريد عبداً كافراً، نقول: هذا مراد باطل فهو تشجيع للكافرين على البقاء على كفرهم ليكونوا عمالاً أو عبيداً عند المسلمين

وظاهر كلام المؤلف أن الكفر ليس بعيب في الرقيق، وأن الإنسان لو اشترى عبداً فتبين أنه كافر فإن ذلك ليس بعيب، فلا يرده، وجه ذلك أنه ذكر أن الإسلام لا يثبت إلا إذا اشترط، لأن الأصل في الرقيق الكفر

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

13-07-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي