ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 129 مسائل في العقيدة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 25 صفر 1443هـ | عدد الزيارات: 384 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

* لا ريب أن الله سبحانه أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده ودعوتهم إلى إخلاص العبادة له سبحانه دون كل ما سواه ، وتخصيصه بجميع عباداتهم لأن أكثر أهل الأرض قد عرفوا أن الله ربهم وخالقهم ورازقهم ، وإنما وقعوا في الشرك به سبحانه بصرف عباداتهم أو بعضها لغيره جهلاً بذلك وتقليداً لآبائهم وأسلافهم ، كما جرى لقوم نوح ومن بعدهم من الأمم ، وكما جرى لأوائل هذه الأمة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى توحيد الله استنكروا ذلك واستكبروا عن قبوله ، وقالوا كما ذكر الله ذلك عنهم " أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ " ص 5 ، وقال عنهم سبحانه في سورة الصافات " إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٍۢ مَّجْنُونٍ" الصافات 35 ، 36 ، وقال عنهم سبحانه في سورة الزخرف : " إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ " الزخرف 23 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

فالواجب على علماء المسلمين وعلى دعاة الهدى أن يوضحوا للناس حقيقة توحيد الألوهية والفرق بينه وبين توحيد الربوبية ، وتوحيد الأسماء والصفات لأن كثيراً من المسلمين يجهل ذلك فضلاً عن غيرهم ، وقد كان كفار قريش وغيرهم من العرب وغالب الأمم يعرفون أن الله خالقهم ورازقهم ، ولهذا احتج عليهم سبحانه بذلك ، لأنه جل وعلا هو المستحق لأن يعبدوه ، لكونه خالقهم ورازقهم والقادر عليهم من جميع الوجوه ، كما قال سبحانه " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ " الزخرف 87 ، وقال عز وجل " وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ " لقمان 25 ، وقال عز وجل آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسألهم عمن يرزقهم " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ "، قال الله سبحانه " فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ " يونس 31 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة يحتج عليهم سبحانه بما أقروا به من كونه ربهم ، وخالقهم ورازقهم ، وخالق السماء والأرض ومدبر الأمر ، على ما أنكروه من توحيد العبادة ، وبطلان عبادة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما يعبدون من دون الله .

وهكذا أمر سبحانه عباده بأن يؤمنوا بأسمائه وصفاته ، وأن ينزهوه عن مشابهة الخلق ، فقال سبحانه " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ " الأعراف 180 ، وقال في سورة الحشر " هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ " إلى آخر السورة ، وقال عز وجل "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) " سورة الإخلاص ، وقال عز وجل " فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون " البقرة 22 ، وقال سبحانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الشورى 11 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقد أوضح أهل العلم رحمهم الله أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية ، وهو : إفراد الله بالعبادة ويوجب ذلك ويقتضيه ، ولهذا احتج الله عليهم بذلك .
وهكذا توحيد الأسماء والصفات يستلزم تخصيص الله بالعبادة وإفراده بها لأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وفي أسمائه وصفاته ، وهو المنعم على عباده ، فهو المستحق لأن يعبدوه ويطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه .
وأما توحيد العبادة ، فهو يتضمن النوعين ، ويشتمل عليها لمن حقق ذلك واستقام عليه علماً وعملاً ، وقد بسط أهل العلم بيان هذا المعنى في كتب العقيدة والتفسير كتفسير : ابن جرير ، وابن كثير ، والبغوي ، وغيرهم ، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد ، وكتاب التوحيد لابن خزيمة ، وردَّ العلامة عثمان بن سعيد الدارمي على بشر المريسي وغيرهم من علماء السلف - رحمهم الله - في كتبهم وممن أجاد في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه العلامة ابن القيم - رحمة الله عليهما - في كتبهما .
وهكذا أئمة الدعوة الإسلامية في القرن الثاني عشر وما بعده كالشيخ الإمام : محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وأبنائه وتلاميذه ، وأتباعهم من أهل السنة .

ومن أحسن ما ألف في ذلك : " فتح المجيد " وأصله تيسير العزيز الحميد الأول للشيخ : عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - والثاني للشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ - رحمه الله - .
ومن أحسن ما جُمِعَ في ذلك الأجزاء الأولى من الدرر السنية التي جمعها الشيخ العلامة عبد الرحمن بن قاسم - رحمه الله - فإنه جمع فيها فتاوى أئمة الدعوة من آل الشيخ وغيرهم من علماء القرن الثاني عشر وما بعده في العقيدة والأحكام ، فأنصح بقراءتها ومراجعتها وغيرها من كتب علماء السنة لما في ذلك من الفائدة العظيمة.
لا يجوز التبرك بأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بوضوئه ولا بشعره ولا بعرقه ولا بشيء من جسده ، بل هذا كله خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لما جعل الله في جسده وما مسَّه من الخير والبركة .
ولهذا لم يتبرك الصحابة رضي الله عنهم بأحد منهم ، لا في حياته ولا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لا مع الخلفاء الراشدين ولا مع غيرهم فدلَّ ذلك على أنهم قد عرفوا أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك وعبادة غير الله سبحانه ، وهكذا لا يجوز التوسل إلى الله سبحانه بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو صفته أو بركته لعدم الدليل على ذلك ، ولأن ذلك من وسائل الشرك به والغلو فيه عليه الصلاة والسلام .
ولأن ذلك أيضاً لم يفعله أصحابه رضي الله عنهم ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، ولأن ذلك خلاف الأدلة الشرعية ، فقد قال الله عز وجل " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ ، " ولم يأمر بدعائه سبحانه بجاه أحد أو حق أحد أو بركة أحد .

ويلحق بأسمائه سبحانه التوسل بصفاته كعزته ، ورحمته ، وكلامه وغير ذلك ، ومن ذلك ما جاء في الأحاديث الصحيحة من التعوذ بكلمات الله التامات ، والتعوذ بعزة الله وقدرته ، ويلحق بذلك أيضاً التوسل بمحبة الله سبحانه ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالإيمان بالله وبرسوله والتوسل بالأعمال الصالحات ، كما في قصة أصحاب الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غار فدخلوا فيه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار ، ولم يستطيعوا دفعها ، فتذاكروا بينهم في وسيلة الخلاص منها ، واتفقوا بينهم على أنه لن ينجيهم منها إلا أن يدعوا الله بصالح أعمالهم ، فتوسل أحدهم إلى الله سبحانه في ذلك ببر والديه فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ، ثم توسل الثاني بعفته عن الزنا بعد القدرة عليه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء لكنهم لا يستطيعون الخروج من ذلك ، ثم توسل الثالث بأداء الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا .
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من أخبار من قبلنا لما فيه من العظة لنا والتذكير .
وأما حديث توسل الأعمى بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته صلى الله عليه وسلم فشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له فرد الله عليه بصره ، فهذا توسل بدعاء النبي وشفاعته وليس ذلك بجاهه وحقه كما هو واضح في الحديث ، وكما يتشفع الناس به يوم القيامة في القضاء بينهم ، وكما يتشفع به يوم القيامة أهل الجنة في دخولهم الجنة ، وكل هذا توسل به في حياته الدنيوية والأخروية ، وهو توسل بدعائه وشفاعته لا بذاته وحقه كما صرح بذلك أهل العلم .

إذا كان الماء المذكور - أي المياه المعدنية التي يطلق عليها برك سليمان بن داود في جنوب الأردن - مجرباً معروفاً ينفع من بعض الأمراض فلا بأس أن يقصدها الناس للاستحمام والاستشفاء ، لأن الله سبحانه جعل في بعض المياه فائدة لبعض الأمراض ، فإذا عُرف بالتجارب أن هذا الماء ينفع من بعض الأمراض المعينة كالروماتيزم أو غيره فلا بأس بذلك ، أما الذبائح فيها فإن كانت تذبح من أجل حاجتهم وأكلهم ونحو ذلك وما يقع لهم من ضيوف فلا بأس بذلك ، وإن كانت تذبح لأجل شيء آخر ، كالتقرب إلى الماء أو التقرب إلى الجن أو التقرب إلى الأنبياء أو ما أشبه ذلك من الاعتقادات الفاسدة فهذا لا يجوز ، لأن الله يقول سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له " الأنعام 162 ، 163 ، ويقول سبحانه " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " الكوثر 1 ، 2 .
فالذبح لله والنسك لله والصلاة لله فليس لأحد أن يذبح للجن أو للنجم الفلاني أو الكوكب الفلاني أو الماء الفلاني أو النبي الفلاني أو أي شخص بل التقرب كله لله وحده سبحانه وتعالى بالذبائح والصلوات وسائر العبادات ، لقوله سبحانه " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ " البينة 5 ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لَعَنَ اللَّهُ مَن ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، " خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث علي أمير المؤمنين رضي الله عنه .
لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله وبآياته وبشرعه وأحكامه من جملة أنواع الكفر لقول الله عز وجل " قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ " التوبة 65 ، 66 ، ويدخل في ذلك الاستهزاء بالتوحيد أو بالصلاة أو بالزكاة أو الصيام أو الحج أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها .
أما الاستهزاء بمن يعفي لحيته ، أو يقصر ثيابه ويحذر الإسبال ، أو نحو ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها ، فهذا فيه تفصيل ، والواجب الحذر من ذلك ، ونصيحة من يفعل شيء من ذلك حتى يتوب إلى الله سبحانه ويلتزم بشرعه ، ويحذر الاستهزاء بمن تمسك بالشرع ، طاعةً لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وحذراً من غضب الله وعقابه ، والرِّدَّة عن دينه وهو لا يشعر .

نسأل الله لنا وللمسلمين جميعا العافية من كل سوء إنه خير مسئول .
والله ولي التوفيق

25 - 2 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر