النهي عن الإسراف

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 ربيع الثاني 1437هـ | عدد الزيارات: 1767 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا حَمْدَهُ وَشُكْرَهُ؛ فَإِنَّ كُلُّ مَا فِي الوُجُودِ شَاهِدٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ الحَمْدَ، وَيُحْمَدُ سُبْحَانَهُ حَمْدَ شُكْرٍ عَلَى نِعَمِهِ وَآلاَئِهِ وَأَفْضَالِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَعْظَمُ حَمْدٍ وَأَكْمَلُهُ حَمْدُهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ، وَلاَ يَبْلُغُ حَمْدَهُ حَمْدُ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ؛ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: « لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ » رَوَاهُ مُسْلِمٌ

عباد الله، شرع الله لنا ديناً قيماً ، وجعلنا أمة وسطاً ، في الأحكام والشرائع والآداب والفضائل ، ومن معالم تلك الوسطية ما ذكره الله تعالى في كتابه عند ذكره صفات عباده المؤمنين "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً"الفرقان:67. فعباد الرحمن حكماء عدول في نفقاتهم لا يتجاوزون ما حدّه الله وشرعه ولا يَقصِرون عما أمر به وفَرَضَه

عباد الله ، إن مما يخطئ فيه بعض الناس، قَصْرَهم الإسراف والتبذير على ما يملكونه هم ، وعدم تعميم ذلك على ما يكون الناس فيه شركاء ، كالإسراف في استخدام المرافق العامة، التي تقوم عليها حياة الناس من ماءٍ وكهرباء ونحو ذلك ، وقدوتنا في ذلك محمد صلّى الله عليه وسلّم فقد كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ، كما روى ذلك البخاري ومسلم، ومثله الإسراف في الكهرباء الذي يظهر في سوء استخدام الطاقة في كثير من أحوال الناس وتصرفاتهم، وهذا كله يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قيلَ وَقالَ، وإضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ." متفق عليه، فإضاعة المال في غير وجهٍ شرعي يعتبر إسرافاً

عباد الله ، إن من أكبر أسباب الوقوع في كبيرة الإسراف والتبذير بين الناس اليوم، هو المباهاة فيما بينهم وعدم إدراك الكثيرين لمغبة التبذير وعاقبتها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال"كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ "رواه ابن ماجه وصححه الألباني

وَمَنْ نَظَرَ فِي القُرْآنِ الكريم وَجَدَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَاءِ النعم، وَالتَّمَتُّعِ بِها، وَازْدِيَادِهِا، فَبَقَاءُ النِّعَمِ وَنَمَاؤُهَا وَزِيَادَتُهَا مُرْتَهَنٌ بِالشُّكْرِ، وَزَوَالُ النِّعَمِ مُرْتَهَنٌ بِالكُفْرِ،"وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"الأنعام: 141

إِنَّ حِفْظَ النِّعَمِ مِنَ الزَّوَالِ يكون بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا كَسْبًا وَإِنْفَاقًا، وبَقَاؤها مُرْتَهَنٌ بِإِكْرَامِهَا، وَعَدَمِ الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِهَا، لأَن من اسْتَهَانَ بِقَلِيلِ النِّعْمَةِ اسْتَهَانَ بِكَثِيرِهَا واستهان بالمنعم جلّ وعلا، وَمَنْ أَلْقَى كِسْرَةَ خُبْزٍ، وَأَهَانَ حُبَيْبَاتِ أَرُزٍّ، هَانَتِ النِّعْمَةُ فِي نَفْسِهِ؛ فَأَلْقَى الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ

إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي أَطْعِمَتِنَا اليَوْمِيَّةِ، وَوَلاَئِمِنَا المَوْسِمِيَّةِ، ثُمَّ قَارَنَ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ الصحابة رضي الله عنهم والسَّلَفِ الصالح لِلنِّعْمَةِ وَإِكْرَامِهَا، عَلِمَ أَنَّنَا نُهِينُ النِّعَمَ وَلاَ نُكْرِمُهَا، وَنَكْفُرُهَا وَلاَ نَشْكُرُهَا، وَنَتَسَبَّبُ فِي زَوَالِهَا، إلا من رحم الله

فَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اعْتِبَارٌ لِلتَّمْرَةِ، وَاللُّقْمَةِ، بَلِ إن النبي صلّى الله عليه وسلّم اعْتَبَرَ بَعْضَ التَّمْرَة وَلَمْ يَحْقِرْهَا لِقِلَّتِهَا، فقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ

«اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» رواه البخاري ومسلم ، فَمَنْ يُكْرِمَ بَعْضَ تَمْرَةٍ فَيَرْفَعَهَا إِنْ كَانَتْ سَاقِطَةً، وَيَأْكُلَهَا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهَا؛ فَإِنَّ شِقَّ التَّمْرَةِ قَدْ يَقِيه مِنَ النَّارِ

وتأمل يا رعاك الله هذا الحديث العظيم ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ» أَوْ: «أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ

وقَالَ صلّى الله عليه وسلّم: « إذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الأذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ، قالَ: فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أَيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَةُ.» رَوَاهُ مُسْلِم

وَبَقَايَا الطَّعَامِ فِي الصِّحَافِ وَالقُدُورِ وَالأَوَانِي لاَ تُحْتَقَرُ وَلاَ يُسْتَهَانُ بِهَا، بَلْ تُكْرَمُ وَتُصَانُ وَتُسْلَتُ فَتُؤْكَلُ.

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد. إبراهيم: 7

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَاحْذَرُوا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ فإن ربكم سبحانه لا يحب المسرفين

عباد الله، لِنَحْذَرْ مِنْ كُفْرَانِ نِعْمَةِ الطَّعَامِ، وَلْنَقْتَصِدْ فِي أَفْرَاحِنَا وَوَلاَئِمِنَا وَاحْتِفَالاَتِنَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ المُبَاهَاةَ الَّتِي نَعِيشُهَا تُنْذِرُ بَخَطَرٍ عَظِيمٍ، وَهِيَ إِثْمٌ كَبِيرٌ، حِينَ نُتْلِفُ الكَثِيرَ مِنَ الطَّعَامِ وَفِي الأَرْضِ جِيَاعٌ، وَاللهُ تَعَالَى يُبَدِّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَلاَ نَغْتَرُّ بِمَا نَرَى مِنْ كَثْرَةِ الأَطْعِمَةِ فِي أَسْوَاقِنَا وَبُيُوتِنَا؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِنْ قَدَّرَ عُقُوبَتَنَا سَلَبَهَا مِنَّا، فَصِرْنَا بَعْدَ الشِّبَعِ جِيَاعًا

إِنَّ الواجب على كل عاقل حكيم أَنْ يُحَاسِبَ نفسَهُ، وَأَنْ يُغَيِّر سُلُوكَهُ فِي اسْتِهْلَاكِ الأَطْعِمَةِ، وَأَنْ يُرَبّى فِي الأُسْرَةِ تَقْلِيلُ مَا يُطْبَخُ يَوْمِيًّا مِنْ طَعَامٍ، وَأَنْ يُنَشَّأَ النَّشْءُ عَلَى أَلاَّ يَأْخُذَ مِنَ الطَّعَامِ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وأن يحترم مَا يَتَسَاقَطُ مِنَ النِّعْمَةِ تَحْتَ صَحْنِهِ، فَلاَ يَتْرُكُهُ فِي السُّفْرَةِ، بَلْ يَجْمَعُهُ وَيَأْكُلُهُ، وَأَوَّلُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ رَبُّ الأُسْرَةِ حَتَّى يَكُونَ قُدْوَةً لِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ، وَأَنْ يُقْتَصَدَ فِي الوَلاَئِمِ وَالأَعْرَاسِ وَالاحْتِفَالاَتِ، فَلاَ يُوضَعُ مِنَ الطَّعَامِ فِيهَا إِلاَّ بِقَدْرِ حَاجَةِ المَدْعُوِّينَ، وَأَنْ تُتْرَكَ المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ فِي ذَلِكَ، فإنها والله ليست من الكرم في شيء

عباد الله: يكفي في ذم الإسراف عموماً أن الله جعله من صفات أهل النار، وجعل المسرفين هم أهل النار، حيث قال سبحانه "وأن المسرفين هم أصحاب النار"غافر:43. أعاذنا الله وإياكم ووالدينا وجميع المسلمين من النار

هذا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على نبيكم، كما أمرَكم بذلك ربُّكم - جل وعلا -، فقال عزَّ من قائل إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا.الأحزاب:56.

وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجَه مُسلمٌ في "صحيحه" - "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقّّّ إمامَنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوَى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحة التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين. اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبَا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهر منها وما بطَن، اللهم أصلِح شبابَ المُسلمين، اللهم ارزُقهم الوسطيَّة والاعتِدال إنك أنت الكبير المُتعَال اللهم انصُر إخواننا المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصُرهم في فلسطين على اليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك بالصهايِنة المُعتَدين الذين انتهَكوا حُرمةَ مُقدَّسات المُسلمين، واستفزُّوا مشاعِر المُؤمنين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعَلهم عبرةً للمُعتبرين اللهم وفِّق رِجالَ أمننا المُرابِطين على حُدود وثُغور بلادنا، اللهم وفِّقهم وأعِنهم، اللهم تقبَّل شُهداءَهم، واشفِ مرضاهم، وعافِ جرحاهم، ورُدَّهم جميعًا إلى أهلِهم سالِمين غانِمين يا رب العالمين، اللهم إنك تعلم ما تفعله حكومة ميانمار من إحراق إخواننا الأراكانيين وهم أحياء على مشهد من الناس اللهم احرقهم بالنار أحياءً وأمواتاً اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم واحرمهم الصحة والعافية وحول عزهم ذلاً اللهم إنك تعلم أن الرافضة في إيران قد ساموا إخواننا أهل السنة في إيران والعراق وسوريا واليمن وفي إقليم الأهواز سوم عذاب فأذقهم نقمتك وفرقهم شذر مذر وشتت شملهم ولا تبقِ فيهم أحداً وحوِّل أفراحَهم أتراحاً وغناهم فقراً وصحتهم مرضاً عاجلاً غير آجل . اللهم تقبَّل منا صالحَ الأعمال برحمتِك يا أرحم الراحمين "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".البقرة:201. "سبحان ربِّك ربِّ العزة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله رب العالمين".الصافات:180-182.

1437-04-14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية