الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 5 ربيع الثاني 1435هـ | عدد الزيارات: 2147 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله فضل هذه الأمة بالإسلام وأخرجها من الظلمات إلى النور وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى هذه الأمة داعياً بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وعلى آله وصحابته إلى يوم الدين.

أما بعدُ

أيها المسلمون: يحتج الناس إما جهلاً وإما تبريراً لتخاذلهم وغفلتهم وميلهم إلى الحياة الدنيا بقوله تعالى "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ۚ "المائدة:105 فيتوهم أحدهم أن هذه الآية تُعفيه من تكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام هو في نفسه صالحاً مهتدياً وهذا الوهم قد تسرب إلى البعض في زمن الصديق رضي الله عنه فخطب في الناس وقال: إنكم تقرؤون هذه الآية الكريمة وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ"صحيح أبي داود للألباني، ويمكن الرد على هذا الوهم من الآية نفسها فالله سبحانه وتعالى يقول "إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ۚ " والاهتداء كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال وهناك شبهة أخرى يندفع بها البعض ويتذرع بها البعض الآخر ويتخذون منها حُجة لقعودهم عن الأمر بالمعروف وهي أن الباطل قد انتشر في الأرض وأن الفساد قد عم وطم ولم تعد الدعوة إلى الله تنفع شيئاً ولا ينفع إصلاح المصلحين ولا دعوة الداعين وعلى المسلم أن يهتم بأمر نفسه ويدع أمر الناس ويستشهدون ببعض الأحاديث خطأ كقوله صلى الله عليه وسلم "بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. "أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه . والاحتجاج بكل من الآية والحديث بالمفهوم السابق خطأ في الفهم والتصور؛ لأن الواجب على المسلم هو القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواء حصل المقصود واستجاب الناس أو لم يستجيبوا وقد حصلت هذه الشبهة لأقوام ساكتين قصَّ الله لنا أخبارهم وكيف أن الدعاة إلى الله ردوا عليهم شبهتهم حيث قال سبحانه "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"الأعراف:164 ثم جاءت النتيجة "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَـِٔيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ"الأعراف:165 وهذه الآية تشير إلى أن أهل القرية صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المعاصي وفرقة أنكرت عليهم ووعظتهم وفرقة سكتت عنهم فلم تفعل ولم تنهى فجاء العذاب فأخذ الفرقة العاصية والساكتة ونجى الله الفرقة الواعظة المنكرة

أما الاستدلال بالحديث الأول فيجب فهمه قبل الاستدلال به فالحديث كافياً كما جاء هكذا "بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. "أخرجه مسلم. فلا دليل فيه بترك الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل هو يدعو إلى أن نكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدأ الإسلام في عصرهم غريباً فهبوا لإزالة الغربة عنه، فواجبنا نحن أن نقوم بهذا الدور لنزيل عن الإسلام غربته حيث أنها عادت إليه في العصر الحاضر حتى نكون من أهل طوبى وهي شجرة في الجنة لو سار الجواد في ظلها مائة عام لم يقطعها، والغرباء ليسوا هم الذين ينزون في سراديب مظلمة أو يهربون من الواقع السريع ويتركونه للعابثين المفسدين بحجة أن الإسلام صار غريباً فالحديث دعوة صريحة إلى إزالة الغربة عن الإسلام ، فالغرباء هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس لا الذين يتركون الميدان للمفسدين من الناس.

والحديث الثاني معناه أن يقوم بالواجب وأن يعمل الإنسان كل ما في وسعه من إصلاح فبعد ذلك يأتي الاهتمام بالنفس، وترك دعوة الناس ليس هذا من مفهوم الأحاديث إذ أنه لم يَحِن وقته فلا حُجة في الآية والحديثين لمن يتخلفون عن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وشبهة ثالثة تدور في أذهان الناس بسبب الفهم الخاطئ بهذه الآية وهي قوله تعالى "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"البقرة:286 فيتعلل بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسبب له تعباً ونصباً لا يستطيع أن يتحمله، والواقع أن هذه حجة العاجزين فإن التعب المزعوم ينالهم في سعيهم للظفر من هذه الدنيا مثل الحصول على ربح مادي مثلاً فأولى بهم أن يتحملوا شيئاً من التعب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولهذا التعب أجر عظيم لهم عند الله.

إن رجال الكنيسة النصارى يتركون أعمالهم ويذهبون إلى أدغال أفريقيا ويختلطون بالعراة هناك ويعلمونهم ويطعمونهم الغذاء والكساء ويقضون معهم السنين الطويلة وهم يدعون إلى باطل وإلى دين محرف.

أفلا يجدر بالمسلمين وهم أصحاب الحق وأصحاب الرسالة الصادقة والدعوة الصحيحة أن ينفقوا من أموالهم ويبذلوا شيئاً من أوقاتهم وراحتهم لهذا الدين داعين إليه وعلى المسلم عندما يوسوس له الشيطان بالتعب والإرهاق أن يتذكر قول الله عز وجل " وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"النساء:104 وعليه أن يتذكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحملوا كثيراً في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله فهل يستكثر المسلم إذا أتعب نفسه قليلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر محاسن الإسلام.

نسأل الله سبحانه أن يهدينا إلى الصراط المستقيم وأن يلهمنا رشدنا وأن يبصرنا بمواطن الضعف في نفوسنا

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحابته إلى يوم الدين

أما بعد

أيها الإخوة في الله:

اتقوا الله واعلموا أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يؤدي واجباً ويقوم بعبادة امتثالاً لأمر الله والأجر على العبادة يناله العابد من الرب جل وعلا تفضلاً منه وإحساناً وعلى هذا فلا يطلب الآمر بالمعروف من أحد من الخلق أجراً على دعوته ولا مالاً ولا ثناءً ولا جاهاً ولا أي عوض من الأعواض المادية أو المعنوية بل يكون منهجه منهج نوح عليه السلام حينما قال الله مخبراً عنه "فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ"يونس:72 وهكذا جميع الرسل والدعاة إلى الله يدعون الناس ولا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً لأن أجرهم على الله الكريم قال تعالى: وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ * ٱتَّبِعُواْ مَن لَّا يَسْـَٔلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ يس:20-21

اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وارزقنا الحكمة والبصيرية والصبر والاحتساب في ذلك

واحفظ اللهم لنا ولي أمرنا ووليًّ عهده، واحفظ جنودنا على حدودنا واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

وصل اللهم على نبينا محمد

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

1435-4-5 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي