الدرس 159: النكاح 8

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 1 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1553 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

الصداق في النكاح لا بد منه لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوبه ويسمى أيضا مهراً وأجراً قال تعالى "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً" أي: عن طيب نفس بما فرض الله لهن عليكم بالزواج بهن

وثبت أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له فيها حاجة فأراد بعض أصحابه أن يتزوجها فطلب منه صداقا لها فاعتذر لفقره فقال له: التمس ولو خاتما من حديد لكنه لم يجد فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها إلا بشيء يبذله لها وفيه منفعة تعود عليها وانتهى الأمر إلى أن زوجه النبي صلى الله عليه وسلم هذه المرأة بما معه من القرآن يعلمها إياه وأجمعت الأمة على أنه لا بد من الصداق في النكاح.

ومن تزوج امرأة من وليها على ألا مهر لها فالنكاح صحيح والشرط باطل ويجب لها مهر المثل بالدخول بها أو الوفاة عنها

أما من تزوج امرأة أن لها مهرا لكنه لم يسم فنكاحها صحيح ولها مهر مثلها بالدخول أو الوفاة قال تعالى: "لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً " (البقرة 236)

س:رجل تزوج بامرأة بصداق وذهب لم يوضح نوعه وتوفيت وقيمته الآن غير قيمته وقت الالتزام ؟

ج: هو لازم في ذمته ولا عبرة بقيمته وقت الالتزام أو بعده وأن عليه أداءه لمستحقي تركتها أو من يقوم مقامهم وإن اتفق معهم في تقويمه تقويما عادلا بسعر اليوم وإخراج قيمته فلا بأس بذلك

يصح أن يجعل تعليم المرأة شيئا من القرآن مهرا لها عند العقد عليها إذا لم يجد مالا لما ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت إني وهبت نفسي لك فقامت طويلا فقال رجل يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال هل عندك من شيء تصدقها فقال ما عندي إلا إزاري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا قال لا أجد قال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجتكها بما معك من القرآن" متفق عليه

كما يجوز أن يقدم المصحف الشريف مهرا لها لأن المصحف يجوز بيعه وشراؤه في أصح قولي العلماء

ثانيا: في حالة حدوث الطلاق قبل أن يفي لها الزوج بما سمى لها في العقد يكون لها الحق في المطالبة بنصفه إن كان الطلاق قبل الدخول وبه كاملا إن كان بعد الدخول إلا أن تعفو المرأة عن ذلك في الحالتين أو إحداهما أو يتراضيا على شيء من العوض المباح

ولا حرج عليك أن تشترط المرأة أن كون مهرها عمرة فقد ثبت في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا من أصحابه بامرأة على ما معه من القرآن

والواجب أن يجعل للمرأة عند العقد عليها مهرا مدفوعا من قبله أو مؤجلا في ذمته قليلا أو كثيرا لقوله تعالى "فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" (24 النساء) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي طلب منه أن يزوجه المرأة التي عرضت نفسها عليه لما قال له يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال هل عندك من شيء فقال لا والله يا رسول الله فقال اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا فذهب ثم رجع فقال يا رسول الله ما وجدت شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ولو خاتما من حديد" الحديث

وإذا أعطى أهل الزوجة الزوج شيئا من المال قبل العقد أو بعده ترغيبا له في ابنتهم وطلبا للعيش معها بالحسنى والمعروف فلا شيء في ذلك لأنه بهذا المعنى من باب الإحسان والصلة والتعاون على عفة الفروج بإقامة الشعيرة الإسلامية

ويجوز أن يكون المهر أن يعمل الزوج شهراً عند والد الزوجة إذا رضيت الزوجة بذلك

وليس لصداق المرأة حد معين فكل ما يجوز تملكه يجوز أن يجعل صداقا للمرأة قل أو كثر وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" فمعناه: الحث على تيسير المهر

يجوز للإنسان أن يستدين للزواج إذا خاف على نفسه الفتنة بعدم الزواج وإن كان لا يخاف على نفسه فالأولى أن يصبر حتى يستطيع ولا يستدين

لا يجوز إلزام أفراد الأٍسرة بمساعدة من يحتاج إلى الزواج أما من أحب أن يساعد أخاه أو قريبه أو غيرهما من دون إلزام ولا معاوضة ممن يساعده فلا بأس

يجوز أخذ الزوج المؤونة من والد الزوجة لقاء زواج ابنته ويشرع أن يسمي الزوج لها مهرا عند العقد ولو قليلا

س: لقد حضرت عند مأذون شرعي على عقد زواج وعندما سأل المأذون الشرعي ولي الزوجة عن الصداق ليسجله في الوثيقة قال الولي نحن أقارب ولا بيننا شروط اعقد على ما تراضينا عليه وتم العقد على هذا ؟

ج: العقد صحيح وليس من شرطه ذكر المال في العقد بل متى اتفق الزوج والولي على مال للمرأة كفى ذلك وإن لم يذكر حين العقد

فذكر المهر في النكاح ليس ركنا من أركانه فلو عقد على المرأة بدون ذكر المهر صح العقد ووجب لها مهر المثل ولا حد لأقله بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون مهرا على الصحيح من أقوال العلماء لما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمس ولو خاتما من حديد

ويجوز أن يكون الصداق كله مقدما أو كله مؤخرا أو بعضه مقدما وبعضه مؤخرا وما كان منه مؤجلا يجب سداده عند أجله وما لم يحدد له أجل يجب عليه سداده إذا طلق ويسدد من تركته إذا مات

فما سمي للزوجة من المهر يجب للزوجة كله بالدخول أو بالوفاة ويجب لها نصفه إن طلقت قبل الدخول

الأصل في المهر المدفوع للمرأة مقابل بضعها أن يكون ملكا لها ولا يجوز لوليها أن يشترط لنفسه شيئا ولا أن يأخذ من مهرها شيئا إلا برضاها ما عدا أباها فله أن يأخذ من مهرها ما لا يضرها أخذه لقوله صلى الله عليه وسلم "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم" ولقوله صلى الله عليه وسلم "أنت ومالك لأبيك" غير أن الأولى ألا يأخذ إلا ما يحتاجه

وإذا اشترط والد الزوجة مبلغ من المال يدفعه له الزوج ورضي بذلك الزوج فيجب على الزوج أن يدفعه له لما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم

ولا يجوز إجبار ابنتك على الزواج ممن لا ترغبه

ولا ينبغي المغالاة في المهور لأن ذلك يعسر الزواج

إذا تم عقد النكاح على المرأة وتوفي عنها زوجها قبل الدخول فإنه يجب عليها عدة الوفاة والاحداد فيها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام ويجب للمرأة المهر فإن كان مسمى أخذته وإن لم يسم أعطيت مهر المثل وترث المرأة من مال زوجها الربع إن لم يكن له ولد فإن كان له ولد فلها الثمن وذلك بعد تسديد دينه وتنفيذ وصيته الشرعية

ولا يلزم من تزوج بامرأة أن يعطي زوجته الأولى مثلما يعطي الثانية من مهر أو حلي تابع للمهر عرفا وإن أعطاها ذلك تطييبا وجبرا لخاطرها فحسن ولا سيما إذا كانت مصلحته في إرضائها ومعاشرتها له مستقبلا بالحسنى

والعقيقة هي ما يذبح من أجل المولود شكرا لله على عطائه

والوليمة هي ما يقدم من الطعام في الزواج للمدعوين من ذبيحة أو غيرها مما تيسر من الطعام وهي سنة شكرا لله ومن فوائدها إعلان الفرح والنكاح وتطلق على ما يدعى إليه من الطعام وإن كان لغير عرس

والوليمة سنة مرغب فيها شرعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما تزوج "أولم ولو بشاة" ويتفاوت قدرها تبع اليسار ومقتضى الحال ولا حد لأقلها لما ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قال "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أولم على أحد من نسائه ما أولم على زينب بنت جحش أولم بشاة" رواه البخاري ومسلم

وما ثبت عن صفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت "أولم النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض نسائه بمدين من شعير" رواه البخاري والمراد بها أم سلمة رضي الله عنها

ولا حد لأكثرها أيضا ولكن يجب على المسلم الاعتدال ومراعاة حاله غنى وفقرا وحال من يدعوهم كثرة وقلة ولا يسرف في الطعام ولا في الأنوار ونحو ذلك فإن الإسراف حرام بل من الكبائر لقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-29 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة