الدرس 159: باب النهي عن سب الريح

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 8 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 2578 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قول المصنف : باب النهي عن سبّ الريح.

لمَّا كان سبُّ الريح وغيرِها من المخلوقات نقصًا في الأيمان وقدحًا في التوحيد نبَّه المؤلفُ على ذلك؛ ليعلم المؤمنُ أنَّ سائرَ المعاصي تنقصُ التوحيدَ وتنقصُ الإيمانَ وتضعفَهُ ، والإيمانُ يزيدُ وينقص ، والتوحيدُ يزيدُ وينقص ، وسبُّ الريح ينقص الإيمان؛ لأنَّ الريحَ مخلوقٌ مُدَبَّر يُرْسَلُ بالخير والشر ، فهي مأمورة ولا تأثير لها في شيء إلا بأمر الله، فسبُّها كسب الدهر، وقد تقدم النهي عنه فكذلك الريح.

قول المصنف : عن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تسبُّوا الرِّيحَ فإذا رأيتُم ما تَكرَهونَ فقولوا اللَّهمَّ إنَّا نسألُكَ من خير هذِهِ الرِّيحِ وخير ما فيها وخيرَ ما أمرت بِهِ ونعوذُ بِكَ من شرِّ هذِهِ الرِّيحِ وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُمرت بهِ " صححه الترمذي.

الحديث رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

قوله : "عن أُبَيّ بن كعب" هو: صحابي، وقاريء، وفقيه ، وكاتب للوحي وراوي للحديث النبوي من الأنصار من بني معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار من الخزرج. شهد بيعة العقبة الثانية، وشهد مع النبي المشاهد كلها. جمع أبي بن كعب القرآن، وعرضه على النبي في حياته، وكان أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن في حياة النبي . مات ،رحمه الله، في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين.

قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبُّوا الرِّيحَ " أي لا تشتموها؛ فإنها مأمورة فلا يجوز سبها، وهو تأديب من الله لعباده، والتأديب رحمة من الله للعباد، قال الشافعي :" لا ينبغي شتم الريح فإنها خلق مطيع لله ، وجند من جنوده يجعلها الله رحمة إذا شاء ونقمة إذا شاء".

قوله: "فإذا رأيتُم ما تَكرَهونَ"أي من الريح ،إما شدة حرها أو بردها أو قوتها.

قوله :"فقولوا اللَّهمَّ إنَّا نسألُكَ من خير هذِهِ الرِّيحِ وخير ما فيها وخيرَ ما أمرت بِهِ ونعوذُ بِكَ من شرِّ هذِهِ الرِّيحِ وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُمرت بهِ" أمر صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى خالقها وآمرها الذي أزِمَّة الأمورِ كلُّها بيده ، ومصدرها عن قضائه ، فما استجلبت نعمة بمثل طاعته وشكره، ولا استدفعت نقمة بمثل الالتجاء إليه والتعوذ به والاضطرار إليه والاستكانة له ودعائه والتوبة إليه والاستغفار من الذنوب، و"كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ ما فِيهَا، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وَأَعُوذُ بكَ مِن شَرِّهَا، وَشَرِّ ما فِيهَا، وَشَرِّ ما أُرْسِلَتْ به، قالَتْ: وإذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عنْه، فَعَرَفْتُ ذلكَ في وَجْهِهِ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقالَ: لَعَلَّهُ، يا عَائِشَةُ كما قالَ قَوْمُ عَادٍ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}(الأحقاف:24)."أخرجه مسلم.فالله أرسل الريح لهلاك قوم هود ، واما الرياح فجعلها الله مبشرات ورحمة قال تعالى :"وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ(الروم 46) ، فعلى المؤمن أن يمتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم في عدم سب الريح ولا سب غيرها من المخلوقات التي لم يشرع الله سبَّها .

قول المصنف : فيه مسائل :

المسألة الأولى: النهي عن سب الريح ،وهذا النهي للتحريم؛ لأن سبها سب لمن خلقها وأرسلها

الثانية: الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره ،أي منها وهو أن يقول: اللهم إني أسالك من خيرها ... الحديث ، مع فعل الأسباب الحسية أيضاً كالاِّتقاء من شرِّها بالجدران أوالجبال ونحوِها .

الثالثة: الإرشاء إلى أنها مأمورة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :"ما أمرت بِهِ"

الرابعة: أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر، لقوله صلى الله عليه وسلم :"وخيرَ ما أمرت بِهِ ... وشرِّ ما أُمرت بهِ"

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/6/8 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر