ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 159: باب القرض

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 13 ربيع الثاني 1439هـ | عدد الزيارات: 1336 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (باب القرض) القرض من عقود التبرعات؛ لأن العقود تنقسم إلى أقسام منها عقود معاوضات، ومنها عقود تبرعات، ومنها عقود توثيقات، فالرهن والضمان مثلاً عقود توثيقات، والهبة والوصية والصدقة وما أشبهها عقود تبرعات ومنها القرض، وعقود المعاوضات كالبيع والإجارة وشبهها

والقرض في اللغة: القطع، ومنه المقراض، أي: المقص؛ لأنه يقطع الثوب

وأما في الشرع: تمليك مال لمن ينتفع به ويرد بدله

فهو عكس العارية، لأن العارية لا يرد بدلها، وإنما يرد عينها

وهو عقد إرفاق يقصد به تمليك المُقرِض للمقترض، أي: تمليك الرجل الذي أقرضته لماَ تقرضه من أعيان أو منافع فيما يجوز الإقراض فيه، فهو عقد إرفاق ولا يقصد به المعاوضة والمرابحة، وإنما هو إحسان محض

وهو مندوب للمقرِض، لأن المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان لعموم قول الله تعالى (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) ثم إن فيه دفع حاجة أخيك المسلم

ويجب القرض أحياناً فيما إذا كان المقترض مضطراً لا تندفع ضرورته إلا بالقرض، غير أنه لا يجب إلا على من كان قادراً عليه من غير ضرر عليه في مؤونته ولا على مؤونة عياله

ويكون حراماً إذا كان المقترض اقترض لعمل محرم لقوله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) المائدة: 2

وهو مباح للمستقرض لمن له وفاء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض. رواه مسلم

وأما من ليس له وفاء فإن أقل أحواله الكراهة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الذي أراد أن يتزوج وقال: ليس عندي شيء إلى أن يقترض، بل زوجه بما معه من القرآن. أخرجه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه

فدل هذا على أنه ينبغي للإنسان ما دام عنده مندوحة عن الاقتراض أن لا يقترض، وهذا من حسن التربية؛ لأن الإنسان إذا عود نفسه الاقتراض سهل الاقتراض عليه، ثم صارت أموال الناس التي في أيديهم كأنها مال عنده لا يهمه أن يقترضها، فلهذا ينبغي للإنسان أن لا يقترض إلا لأمر لا بد منه، هذا إذا كان له وفاء، وإلا فإن أقل أحواله الكراهة

وليس للولي أن يقرض من مال اليتيم؛ لأن الله يقول (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) الأنعام: 158

ثم ذكر المؤلف رحمه الله ضابط ما يصح قرضه فقال (وما يصح بيعه صح قرضه) (ما) اسم موصول، أي: والذي يصح بيعه صح قرضه، هذا هو الضابط، فكل ما صح بيعه صح قرضه، وما لا فلا

وعلى هذا، فالكلب لا يصح قرضه؛ لأنه لا يصح بيعه، وكذا الميتة لا يصح قرضها حتى لمن حلت له لأنه لا يصح بيعها، والمرهون لا يصح قرضه؛ لأنه لا يصح بيعه، والموقوف لا يصح قرضه؛ لأنه لا يصح بيعه وهكذا

وظاهر كلام المؤلف في قوله (وما يصح بيعه) أنه يصح قرض المنافع؛ لأن المنافع يجوز بيعها مثل الممر في الدار، فأملك المنفعة في هذا الممر لكن لا أملك الممر، فبيع المنافع جائز، واختار شيخ الإسلام جواز ذلك بأن أقول: أقرضني نفسك اليوم لتساعدني على الحصاد وغدا أوفيك، أي: أحصد معك، وهذا هو الصحيح، لوجهين

أولا: أن الأصل في المعاملات الإباحة

ثانيا: أن المنافع تجوز المعاوضة عنها، لذا يجوز إقراضها

مثل قولك للعامل: اشتغل عندي بأجرة قدرها كذا وكذا، فهو عمل يصح العقد عليه ويقابل بالعوض، فتشتغل عنده يوماً ويشتغل عندك يوما آخر

قوله (إلا بني آدم) فإن بني آدم يصح بيعهم ولا يصح قرضهم، ويعني بذلك المماليك، فإذا كان عند الإنسان مملوك فإنه يصح بيعه ولا يصح قرضه؛ لأنه لم تجر العادة بذلك، ولما في هذا من الإذلال للمسلم؛ ولأنه يخشى من الفتنة والفساد، فيُخشى أن يقترض الإنسان أمة ثم يجامعها لمدة أيام ثم يردها؛ لأن الإنسان إذا رد القرض، وجب قبول عينه

وأما الحيوان غير بني آدم كالخيل والبقر والحمر والغنم وغيرها يجوز قرضه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خيراً منه وقال (خيركم أحسنكم قضاء) رواه مسلم

وعلى هذا يجوز للإنسان إذا نزل به ضيف فجاء إلى جاره وقال: أقرضني شاة أذبحها للضيف، فإنه يجوز أن يقرضه

قوله (ويُملك بقبضه) الضمير يعود على المُقرض، فإذا قبضه المستقرض ملكه، وصار ملكه عليه تاماً يجوز أن يبيعه وأن يؤجره وأن يوقفه وأن يرهنه، وأن يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم

قوله (فلا يلزم رد عينه) أي: عين القرض، فلو طالب المقرض المستقرض بأن يرده فله أن يقول: لا، أنا ملكته بقبضه ولك علي بدله، ولا يلزمني أن أرده بعينه، ولهذا قال (لا يلزم رد عينه) ولكن لو رد عينه وهي لم تتغير فإن كان مثلياً لزم قبوله، وإلا فلا

قوله (بل يثبت بدله) أي: بدل المُقرَض، لأن البدل قد يكون المثل، وقد يكون القيمة، فالقرض إما أن يكون مثلياً أو قيمياً، ويعبر عنه الفقهاء بالمتقوم، فإن كان مثليا فالواجب رد مثله، وإن كان قيميا يلزم رد قيمته

قوله (في ذمته) أي: في ذمة المستقرض

قوله (حالاً) لا مؤجلا، وإن أجله لا يتأجل؛ لأن القرض موضوعه الحلول، فإذا أجلناه فقد خرجنا به عن موضوعه فخالفنا مقتضى العقد، وكل شرط يخالف مقتضى العقد فهو باطل؛ لأنه يخرج بالعقد عن موضوعه الشرعي، فيكون مخالفاً لكتاب الله عز وجل وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل؛ ولأنه ليس معاوضة فكيف نلزم هذا المحسن ألا يطالِب إلا بعد الأجل

فإذا قال إنسان: أقرضني صاعاً من بر، فإذا أقرضته إياه ملكه وثبت في ذمته بدله، فبدل صاع البر صاع بر مثله؛ لأنه مثلي، فيلزمه صاع بر في ذمته، حالاً، يعني: للمقرض أن يطالب المستقرض بالوفاء حالاً ولو بعد نصف ساعة

قوله (ولو أجله) أي: قال المستقرض للمقرض: سأوفيك بعد سنة فإنه لا يصح هذا الشرط ويلغى ويكون القرض حالاً؛ لأن الإمام أحمد نص على أن القرض حال، فقال (كل قرض فهو حال) أي: لا يقبل التأجيل، وهذا من حيث الحكم الوضعي، فإذا شرط التأجيل كان شرطا منافيا لمقتضى العقد، وكل شرط يخالف مقتضى العقد فهو شرط فاسد وكل شرط فاسد فهو حرام، وهذا من حيث الحكم التكليفي، هذا ما ذهب إليه المؤلف

والصحيح: أنه إذا أجله ورضي المُقرِض فإنه يثبت الأجل، ويكون لازما، ولا يحل للمقرض أن يطالب المستقرض حتى يحل الأجل

وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن هذا لا ينافي مقتضى العقد بل هو من تمام مقتضى العقد؛ لأن المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان وإذا أجلته صار ذلك من تمام الإحسان، فالأرفق للمقترض التأجيل، ومن وجه آخر أن الله تعالى قال (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقود) المائدة: 1، وهذا عقد شرط فيه التأجيل فيجب أن يُوفى به؛ لأن أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود يشمل الوفاء بأصلها والوفاء بوصفها، وهو الشروط التي تشترط فيها؛ وقال الله تعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) الإسراء: 34، والمقرض الذي أجله قد تعهد ألا يطالب إلا بعد انتهاء الأجل فيكون هذا العهد مسؤولاً عنه عند الله؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) أخرجه البخاري ومسلم

فعلم من ذلك أن الشرط الذي لا ينافي كتاب الله فليس بباطل، ولأن المطالبة به وهو مؤجل إخلاف للوعد، وإخلاف الوعد من سمات المنافقين

اللهم ألهمنا الصواب،واشرح صدورنا لذلك، واجعل التوفيق حليفنا، والجنة دارنا ومستقرنا

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

13-04-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة