الدرس الثامن والخمسون : البيوع 7

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2392 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للمسلم أن يبيع ما اشتراه قبل أن يقبضه ويحوزه فإذا تم قبضه جاز له بيعه ولو بأكثر مما اشتراه به نقداً ومؤجلاً وحكم البيع والشراء في السوق السوداء كحكم البيع والشراء في غيرها .

إذا اشتريت السيارة من المعرض مثلاً باسمك ثم قبضتها وحزتها ثم بعتها على آخر نقداً أو إلى أجل ولو بأكثر مما اشتريتها به جاز ، وليس لك أن تكتبها باسمه على أنه اشتراها من المعرض لما في ذلك من الكذب ولما قد يترتب على ذلك من مشاكل أخرى وإن لم تقبضها من المعرض ولم تحزها لم يصح بيعك إياها على آخر لا نقداً ولا لأجل ولو بنفس الثمن الذي اشتريتها به لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلع حتى تقبض وتحاز .

يجوز أن يبيع الشخص ما ملكه من السلع وحازه بكسب محدد قدره أو نسبته وأن يبيع بربح غير محدد مع علم الطرفين بجملة الثمن الذي اتفقا عليه .

مسألة : يطلب مني بعض الأشخاص إعطاءهم سيارات بطريقة التقسيط وفي حالة طلب الأشخاص تكون السيارات غير متوفرة لدي ولكن أتفق معهم على القيمة ومن ثم يعطوني مواصفات السيارات التي يرغبونها وعند ذلك أقوم بشراء السيارة وإحضارها للمشتري فإن طابقت على المواصفات التي طلبها فهي سيارته وإن اختلف شيء فلا يلزمه شراؤها لأن له الخيرة حتى ينظر ويقلب السيارة .

والجواب : إذا كان الواقع ما ذُكر من أنك تتفق مع طالب بيع السيارة عليه بالتقسيط على تحديد قيمتها ويعطيك المواصفات لتحضرها له بعد حَرُمَ ذلك لأنه بيع لما ليس عندك وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك " .

إذا استلم المشتري الأول السيارة وحازها ثم باعها بالدين على شخص آخر وحازها فإذا أراد المشتري الثاني أن يبيعها على البائع الأول أو على غيره فلا بأس بذلك ، وأما تحريك السيارة داخل المعرض فلا يعتبر حيازة وعلى ذلك لا يكون البيع صحيحاً لكونه قبل قبض السيارة .

مسألة : أفيد سماحتكم بأنني أرغب شراء أرض سكنية وقيمتها مائة ألف ريال ولا أستطيع دفع هذه القيمة في الوقت الحاضر وأرغب أن يشتريها لي الراجحي وسيدفع الثمن للبائع الأول ولن يشتري الأرض ويدفع ثمنها إلا بعد إبرام العقد بيني وبينه وأخذ الكفالات اللازمة . فما الحكم في ذلك ؟

والجواب : إذا كان الأمر كما ذكرت في السؤال فالبيع لا يجوز ولا يصح أصلح الله حال الجميع .

إذا كان والدك يبيع على من يطلب منه سلعة بثمن مؤجل قبل أن يشتريها من السوق فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تبع ما ليس عندك " ، ويجب على والدك أن يقبض السلعة بعد شرائها ليصح العقد الثاني فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتال " رواه مسلم ، فإذا قبض والدك الأقمشة جاز له بيعها ، ومن اشتراها من والدك يجب عليه قبضها ليجوز له بيعها .

من اشترى سلعة سيارة أو غيرها بثمن حال أو مؤجل فإنه لا يجوز له بيعها حتى يقبضها قبضاً تاماً ، وكل شيء قبضه بحسبه ، وقبض السيارة يكون بحيازتها وإخراجها من محل البائع .

وإذا كانت بثمن مؤجل فإنه لا يجوز له أن يبيعها على البائع بأقل مما اشتراها به لأن ذلك من المعاملات الربوية وهو بيع العينة المنهي عنه في الحديث الذي رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " ، وكذلك لا يجوز بيع السيارة قبل أن تستكمل إجراءاتها النظامية من الحصول على الاستمارة واللوحة لأنها لا يكمل قبضها إلا بذلك .

إذا اشتريت سيارة أو غيرها بثمن مؤجل في ذمتك لتبيعها بثمن حال تقضي به حاجتك فهذا يسمى بمسألة التورق ، والصحيح جوازها بشرط أن لا تبيعها على الدائن الذي اشتريتها منه .

مسألة : إنني مزارع وقد حصلت على شهادة من الصوامع بقيمة القمح الذي وردته لعام 1414هـ ويحل صرف هذه الشهادة عام 1418هـ وحيث إنني بأمس الحاجة إلى النقد وأريد أن آخذ بقيمة هذه الشهادة سيارة ، والسيارة مثلاً تساوي بسعر النقد مائة ألف ريال وسيحسبها صاحبها علي بمائة وعشرة آلاف مقابل المدة المؤجلة ؟

والجواب : إن كان القصد بيع مالك من النقود المؤجلة لدى الحكومة بسيارة أو غيرها فهذا لا يجوز لأن بيع الدين على غير من هو في ذمته لا يجوز لا بسيارة ولا غيرها وعليه فما ذكرته معاملة غير صحيحة .

من اشترى بضاعة وقبضها وحازها بعد تمام البيع فله أن يبيعها بربح ويستلم الربح ولو لم يسلم قيمة المبيع للبائع ويقوم المشتري الثاني بدفع القيمة للبائع .

لا يجوز بيع السيارات سواء بنقد أو بثمن مؤجل مقسط أو غير مقسط إلا بعد أن يحوزها المالك إلى ملكه ويقبضها قبضاً تاماً وذلك باستلام المشتري الأول لها وحيازتها ونقلها إلى ملكه الخاص به ولا يعتبر مجرد الحصول على الأوراق الجمركية قبل قبضها وملكها ملكاً تاماً حيازة للسيارة أو قبضا لها ، وعلى ذلك فإن بيع السيارات بالأوراق الجمركية قبل حيازتها وقبضها قبضاً تاماً يعتبر بيعاً باطلاً يحرم التعامل به ويجب فسخه ورد الثمن إلى صاحبه ، ولا يحل أخذ قيمتها إلا بعقد جديد بعد حيازة السيارة لملك المشتري وقبضه لها قبضاً تاماً وهذه الفتوى رد على من يبيعون السيارات بأوراق الجمرك .

القبض الصحيح يتحقق بنقل السلعة من محل البائع إلى محل المشتري لأن النبي صلى الله عليه وسلم " نهى أن تُباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " رواه أبو داود والترمذي ، ونقلها من قبل المشتري إلى مكان لا سلطان للبائع عليه كاف في ذلك .

السلم هو عقد على موصوف في الذمة ينضبط بالصفة مؤجل بأجل معلوم بشرط قبض كامل الثمن في مجلس العقد .

تقديم الثمن وتأخير السلعة مثل دفع الثمن والسلعة مؤخرة تعطيني أربعين ألف ريال مثلاً وأؤمن لك سيارة مواصفاتها كذا بعد سنة أو أعطني مبلغاً كذا أؤمن لك تمر مواصفاته كذا بعد ستة أشهر وهكذا ، إذ كان الصحابة يسلفون في الثمار يأخذ الصحابي من أخيه مبلغاً ويؤمن له التمر الصقعي مثلاً بعد سنة .

مسألة : جاءني زبون وطلب مني بضاعة معينة وهي ليست موجودة عندي بل هي موجودة عند محل آخر وسعرها عند المحل الآخر مثلاً 100 ريال فقال لي المشتري بعد ما طلب كم سعرها قلت له أبيعها بـ 150 ريال ، فقال المشتري لا مانع آتني بها فإذا اشتريت أنا هذه البضاعة بـ 100 ريال وبعته إياها بـ 150 ريال هل هذا جائز ؟ أو طلبت منه إعطائي مبلغ المبيع وهو 150 ريال وقمت بشراء البضاعة بـ 100 ريال وأخذت أنا 50 ريال كربح مقابل تعبي وجهدي فهل هذا جائز ؟

والجواب : هذا البيع المذكور صفته هو بيع ما لا تملك وما ليس عندك فلا يجوز بيع هذه السلعة له حتى تقبضها وتحوزها إلى ملكك ، فإذا ملكت السلعة جاز لك بيعها للمشتري بثمن تتفقان عليه وبرضاكما وبربح ينفعك ولا يضر بالمشتري ، لكن إن وكَّلك في شراء سلعة معينة فلا يجوز لك أن تأخذ منه زيادة أكثر من ثمنها لأن الوكيل مؤتمن فإذا أعطاك المشتري جزءاً من المال تبرعاً منه مقابل أتعابك فإنه يحل لك أخذه في هذه الحالة .

مسألة : جاءني زبون وطلب مني شراء بضاعة كثيرة وأنا ليس عندي المال الكافي لتلبية طلبه فطلبت منه أن يعطيني نصف مبلغ البضاعة حتى أؤمن له البضاعة ما حكم ذلك ؟

والجواب : إذا كنت وكيلاً عنه في شراء السلعة التي يريدها الزبون فلا مانع من أخذ ثمن السلعة أو بعضه ممن وكَّلك على شراء هذه السلعة فتشتريها له حسب المواصفات التي ذكرها لك ولا يُسمى هذا بيعاً لأنك لا تملك البضاعة وقت التوكيل ولا يُسمى سلماً .

أما إذا تم التعاقد بينك وبينه على أساس بيعك له هذه السلعة ثم تشتريها له فهذا لا يجوز لأنه لا يجوز بيع ما لا تملك ، فلا يجوز التعاقد بينك وبينه إلا بعد شرائك السلعة .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

24 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر