الدرس السابع والخمسون : البيوع 6

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2113 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحتكر إلا خاطئ " رواه مسلم ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين ، أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيُبذل لهم دفعاً للحرج والضرر عنهم وبذلك يتبين أن مدة جواز التخزين مرتبطة بغنى الناس عما يُخَزَّن طالت المدة أم قصرت .

إذا تواطأ الباعة مثلاً من تجار ونحوهم على رفع أسعار ما لديهم أثرة منهم فلولي الأمر تحديد سعر عادل للمبيعات إقامة للعدل بين البائعين والمشترين وبناءً على القاعدة العامة - قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد - ، وإن لم يحصل تواطؤ منهم وإنما ارتفع السعر بسبب كثرة الطلب وقلة العرض دون احتيال فليس لولي الأمر أن يحدد السعر بل يترك الرعية يرزق الله بعضهم من بعض ، وعلى هذا فلا يجوز للتجار أن يرفعوا السعر زيادة عن المعتاد ولا التسعير .

وعلى هذا يُحمل ما جاء عن أنس رضي الله عنه قال : " غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله لو سعَّرت ، فقال : إن الله هو القابض الباسط الرازق المُسَعِّر ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل فقال : يا رسول الله سَعِّر ، فقال : بل ادعوا الله ، ثم جاء رجل آخر فقال : يا رسول الله سَعِّر ، فقال : بل الله يخفض ويرفع " رواه أحمد ، ويجب التمشي على النظام الذي تضعه الدولة لسعر بيع الدواء لأن في مخالفته مضرة عليك وعلى الآخرين .

ولا مانع من تسجيل الأشرطة النافعة وبيعها وتصوير الكتب وبيعها لما في ذلك من الإعانة على نشر العلم إلا إذا كان أصحابها يمنعون من ذلك فلابد من إذنهم .

ولا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها إلا بإذنهم لقوله صلى الله عليه وسلم : " المسلمون على شروطهم " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " من سبق إلى مباح فهو أحق به " ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلماً أو كافراً غير حربي لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم .

والواجب على المدين أن يقدم سداد ما وجب عليه من الديون على نوافل الصدقات والنفقات الزائدة عن الحاجة لتعحيل براءة ذمته وخلوصه من التبعة .

تاجر اشترى بيتاً من شخص واشترط البائع على المشتري بألا يبيع هذا البيت إلا لصاحبه الأول ، هذا البيع لا يجوز لأنه داخل في بيعتين في بيعة المنهي عنه في الحديث .

باع سلعة بمبلغ من النقود إلى أجل مسمى واشترط على المشتري أن يوفيه بعد حلول الأجل صاعاً من شعير عن كل درهم ، هذا العمل لا يجوز لأنه بيعتان في بيعة المنهي عنه ولأن سعر الشعير في المستقبل قد يرتفع فيحصل الضرر على المشتري .

مسألة : أملك مؤسسة مصنع حديد وألمونيوم وأريد بيع حصة منه أو كله على أشخاص ليس لديهم سيولة " نقد " فاقترحت أن يشتروا لي بالمقابل مواد أخرى كطابوق مثلاً وبلاط لشركتي الأخرى والتي ليس لها علاقة بهذا المصنع وسوف يكون شراؤهم للمواد عن طريق مصرف إسلامي .

والجواب : هذا العمل لا يجوز لأنه بيعتان في بيعة المنهي عنه لأنك تبيع عليهم الحصة من المصنع بشرط أن يبيعوا عليك بثمنه مواد أخرى .

اشتراطك في عقد البيع عقداً ثانياً وهو الإجارة يبطل العقد من أصله ولا يصح لما روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك " ، وعليك أن تحذر هذا مستقبلاً أما الماضي فنرجو أن يعفو الله عنك لجهلك لقوله تعالى " فَمَن جَآءَهُۥ مَوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۖ " البقرة 275 .

مسألة : في البيع يقول صاحب المبيع هذا المبيع لك بعشرة ريالات مؤجلاً وبخمسة ريالات في اليد ، والمشتري يأخذ ويمشي فالبايع ما يدري أهو اشترى يداً أو مؤجلاً ؟

والجواب : إذا كان الواقع كما ذكرت فلا يجوز البيع لأنه من صور بيعتين في بيعة والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة لما في ذلك من الجهالة التي تفضي إلى النزاع والاختلاف .

بيع السلعة بشرط أن لا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ، ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب ، ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلاً لاشتراط سلامة المبيع عرفاً منزلة اشتراطها لفظاً .

إذا شرط المشتري أن لا خسارة عليه أو متى نفق وإلا رده عليه أو شرط البائع ذلك فقال : اشترِ هذه البضاعة مني وإذا خسرت فأنا أدفع مقابل الخسارة فإن الشرط يبطل وحده ويصح البيع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط " متفق عليه ، ولأن مقتضى العقد انتقال المبيع للبائع بعد دفع الثمن والتصرف المطلق فيه وأن له ربحه وعليه خسارته وحده ولدفع الضرر المتوقع إذا تهاون المشتري في ترويج السلعة فباعها بخسارة ورجع على البائع ، ولأن قول البائع إن خسرت البضاعة فأنا أدفع الخسارة فيه تغرير من ناحية إيهام المشتري بأن السلعة رائجة وأنها تساوي هذا المبلغ .

ويجوز شرط الخيار في البيع لمدة معلومة وللمشتري رد السلعة في هذه المدة بموجب الخيار ويأخذ الثمن الذي دفعه للبائع لأنه ماله ، أما اشتراط عدم رد الثمن وإنما يشتري به سلعة أخرى من البائع فشرط باطل لا يجوز العمل به لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط " .

مسألة : اشتريت سيارة فوجدت فيها خللًا بسيطًا فبعتها ولم أعلم المشتري بالخلل فهل يعتبر هذا غشاً أو لا ؟

والجواب : نعم يعتبر هذا غشاً ومعلوم أن الغش حرام لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " ، وعليك أن تستغفر الله وتتوب إليه وتبادر إلى إبلاغ المشتري وإعلامه بما كان في السيارة من الخلل إبراءً لذمتك ، فإن تنازل عن حقه فالحمد لله ، وإلا فاتفق معه إما على دفع مبلغ مقابل الخلل أو أخذ السيارة ورد الثمن وإن لم يتم التراضي فهي خصومة يفصل فيها قاضي جهتكم ، وإن لم يتيسر لك معرفته فتصدق عنه بما يقابل الخلل ، وعليه من أراد أن يبيع سلعة وهو يعلم أنها مغشوشة وجب عليه أن يبين للمشتري أنها مغشوشة وإذا لم يبين ذلك يكون آثماً لقوله صلى الله عليه وسلم : " من غشنا فليس منا " ، فيجب على البائع بيان ما في السلعة من عيب بصدق ولا يحل له كتمان ما فيها من العيوب لأن ذلك من الغش وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن بيَّنا وصدقا بُورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " ، وأما قوله " كلها عيوب " فلا يكفي حتى يبين العيب الحقيقي في السلعة ليكون المشتري على بينة .

ما يتبقى في المطعم من الطعام واللحم الصالح للأكل وتمنع البلدية من بيعه فلا يجوز بيعه ولا يجوز إهداره ما دام يمكن الانتفاع به وذلك بأن يعطى للمحتاجين على وجه الصدقة إما بإيصاله إليهم مباشرة أو عن طريق الجمعية الخيرية .

إذا باع مالاً على شخص قبل ملكه له وبعد ما باعه عليه ذهب واشتراه من السوق فالعقد بهذه الصورة لا يصح لأنه باع مالاً يُملك وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تبع ما ليس عندك " أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما ، وصيغته أن يأتيك شخص ويقول أريدك تعطيني ألف ريال دينه وتقول له أعطيك العشرة بثلاثة عشر فيقبل ذلك وتذهب إلى السوق وتشتري البضاعة بألف وتحسبها عليه بألف وثلاثمائة فهذا لا يجوز لأنك بعته قبل أن تملكه فبيعك ما ليس عندك فلا يجوز بيعه لأنك لا تملكه ، ومن شروط صحة هذا البيع أن يكون البائع مالكاً لما يبيع وفي حوزته ومن باع سيارة لآخر قبل أن يتملكها ويحوزها لم يصح البيع إذ لابد من قبضها قبل بيعها .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

24 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر