ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس السابع: الإيمان بالكتب والرسل

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 10 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 2740 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال:" بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ) رواه مسلم

توقفنا في الدرس الماضي عند الإيمان بالكتب وهو الركن الثالث من أركان الإيمان بعد أن تحدثنا عن الإيمان بالله ثم الإيمان بالملائكة والمراد بالإيمان بالكتب هو التصديق بالكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى وأنها شرع الله قبل أن تنالها أيدي الناس بالتحريف والتبديل

والكتب جمع كتاب بمعنى مكتوب والمراد بها الكتب التي أنزلها الله عز وجل على رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً كما قال عز وجل "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب" (البقرة 213)وقال الله عز وجل عن نوح وإبراهيم "وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب"(الحديد 26) فالرسول أمر بالتبليغ برسالة جديدة أما الأنبياء فيكلفون بتبليغ ما أنزل على من قبلهم من الرسل لكن لا ينزل عليهم كتاب خاص بهم فالنبي يكون على منهج الرسول الذي قبله يتبع رسالة من سبقه وجميع الكتب السابقة منسوخة بعد أن حرفت قبل الإسلام فنسخت بالقرآن لما له من هيمنة عليها قال الله عز وجل "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه" (المائدة 48)فكل الكتب منسوخة بالقرآن فلا يعمل بها شرعاً

وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه وذلك أن ما سبق من الشرائع إما أن توافقه شريعتنا أو تخالفه فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه وهذا بالإجماع وإتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتب السابقة ولكن لشريعتنا مثل تحريم الزنا وشرب الخمر والسرقة وما خالف شريعتنا فلا نعمل به بالاتفاق لأنه منسوخ مثل تحريم أكل لحم الإبل على اليهود فهو حرام عليهم حلال لنا وعكس ذلك جواز السجود للبشر لا للتعظيم ولكن للاحترام فقط مثل سجود أبوي يوسف ليوسف قال تعالى في سورة يوسف "ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً..." فهذا السجود جائز في شريعتهم محرم في شريعتنا ودليل تحريمه في شريعتنا قوله صلى الله عليه وسلم " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" فلم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لحرمته في الإسلام

والإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور:

أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً، وأنها من عند الله فأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، والإنجيل على عيسى والتوراة على موسى والصحف على إبراهيم والزبور على داود، غير أن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم ومكتباتهم ليست هي التي أنزلت على الرسل بل هي محرفة ومبدلة بحسب أهوائهم، فالموجود الآن من صنعهم لكن أصل الكتب المنزلة على الرسل نؤمن بأنها حق من عند الله

ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة

ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف شريعتنا كحرمة الوقوع في كبائر الذنوب مثل القتل بغير حق

رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وسبقت الإشارة إلى من أنزلت عليه

ومن أنكر الكتب السماوية أو أحدها فهو كافر لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب

الإيمان بالرسل

قوله صلى الله عليه وسلم: ورسله

الإيمان برسل الله هو التصديق أنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم وأنهم بلغوا عن الله رسالاته وبينوا للمكلفين ما أمرهم الله به وأن الله اختارهم لهداية خلقه هداية إرشادية مع الاعتقاد أن الرسل بشر معصومون لأن الله قال عن محمد صلى الله عليه وسلم "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" وأنه يجب احترامهم وأنه لا يفرق بينهم

أول الأنبياء آدم عليه السلام الذي عاش ألف سنة وجميع الناس موحدون وبينه وبين نوح ألف سنة والجميع على الدين الإسلامي على ملة أبيهم آدم عليه السلام

إذ مضى ألفي عام والجميع يعبدون الله وحده على الفطرة ثم لما بدأ الشرك بعث الله نوج عليه السلام وهو أول الرسل وعمره خمسين سنة وعاش ألف سنة عمر أبيه آدم ألف سنة

والفائدة: من بعث النبي تذكير الناس بالشريعة التي كلف بها الرسول قبل النبي ووجوب العمل بها قال الله تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أٍسلموا للذين هادوا

وأول الرسل نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم والصحيح أن ادريس بعد نوح قطعاً لقول الله تعالى " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ"(النساء 163) وقال الله عز وجل:" وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ "(الحديد 26)"

والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم قال تعالى: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين

والرسل أفضل من الأنبياء لأن الله أكرمهم بإنزال الكتب عليهم

والرسل أفضلهم خمسة وهم أولوا العزم ذكروا في القرآن في موضعين في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى ففي سورة الأحزاب قال الله تعالى "وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا "(الأحزاب 7) وفي سورة الشورى قال الله عز وجل " شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ " (الشورى 13)

وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم

ولما التقى بهم في الإٍسراء أمهم في الصلاة فإبراهيم إمام الحنفاء صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ومعلوم أنه لا يقدم في الإمامة إلا الأفضل فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم

وإبراهيم الخليل عليه السلام يلي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه "واتخذ الله إبراهيم خليلاً" الذي ابتلاه الله ببلية لا يصبر عليها إلا أولوا العزم

وقصة ابتلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه أتاه ابن على كبر ومعلوم أنه إذا أتى الفريد الوحيد ابن على كبر يكون في قلب أبيه في غاية المحبة للبشر ولما بلغ معه السعي فلم يكن طفلاً لا يهتم به ولم يكن كبيراً انفرد بنفسه بل بلغ السعي أي بدأ يمشي معه تعلق قلبه به تماماً فامتحنه الله تعالى بأن رأى في المنام أنه يذبح ابنه ورؤيا الأنبياء وحي فقال له يا بني إني أرى في المنام أنه أذبحك فانظر ماذا ترى فلم يخبره لكن أراد أن يمتحنه فكانت إجابة الابن في غاية ما يكون من الامتثال والانقياد فقال " يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ " (الصافات 102)لم يقل يا أبت اذبحني بل قال افعل ما تؤمر حيث عرف أن هذا أمر من الله يجب الامتثال له "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ "(الصافات102)" فلم يجزم بل قال إن شاء الله كما قال الله عز وجل "وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ "(23-24)" لم يبك ولم يغضب على أبيه ولم يهرب ولم يهدد ولم ينتقم بل سلم أمره لله، فاتفق الأب والابن على الاستجابة لأمر الله فلما اسلما أي استسلما لأمر الله وتله أي أبوه للجبين أي على الأرض والجبين الجبهة وإنما تله على الجبين دون أن يذبحه مستلقياً لئلا يرى وجه ابنه والسكين تلوح على رقبته فيخفف هو عن نفسه ويخفف أيضاً على الابن فلما تله للجبين جاء الفرج من الله عز وجل فرج الله عنه "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين" هذه المحبة لهذا الابن وهذا الابتلاء وهذا الامتثال التام يدل على أن محبة الله في قلب إبراهيم عليه السلام أعظم من محبة الولد فكان إبراهيم خليل الله عز وجل والخلة هي أعظم أنواع المحبة والمحبة أعلاها الخلة لأن محبتها تخللت مسلك الروح والعروق والعظام والمخ وكل شيء قال صلى الله عليه وسلم "إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً "أخرجه مسلم

ولا ينبغي القول بأن محمداً حبيبب الله والصحيح خليل الله لأن الخلة أعلى درجات المحبة كما أوضحت ذلك سلفاً

وبالله التوفيق

1436/7/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر