الدرس السادس والخمسون : البيوع 5

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1984 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا باع إنسان على آخر أرضاً بخمسين ألف ريال لمدة سنة وبعد عدة سنوات ولم يدفع المشتري القيمة رغب ببيعها على البائع بثلاثين ألف ريال ويلتزم بدفع الباقي فيما بعد ، يجوز ذلك وليس من بيع العينة لأن بيع العينة أن تشتري السلعة التي بعتها بثمن مؤجل ممن بعتها عليه .

لا مانع من شراء غنمك التي بعتها قبل ذلك ولم يستطع المشتري تسديد قيمتها وتحتسب قيمة الغنم من الحساب الذي لك في ذمة البائع عليك ولا محذور في ذلك بشرط أن يكون الثمن الذي اشتريت به هذه الغنم مساوياً للثمن الذي بعتها به أو أكثر منه .

مسألة : لنا محطة محروقات ومغسلة وقد أعلنت في المزاد العلني وقد حضرت من جملة المزايدين ورست علي .

والجواب : إذا كان الواقع كما ذُكر فليس ذلك من العقود الربوية بل من عقود البيع وشبهة الربا بعيدة عنه .

مسألة : تاجر يبيع منتجات غذائية ولكنه يبيع القطعة الواحدة بسعر ، ثم يبيع مجموعة قطع بسعر أقل ، ثم يبيع مجموعة أكثر بسعر أقل من الأوليان وكل هذا في نفس الوقت مع عدم تغيير في السلعة . فما الحكم في ذلك ؟

والجواب : هذه المعاملات المذكورة في السؤال جائزة لا حرج فيها .

وإذا اشترى إنسان سلعة من مخزن أو دكان مثلاً وعدَّها عليه صاحبها بأعيانها ، فلا يجوز للمشتري أن يبيعها في محلها بمجرد عدِّ أعيانها ، ولا يعتبر ذلك قبضاً ، بل لابد لجواز بيع المشتري لها من حوزه إياها إلى محل آخر ، لما رواه أحمد عن حكيم بن حزام أنه قال : قلت يا رسول الله إني أشتري بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم ؟ قال : " إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه " ، ولما رواه أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " ، ولما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه " .

وإذا كان اشترى السيارة مثلاً من شخص لأجل أن يردها عليه بثمن عاجل أقل مما اشترها به فذلك بيع نقد بنقد مع التفاضل ، وهو الربا الذي حرَّمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والعقد على السيارة صوري قصد به الخداع والاحتيال على الربا ، وأكل الأموال بالباطل ، وكذا لو باع المشتري السيارة على شخص عرف أنه تابع للبائع الأول في عمله أو شخص وسيط تواطآ عليه لتعود السيارة في النهاية إلى البائع الأول ، فكل هذا من الخداع والاحتيال على الربا .

وإذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة مثلاً معينة ، أو موصوفة بوصف يضبطها ، ووعده أن يشتريها منه ، فاشتراها من طُلبت منه ، وقبضها جاز لمن طلبها أن يشتريها منه ، بعد ذلك نقداً أو أقساطاً مؤجلة بربح معلوم ، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلاً قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم .
أما ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من البيعتين في بيعة ، فقد فسره جمهور العلماء بأن يقول صاحب السلعة بعتك هذه السلعة بعشرة دراهم مثلاً نقداً ، أو بخمسة عشر إلى سنة مثلاً ، أو يقول بعتك إحدى هاتين البقرتين بألف ريال مثلاً ، ويتم القبول من المشتري ، ثم يفترقان دون تعيين إحدى الحالين من نقد أو أجل في الصورة الأولى ، ودون تعيين إحدى البقرتين مثلاً في الصورة الثانية ، فهذا محرم لجهالة الحال من التعجيل أو التأجيل ، وجهالة الثمن تبعاً لذلك في المسألة الأولى ، ولجهالة السلعة التي وقع عليها العقد في المسألة الثانية ، وجعل منه جمهور العلماء أيضاً قول إنسان لآخر بعتك داري هذه بكذا على أن تبيعني دارك هذه بكذا ، أو على أن تشتغل أجيراً عندي شهراً مثلا بكذا ، أو على أن تزوجني ابنتك بكذا ، أو على أن أزوجك ابنتي بكذا ، فهذه الصور من البيوع الباطلة لكونها من صور البيعتين في بيعة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ومن صور البيعتين في بيعة مسألة العينة المشهورة ، وننصح لك بمراجعة المغني لابن قدامة رحمه الله في هذه المسألة ، وكلام العلامة ابن القيم على حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة في كتاب تهذيب السنن و إعلام الموقعين .
وإذا كان من يبيع السيارة إلى أجل يبيعها بثمن معلوم إلى أجل أو آجال معلومة زمناً وقسطاً ، لا يزيد المؤجل من ثمنها بتجاوزه فلا شيء في ذلك لقوله سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ " البقرة 282 ، ولما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى إلى أجل ، أما إن كان المؤجل يزيد بتأخر دفع القسط عن موعده المحدد فذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لأنه ينطبق عليه ربا الجاهلية الذي نزل فيه القرآن ، وهو قول أحدهم لمن عنده له دين عند حلول ذلك الدين إما أن تقضي وإما أن تربي أي تزيد ، ومن كان يقرضك مالاً لتتجر فيه ، فتعطيه شيئاً كل شهر مقابل بقاء ماله عندك فهذا لا يجوز ، بل محرم لكونه من الربا الذي جاءت النصوص بتحريمه .

وشراؤك السيارة بالأقساط إذا كانت السيارة معلومة ، والثمن معلوم ، وكل قسط مع أجله معلوماً فهذا جائز ، أما التأمين على السيارة فمحرم ، وكذا التأمين على الحياة وعلى الأعضاء وعلى البضاعة ، وسائر أنواع التأمين التجاري لما في ذلك من الغرر والمقامرة ، وأكل الأموال بالباطل .

لا بأس ببيع السيارة أو غيرها من السلع إذا كان بيعك لها بعد شرائك لها وحيازتها في ملكك فيجوز أن تبيعها بثمن حال أو بثمن مؤجل أكثر من الحال سواء كان الثمن المؤجل مقسطاً أو غير مقسط وذلك لقوله تعالى " وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلبَيعَ " البقرة 275 .

أما بيع السلعة على من طلبها قبل شرائها وحيازتها فلا يجوز لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تبع ما ليس عندك " ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " كنا نشتري الطعام جزافاً فيبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينهانا أن نبيعه حتى ننقله إلى رحالنا " .

لا بأس باستبدال الأدوات المنزلية القديمة بأدوات جديدة مع زيادة يدفعها صاحب الأدوات القديمة نظراً للفرق بين قيمة النوعين لأن هذا من البيع الذي أحلَّه الله ولا محذور فيه إذا لم يكن ذلك عن مشارطة .

إذا استدان منكم شخص سلعة بثمن مؤجل ثم وكَّلكم على بيعها له من غيركم فلا مانع من ذلك إذا كان المستدين قد قبض السلعة بعدما اشتراها قبضاً تاماً .

من اشترط حلول المبالغ المؤجلة بكاملها دفعة واحدة عند تأخر المدين في تسديد أحد الأقساط خلال مدة معينة من تاريخ الاستحقاق غير صحيح لأنه ينافي مقتضى العقد وهو التأجيل الذي استحقت به الزيادة ، وإذا كان المدين معسراً فإنه يجب إنظاره عملاً بقول الله عز وجل " وَإِن كَانَ ذُو عُسرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيسَرَةٖۚ " البقرة 280 .

حكم تأخير الثمن والمثمن إذا كان البيع معيناً موجوداً كبيت وسيارة ونحو ذلك ، قد وصف بما يزيل اللبس مع انعقاد البيع حالاً جائز ما لم يكونا من الأجناس الربوية ، وإلا فيجب التقابض في مجلس العقد لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثلٍ ، سواءً بسواءٍ ، يداً بيدٍ ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيدٍ " أخرجه مسلم ، وبيع التقسيط هو بيع السلعة بثمن مؤجل ، يسدده على فترات متفرقة .

ومسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل ، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل من أجل أن تنتفع بثمنها ، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء .

وحقوق العباد واجبة الأداء ، فيلزم من عليه دين لأي إنسان أن يبذل وسعه في إيصاله إليه أو إلى ورثته إن كان قد توفي ، وفي حالة عجزه عن إيصاله إلى الورثة أو إلى صاحبه لكونه هاجر إلى بلد لا يعرفها ، أو لا يعرف عنوانه بها ، أو نسي اسمه كلياً فيتصدق بالدين الذي عليه على الفقراء بالنية عن صاحبه ، فإن جاء صاحبه أخبره بالواقع ، فإن رضي به وإلا دفع حقه إليه ، وللمتصدق أجر تلك الصدقة إن شاء الله ، ولا تبرأ ذمته بدون ذلك ، ولا يجوز مطل الغني ، وهو تأخير الغني القادر على دفع الحق الواجب عليه لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مطل الغني ظلم ، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع " متفق على صحته ، ومن كان قادراً على الوفاء بدينه فإنه يحرم عليه المماطلة في تسديد ما وجب في ذمته إذا حلَّ أجله ، فعلى من عليه دين أن يبادر بوفاء ما في ذمته من حقوق الناس ، وليتق الله في ذلك قبل أن يفاجئه الأجل وهو معلق بديونه .

الأموال الحاصلة من طرق محرمة كالرشوة والربا أموال محرمة ، لا يجوز للمسلم تمولها والانتفاع بها أو المتاجرة بها ، ولا يجوز لمسلم أن يكون عوناً لأحد على ما فيه إثم ومعصية وانتهاك لحرمات الله ، فإذا كان المسلم في حال الاختيار والسعة بحيث يجد من يبيع الحلال ، ويتعفف عن بيع الحرام فعليه التعامل معه لا مع من يبيع الحلال والمحرم ، أما إذا لم يمكنه ذلك فيجوز للمسلم شراء اللحوم الحلال والأطعمة المباحة منه إذا لم يشتبه بغيره لقول الله تعالى " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " التغابن 16 .

إذا كان المدين معسراً وليس لديه ما يسدد به دينه أو بعضه فإنه يجوز له أن يسأل صاحب الدين أن يسقط عنه الدين الذي لا يقدر على وفائه أو يؤجل مدة وفائه حتى يقدر على وفائه ، وإذا سددت الدين الذي عليك وزدت عليه شيئاً بطيب نفس منك وبدون شرط سابق من الدائن ، أو أهديت له شيئاً جبراً لما حصل من التأخير ، فهذا حسن ولا بأس به ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلف من رجل بكراً ، ورد خياراً رباعياً ، وقال : " خيار الناس أحسنهم قضاءً " أخرجه مسلم .

لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحتكر إلا خاطئ " أخرجه مسلم ، أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يحتاج إليه ، فيبذل لهم دفعاً للحرج والضرر عنهم ، وبذلك يتبين أن مدة جواز التخزين مرتبطة بغنى الناس عما يخزن طالت المدة أم قصرت ، وإذا تواطأ الباعة مثلاً من تجار ونحوهم على رفع أسعار ما لديهم أثرة منهم ، فلولي الأمر تحديد سعر عادل للمبيعات .

مسألة : هناك بعض الأصناف من الدواء ، يزداد سعره بقرار من وزارة الصحة ، وأحياناً ينقص ، فهل يجوز لي أن أبيعها بالسعر الجديد أم القديم مع العلم أن الوزارة تعاقب من يبيع بالسعر القديم الأقل ؟

والجواب : يجب التمشي على النظام الذي تضعه الدولة لسعر بيع الدواء لأن في مخالفته مضرة عليك وعلى الآخرين .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

23 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر