الدرس الخامس والخمسون : البيوع 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2170 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للمشتري أن يلح على البائع لبيع سلعته عليه وإجباره على البيع بحجة أنها بلغت قيمتها ، أو أنها قديمة لأن من شروط البيع التراضي بين المتبايعين ، وأن يكون البيع عن طيب نفس كل منهما ، دون إلحاح أو إكراه لقول الله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ " النساء 29 ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما البيع عن تراضٍ " رواه ابن ماجه وابن حبان ، فإذا أُكره البائع على البيع فله الخيار إن أراد أن يمضي البيع ، أو يرجع عن بيع سلعته .

وإبداء عيوب السلعة من جهة أحد المشترين أمام المشترين لها لئلا يرتفع سعرها فيأخذها بسعر أقل محرم شرعاً لما فيه من الإضرار بأخيه المسلم ، سواء كانت تلك العيوب فيها أو لا ، وعلى البائع أن يبين ما فيها من العيوب التي يجهلها المشتري براءة للذمة ، وحذراً من الغش .

وإذا كنت سمت الأرض لشرائها أو استئجارها ، وعلم ذلك الشخص بسومك وركون المالك إليك ، لم يجز له شراؤها أو استئجارها لأنه متضمن لسوم الرجل على سوم أخيه ، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يعلم ذلك الرجل بسومك الأرض أو سامها قبل ميل مالكها إلى بيعها عليك أو إيجارها لك ، أو بعد أن انصرف مالك الأرض عن بيعها أو إيجارها لك جاز له أن يشتريها أو يستأجرها ليتصرف فيها بيعاً أو إيجاراً أو استبقاءً .

وتجوز المساومة على السلعة رعاية لحق البائع ، ما لم يركن البائع إلى سوم أحد السائمين ، فلا يجوز رعاية لحق من رست عليه ، وهذا هو المقصود بالنهي عن سوم الإنسان على سوم أخيه ، ومن يزيد في السلعة المعروضة للبيع وهو لا يريد شراءها ، ففعله هذا محرم لما فيه من الخداع والتغرير بالمشتري ، لاعتقاد المشتري أنه لم يزد فيها هذا القدر إلا لأنها تساويه ، وهي بخلاف ذلك ، وهذا هو النجش الذي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه نهي تحريم ، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش " أخرجه البخاري ومسلم ، وكما جاء عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبع حاضر لباد " متفق عليه ، وإذا ثبت النجش وكان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله ، فللمشتري الخيار بين الفسخ وإمضاء البيع لأن ذلك داخل في خيار الغبن .

وإذا كان الدلال الذي يقوم بالحراج على السلعة ويرغب في شراء السلعة فلا بأس أن يبدأ الحراج بسعر من عنده ، أو يزيد فيها أثناء الحراج بعد سوم أحد الراغبين فيها ، بحيث لو لم يزد أحد من الحاضرين لأخذها به ، ويحرم أن يبدأ سعرها أو يزيد فيها وهو لا يريد شراءها ، أو يزيد فيها لإيهام المشتري بأن سعرها أعلى من ذلك ، أو ليقطع السوم عند سومه فيأخذها بسعر أقل من ثمنها ، وإن كانت السلعة خاصة به فلا يبدأ بسومها ولا يزيد فيها .

ولا يجوز بيع الحاضر للباد ، ولا يجوز تلقي الركبان ، وهم الذين يقدمون ببضائعهم لبيعها في السوق ، فيتلقاهم قبل وصولهم السوق فيشتري منهم برخص ثم يحضره للسوق ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تلقوا الركبان ، ولا يبع حاضر لباد " أخرجه البخاري ومسلم .

ويحرم تلقي أصحاب البضائع في الشارع قبل دخولهم الأماكن المعدة لعرض السلع وبيعها لأن ذلك داخل في مسألة تلقي الركبان المنهي عنه للحديث الذي أخرجه الإمام أحمد ، والذي جاء فيه : " ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق " أخرجه البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وما أخرجه البخاري في صحيحه عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : " كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام ، فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام " ، وفي لفظ آخر عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه قال : " كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق ، فيبيعونه في مكانه ، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه " ، وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار " ، وعلى ذلك فإن السلعة إذا لم يهبط بها صاحبها إلى السوق المعد لبيعها فيه فإنه يحرم تلقي أصحابها ، ومن تلقاها قبل بلوغها السوق فإنه آثم وعاص لله تعالى ، إذا كان عالماً بالتحريم لما فيه من الخداع والتغرير بالبائع ، والإضرار بأهل السوق .

وإذا حصل اتفاق بين الدلال والبائع والمشتري على أن يأخذ من المشتري أو من البائع أو منهما معاً سعياً معلوماً جاز ذلك ، ولا تحديد للسعي بنسبة معينة ، بل ما حصل عليه الاتفاق والتراضي ممن يدفع السعي جاز ، لكن ينبغي أن يكون في حدود ما جرت به العادة بين الناس مما يحصل به نفع الدلال في مقابل ما بذله من وساطة وجهد لإتمام البيع بين البائع والمشتري ، ولا يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري بزيادته فوق المعتاد .

وإذا كان المصنع أو التاجر يعطيك جزءاً من المال على كل سلعة تباع عن طريقك تشجيعاً لك لجهودك في البحث عن الزبائن ، وهذا المال لا يزاد في سعر السلعة ، وليس في ذلك إضرار بالآخرين ممن يبيع هذه السلعة ، حيث إن هذا المصنع أو التاجر يبيعها بسعر كما يبيعها الآخرون فهذا جائز ولا محذور فيه ، أما إن كان هذا المال الذي تأخذه من صاحب المصنع أو المحل ، يزاد على المشتري في ثمن السلعة ، فلا يجوز لك أخذه ولا يجوز للبائع فعل ذلك لأن في هذا إضرار بالمشتري بزيادة السعر عليه .

ويجوز للدلال أخذ أجرة بنسبة معلومة من الثمن الذي تستقر عليه السلعة ، مقابل دلالته عليها ، ويستحصلها الدلال من البائع أو المشتري حسب الاتفاق من غير إجحاف ولا ضرر ، ويجوز للبائع أن يحتفظ بالعربون لنفسه ولا يرده للمشتري في أصح قولي العلماء إذا اتفقا على ذلك .

ولا حرج على الدلال فيما أخذ من الزيادة عن السعي المقرر إذا دفعوه له عن طيب نفس فهو إكرامية منهم له لكن إذا كان حاباهم في البيع فباع عليهم مع وجود طالب للأرض بأكثر مما باعهم عليه فلا يجوز أخذ الزيادة لأنها في مقابل محاباتهم له .

مسألة : وسيط يعمل في شركة وله راتب ثابت في هذه الشركة ويعمل وسيط بين هذه الشركة التي يعمل بها وشركة أخرى ويشتري منها بعض الماكينات ويأخذ عمولة من الشركة التي تبيع الماكينات مع العلم أنه لا يطلب بنفسه هذه العمولة ولكن صاحب الشركة هو الذي يعطيها له بدون أن يطلب هذا الوسيط هذه العمولة .
والجواب : ما دام أن هذا الوسيط له راتب شهري في الشركة التي يعمل فيها فأخذ عمولة من الشركة الثانية مقابل التعامل معها للشراء لصالح الشركة الموظف فيها لا يجوز لأنه مظنة لهضم الشركة التي هو موظف فيها من جهة السعر فلا يناقص فيه ومن جهة جودة البضاعة التي يشتريها لها .

إذا بِعْتَ سيارة لشخص بالتقسيط ، علماً أن التقسيط تكون قيمة السيارة زائدة ، ثم طلب منك أن تشتريها منه بأقل مما شراها منك ، هذه المسألة تسمى مسألة العينة ، وحكمها التحريم ، والأصل في ذلك ما ورد من الأدلة الشرعية الدالة على النهي عن ذلك .

والمراد بالعينة هو : أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل ويسلمه للمشتري ، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقداً أقل من ذلك القدر لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أحمد وأبو داود واللفظ له ، وقوله : " وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع " المراد : الاشتغال بالحرث ، وقد حُمل هذا على الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد ، وقوله : " وتركتم الجهاد " المراد به : جهاد الأعداء المتعين فعله ، والذل : المسكنة والصغار ، قوله : " حتى ترجعوا إلى دينكم " فيه زجر بليغ ووعيد شديد لمن اشتغل بالزراعة وترك الجهاد ، وتعاطى المعاملات المحرمة .

وإذا كنت قد سلَّمت قيمة السيارة كاملة لمن اشتريتها منه ، ولم يكن هناك مواطأة فيما بينك وبينه فلا مانع أن يشتري منك السيارة المذكورة لعدم المحذور في ذلك .

إذا اشترى رجل منك سيارة بالتقسيط وبعد مدة معينة يريد بيعها عليك نقداً ، فليس لك شراؤها إلا بمثل ثمنها أو أكثر لأن شراؤك لها بأقل مما بعته عليه يعتبر معاملة ربوية وهي مسألة العينة ، فلا يجوز لك أن تشتري السلعة التي بعتها بثمن مؤجل ممن بعتها عليه سيارة كانت أو غيرها بأقل مما بعتها به عليه لأن هذا هو بيع العينة المنهي عنه والمتوعد عليه في الحديث فالواجب عليك تجنب هذا العمل .

مسألة : رجل اشترى سيارة بالتقسيط من شركة تايوتا وبعد شهر وجد فيها عيباً قالوا نأخذها منك بقيمة النقد 96000 علماً بأنه اشتراها بــ 110000 دفع قسط 49000 ضمان 13 شهر .

والجواب : المعاملة المذكورة هي بيع العينة الذي جاءت السنة الصحيحة بتحريمه ، وبناءً على ذلك فالعقد باطل والثمن محرم والسيارة باقية في ملكك ولك أن تردها عليهم بالعيب أو تبيعها على غيرهم ، فإن تنازعتم في شيء من ذلك فالمرجع المحكمة وفيما تراه المحكمة الكفاية إن شاء الله .

ولا يجوز للمُهدي أن يشتري ما أهداه لأخيه ، فعن عمر رضي الله عنه قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه صاحبه ، فظننت أنه بائعه برخص ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " لا تبتعه ، وإن أعطاكه بدرهم ، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " متفق عليه .

إذا باع إنسان على آخر أرضاً بخمسين ألف ريال لمدة سنة ، وبعد عدة سنوات لم يدفع المشتري القيمة ، ورغب ببيعها على البائع بثلاثين ألف ريال ، ويلتزم بدفع الباقي فيما بعد ، يجوز ذلك وليس من بيع العينة ، ولا مانع من شراء غنمك التي بعتها قبل ذلك ، ولم يستطع المشتري تسديد قيمتها بسعر تتفقان عليه برضا منكما ، وتحتسب قيمة الغنم من الحساب الذي لك في ذمة البائع عليك ، ولا محذور في ذلك بشرط أن يكون الثمن الذي اشتريت به هذه الغنم مساوياً للثمن الذي بعتها به أو أكثر منه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

23 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر