الدرس الخامس والعشرون الحديث 15: آداب إسلامية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 13 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 2125 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) رواه البخاري ومسلم
أهميته

قال ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه لصحيح البخاري وهذا من جوامع الكلم واشتمل الحديث على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية

وقال بعض العلماء جماع آداب الخير يتفرع من أربعة أحاديث ذكر منها هذا الحديث

فائدة

حتى لا يحصل إلباس عند البعض ابن حجر العسقلاني هو الذي شرح صحيح البخاري أما ابن حجر الهيتمي فعالم آخر والهيتمي في مجمع الزوائد غير ابن حجر الهيتمي

شرح الحديث

قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ) هذه جملة شرطية، جوابها (فَليَقُلْ خَيْرَاً أَو لِيَصْمُتْ) والمقصود بهذه الصيغة الحث على قول الخير أوالسكوت كأنه قال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فقل الخير أو اسكت
فقوله (يؤمن) أي الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله تعال الموصل إلى رضوانه وأصل الإيمان التصديق والإذعان
قوله صلى الله عليه وسلم (فَلَيَقُلْ خَيرَاً) اللام للأمر، والخير نوعان خير في المقال نفسه، وخير في المراد به، أما الخير في المقال: كأن يذكر الله عزّ وجل ويسبّح ويحمد ويقرأ القرآن ويعلم العلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأتي بالأوراد الصباحية والمسائية والأدعية والأذكار والاستغفار ويدعو للمسلمين ويصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهذا خير بنفسه

وأما الخير لغيره كأن يقول قولاً ليس خيراً في نفسه ولكن من أجل إدخال السرور على جلسائه، فإن هذا خير لما يترتب عليه من الأنس وإزالة الوحشة وحصول الألفة، لأنك لو جلست مع قوم ولم تجد شيئاً من الكلام يكون خيراً بذاته وبقيت صامتاً من حين دخلت إلى أن قمت كان في هذا وحشة وعدم ألفة لذا تكلم بكلام ليس خيراً في نفسه ولكن من أجل إدخال السرور على جلسائك فإن هذا خير لغيره مع عدم كثرة الكلام فإن من كثر كلامه كثر غلطه وقال بعضهم إذا أراد الإنسان أن يتكلم فإن كان ما يتكلم به خيراً محققاً يثاب عليه فليتكلم وإلا فليمسك عن الكلام سواء ظهر أنه حرام أو مكروه أو مباح فعلى هذا يكون الكلام المباح مندوباً إلى الإمساك عنه مخافة أن ينجر إلى المحرم أو المكروه وقد يقع ذلك كثيراً قال الله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال ابن عباس وغيره أي يكتب عليه من ثواب أو عقاب فالآية مخصوصة أي ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء

قوله صلى الله عليه وسلم (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) أي جاره في البيت وكلما قرب الجار منك كان حقه أعظم وأطلق النبي صلى الله عليه وسلم الإكرام فقال (فليكرم جاره) ولم يقل مثلاً بإعطاءه الدراهم أو الصدقة أو اللباس أو ما أشبه هذا وكل شيء يأتي مطلقاً في الشريعة فإنه يرجع فيه إلى العرف وفي المنظومة الفقهية البيت الخامس والستون من منظومة أصول الفقه وقواعده

وكل ما أتى ولم يحدد **** بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد

فالإكرام إذاً ليس عيناً بل ما عده الناس إكراماً ويختلف من جار إلى جار فجارك الفقير ربما يكون إكرامه برغيف خبز وجارك الغني لا يكفي هذا في إكرامه وجارك الشريف يحتاج إلى أكثر فإذا أكرمت جارك حصل لك الخير وكف الأذى والشر عنه من باب أولى

وقد روى البخاري في كتابه الأدب المفرد أن الجار أربعون داراً من كل جانب وهذا في الوقت الحاضر صعب جداً ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعون دارا مساحتهم قليلة ولكن في عهدنا أربعون داراً قرية ولم أقل حي من الأحياء فبعض الأحياء لا يكون بهذا العدد من كل جانب إن صح الحديث لأن كتاب الأدب المفرد فيه أحاديث ضعيفة فهو منزل على الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يصح رجعنا إلى العرف

وقد أوصى الله تعالى في كتابه بالإحسان إلى الجار وقال صلى الله عليه وسلم (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) رواه البخاري من حديث عائشة وابن عمر

قوله صلى الله عليه وسلم (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) الضيف هو النازل بك، كرجل مسافر نزل بك، فهذا ضيف يجب إكرامه بما يعد إكراماً، والجمهور على أن الضيافة مستحبة ومن باب مكارم الأخلاق، قال بعض أهل العلم رحمهم الله إنما تجب الضيافة إذا كان في القرى أي المدن الصغيرة، وأما في الأمصار والمدن الكبيرة فلا يجب، لأن هذه فيها مطاعم وفنادق يذهب إليها ولكن القرى الصغيرة يحتاج الإنسان إلى مكان يؤويه، ولكن ظاهر الحديث أنه عام: فَليُكْرِمْ ضَيْفَهُ

والضيافة من الإسلام وخلق النبيين والصالحين وأكثر العلماء على أنها مكارم الأخلاق وقال صاحب الإقناع في هذا الحديث من الفقه أن يعتقد الإنسان إن إكرام الضيف عبادة لا ينقصها أن يضيف غنيا ولا بغيرها أن يقدم إلى ضيفه اليسير مما عنده، فإكرامه أن يسارع إلى البشاشة في وجهه، ويطيب الحديث له، وعماد أهل الضيافة إطعام الطعام فينبغي أن يبادر بما فتح الله عليه من غير كلفة ويحسن إليه

فقه الحديث

أولاً: وجوب الصمت إلا في الخير، لقوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خَيرَاً أو لِيَصمُتْ) والمقال ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولغو، فالخير هو المطلوب. والشر محرم، أي أن يقول الإنسان قولاً شراً سواء كان القول شراً في نفسه أو شراً فيما يترتب عليه. واللغو ما ليس فيه خير ولاشرّ والأفضل أن يسكت عن اللغو

ويقال: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وكم كلمة ألقت في قلب صاحبها البلاء، والكلمة بيدك ما لم تخرج من لسانك، فإن خرجت من لسانك لم تملكها وقد تندم على الكلام لكنك لن تندم على الصمت وإذا دار الأمر بين أن أسكت أو أتكلم فالمختار السكوت لأن ذلك أسلم

ثانياً: وجوب حفظ اللسان

ثالثاً: من كمال الإيمان قول الخير والصمت عما سواه روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه

رابعاً: الخوض في الكلام سبب الهلاك وصون اللسان طريق النجاة قال صلى الله عليه وسلم (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وسبق أن تحدثنا عن هذا الحديث في درس سابق

خامساً: عدم الإكثار من الكلام المباح ، لأنه قد يجر إلى المحرم أو المكروه قال ابن عمر رضي الله عنه: من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به

سادساً: وجوب الكلام عند الحاجة إليه ، وخاصة لبيان الحق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

سابعاً: وجوب إكرام الجار لقوله صلى الله عليه وسلم(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وهذا الإكرام مطلق يرجع فيه إلى العرف فتارة يكون إكرام الجار بأن تذهب إليه وتسلم عليه وتجلس عنده وتارة يكون بأن تدعوه إلى البيت وتكرمه وتارة بأن تهدي إليه الهدايا فالمسألة راجعة للعرف

وحسبنا إهتماماً بالجار أن الله تعالى قرن الأمر بالإحسان إلى الجار مع الأمر بعبادته إذ قال (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب) النساء 36

والجيران منهم من له ثلاثة حقوق حق الإسلام والمجورة والقرابة وجار له حق الإسلام والمجورة وجار له حق المجورة فقط فالإحسان إلى الجار وإكرامه أمر مطلوب شرعاً

ثامناً: إيذاء الجار خلل في الإيمان يسبب الهلاك

تاسعاً: من وسائل الإحسان إلى الجار مواساته عند حاجته ومساعدته وتحصيل النفع له والإهداء له ولاسيما في المناسبات

عاشراً: وجوب إكرام الضيف بما يعد إكراماً وذلك بأن تتلقاه ببشر وسرور وتقول تفضل حياك الله وترحب به وينطلق وجهك معه

الحادي عشر: إكرام الضيف من الإيمان ومن مظاهر حسن الإسلام وذهب أحمد والليث إلى أن الضيافة واجبة يوماً وليلة لما رواه ابن ماجه من قوله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث فليكرم ضيفه فهو أمر والأمر للوجوب وروى مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه

الثاني عشر: أهمية العمل بهذا الحديث لأنه يحقق وحدة الكلمة ويؤلف بين القلوب ويذهب الضغائن والأحقاد ولاسيما إذا التزم الكل أدب الحديث

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/13 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر