الدرس الخامس والتسعون : الناشز

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 29 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2656 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئاً من النفقة حتى ترجع إلى الطاعة إذا كان نشوزها بغير حق ، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم ، أما ما يفعله بعض القضاة من الحكم على الناشز بإسقاط نفقتها وحبسها في ذمة زوجها سنين طويلة فلا أعلم له أصلاً في الشرع وفيه ظلم لها فقد يكون لنشوزها أسباب أوجبت ذلك منها : كراهيتها للزوج وعدم رغبتها في معاشرته ، ومنها سوء معاملته لها إلى غير ذلك من الأسباب .

والواجب في مثل هذا الأمر هو التثبت والنظر في أسباب النشوز والتوسط في الصلح ، فإن لم يتيسر ذلك وجب التحكيم أي بعث الحكمين عملاً بقول الله سبحانه " وَإِنۡ خِفتُمۡ شِقَاقَ بَينِهِمَا فَٱبعَثُواْ حَكَمًا مِّنۡ أَهلِهِۦ وَحَكَمًا مِّنۡ أَهلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصلَٰحًا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَينَهُمَآۗ " النساء 35 .

والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين ، وليسا وكيلين لهما لأن الله سماهما حكمين ولم يسمهما وكيلين ، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين كما لا يخفى عند التأمل ، فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " أخرجه البخاري ، ولم يخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين الطلاق وعدمه بل أمره بالطلاق أمراً مطلقاً ، والأصل في الأمر الوجوب ، ومن قال بخلافه فعليه الدليل وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم .

أما أن تُحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتُحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة لكونها سئمت من عشرة زوجها فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج ، والزوج له حق محدود وهي كذلك لها حق مثله ، فلو كرهها زوجها وأُلزم بمعاشرتها فهل يرضى ذلك ؟ لا أظنه يرضى ، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم كما أن عليه النظر في القضايا المقدمة إليه والاجتهاد في إنهاء الخصومة فيها حتى تُحفظ الحقوق وتُصان الدماء والأموال والأعراض ويقف كل أحد عند حده .

مسألة : سماحة الوالد امرأة حامل في الشهر السادس ونصحها الدكتور أن الجنين سيموت قريباً أو سيكون الجنين بعد الولادة معوقاً ونصحها الدكتور بالإجهاض بالإضافة إلى أن رأس الجنين كبير الحجم ؟

والجواب : الواجب عدم إسقاط الجنين وإحسان ظنها بالله وستكون العاقبة حميدة إن شاء الله .

لا يجوز للمرأة التي زنت إجهاض الجنين والواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه وعدم إفشاء الأمر ، والولد لاحق بالزوج لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " أخرجه البخاري .

مسألة : إلى من يُنسب ولد الزنا وهل يجوز أن يتزوجها ؟

والجواب : إذا كانا قد تابا جميعاً إلى الله سبحانه فلا حرج أن يتزوجها بعد وضع الحمل ، والحمل يُنسب إلى أمه ولا ينسب إليه لأنه ولد من سفاح لا من نكاح .

مسألة : شاب عقد زواجه على فتاة وقبل إشهار الزواج جامعها ؟

والجواب : ليس بحرام لكن تركه أولى حتى يدخل عليها ، وما دام عقد العقد واشتهر لا بأس لكن كونه يصبر حتى يدخل عليها هذا هو الذي ينبغي فيصبر حتى يتيسر الدخول ، فإن احتاج إلى زيارتها والاتصال بها بإذن أهلها لأمر واضح فلا حرج في ذلك إذا اجتمع بها وخلا بها بإذن أهلها فلا حرج في ذلك ، أما على وجه سري لا يُعرف فهذا فيه خطر فإنها قد تحمل منه ثم يظن بها السوء أو ينكر اتصاله بها فيكون فتنة وشر كبير ، فالواجب عليه أن يمتنع ويصبر حتى يتيسر الدخول والبناء بها .

وعلى من يعجز عن الزواج أن يتقي الله وأن يحذر شر النفس من الوقوع في الفواحش المحرمة وأن يستعين بالله على حفظ عفته وحفظ فرجه ، ومن ذلك الاستعانة بالصيام ، يصوم كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ، من استطاع الباءة وهو الزواج فليبادر بالزواج وليبادر أبوه وإخوانه على معاونته ، وهكذا غيرهم ، وإذا لم يستطع الزواج ولم يتيسر الزواج فليتق الله وليسأل ربه العون وليحذر من نزغات الشيطان في قضاء الوطر فيما حرَّم الله عز وجل وليستعن بالصوم فإن الصوم يعين كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام فيصوم ويجتهد في أسباب العفة والعافية من غض البصر عن النظر إلى النساء والعناية بأسباب حفظ الفرج ، والله يعينه ويوفقه ، وإذا صدق وأخلص يسر الله أمره ويسر له النكاح .

مسألة : أليس من حق الدولة أن تحدد الصداق إذا رأت الناس تجاوزوا الحد في الصداق أليس ذلك من السياسة الشرعية لصالح الناس لما ينتج عن غلاء المهور من مفاسد من الزنا والفساد وعدم تكاثر المسلمين ؟

والجواب : ليس لتحديد المهور أصل يُعتمد عليه من شرع الله ولم يرد في الشرع ما يقتضي تحديد المهور ، ولهذا فقد همت الدولة مرة بل غير مرة ولكن لم يتيسر ذلك فإنه ليس هناك أصل في الشرع لا في الكتاب ولا في السنة يُعتمد عليه في تحديد المهور بعشرة آلاف أو عشرين أو ثلاثين أو أقل أو أكثر ، ثم إن تحديدها قد لا يتم لها إذا حددت فقد يخالف الناس فماذا يُفعل بهم ؟ يُضربون على شيء ما حرَّمه الله ، ماذا يُفعل بهم ؟ يُسجنون ، المسألة فيها خطر ، فالتحديد فيه صعوبة لكن إذا تجمع أناس أو قبيلة فيما بينهم أو أهل قرية أو أهل مدينة فيما بينهم واصطلحوا فيما بينهم على شيء معين لا حرج إن شاء الله في ذلك ، أما أن الدولة بنفسها تفرض على الناس مهراً خاصاً لا يزاد فيه في جميع أجزاء المملكة فإن هذا فيه صعوبة وليس له أصل شرعي معروف يُعتمد عليه حتى تقوم الدولة به وحتى تعاقب من خالفه ، ولكن في النصائح والتوجيه وتعاون أهل الخير وأعيان الناس وعلمائهم وأمرائهم على التخفيف والتخفيض في ذلك خير كثير ، وأما انتشار الدنيا بين الناس وتوسع الناس بالدنيا فقد صار بعض الناس يقدم أموالًا جزيلة إذا رغب في بنت أحد ، وآخر لا يستطيع ذلك وجاء البلاء من هذه الحيثية .

فبعض الناس عندهم أموال كثيرة لا يبالون ، وبعض الناس لا يستطيع ، فالحاصل أن التحديد بمال معين فيه نظر ولا أعلم في الشرع المطهر ما يقتضي التحديد ، ولم يُعرف هذا لا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا من بعدهم .

وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت المهور قليلة ، ولم يكن النبي يوسع في ذلك ولا أصحابه في عهده ، ولكن بعد ذلك لما فاض المال في عهد عمر وفي عهد عثمان ، وبعد ذلك ارتفعت المهور وصار الرجل يمهر بمائة ألف وما يقاربها أو بزيادة ، وهذا واقع قديماً ، وهكذا اليوم لما انتشرت الدنيا وفاضت الدنيا على كثير من الناس توسعوا في المهور ، فالواجب على كل مسلم أن يعنى بالأمر وأن يجتهد في أسباب تحصيل ما يعفه وأن يسأل الله العون على ذلك ويسلك الطرق الممكنة التي أباحها الله عز وجل ، وكل داء له دواء ، فارتفاع المهور من الأدواء ولها دواء بالنصيحة والتوجيه وقيام الدولة بإعانة المحتاجين على الزواج بإعانتهم من مال الله ونرجو أن توفق لهذا الأمر حتى تعين المحاويج في كل عام بشيء كبير يعينهم على الزواج ويعينهم على إعفاف أنفسهم ، نسأل الله لها الإعانة والتوفيق وللمسلمين .

مسألة : ما رأي سماحتكم في زواج الطالب القادر ؟

والجواب : الذي أنصح به هو الزواج المبكر لأنه لا يؤثر على الدروس وقد كان السلف الصالح من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يدرسون ويتعلمون ويتزوجون ، فالزواج يعينه على الخير إذا كان عنده قدرة ، ولا يصده عن الدراسة ولا يعطله عن الدراسة بل يسبب غض بصره وطمأنينة نفسه وراحة ضميره وكفه عما حرَّم الله .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

29 - 1 - 1435هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر