ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الخامس: الإيمان بالله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 27 جمادى الآخرة 1436هـ | عدد الزيارات: 2374 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال:" بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ) رواه مسلم

انتهينا في الدرس الماضي عن الحديث عن الإسلام ونبدأ اليوم بالحديث عن الإيمان

وهذا حديث عظيم قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة منه لما تضمنه من جمعه علم السنة فهو كالأم للسنة كما سميت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معاني القرآن

قوله صلى الله عليه وسلم في تعريف الإيمان "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" هذه ستة أركان فالإسلام تحدثنا عنه وأركانه خمسة والإيمان أركانه ستة

فقوله "أن تؤمن بالله" الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء

الأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن، ومع ذلك لا يمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى الملاحدة وعلى رأسهم فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين كان مقراً بالله، قال له موسى: "لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ" (الإسراء 102)، لكنه جاحد،كما قال الله تعالى:" وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً " (النمل 14).

الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر

الثالث : الإيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو

الرابع : أن تؤمن بالأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولا تعطيل ولاتكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله مثل الأشاعرة قالوا في قوله تعالى "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه 5)أي استولى، مع أن معنى "استوى" لغة وشرعاً : علا وارتفع على العرش فالأِشاعرة حينما فسروا "استوى" بـ "استولى" لم يحققوا الإيمان بالله، لأنهم وغيرهم من من اتصف بصفتهم نفو صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات الصفات

ومن أنكر اليد الحقيقية لله سبحانه فإنه لم يحقق الإيمان بالله لأنه لو حقق الإيمان بالله لقال لله عز وجل يد حقيقية لكن لا تماثل أيدي المخلوقين كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ

لكنهم أنكروا الصفة الحقيقية لله وأولوا هذه الصفة بتأويل فاسد فقالت الجهمية من من ينكرون الصفات لله المراد باليد أي القدرة أو القوة وليس لله يد حقيقية وإذا أولوا الآيات فكيف بهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله ينزل في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ويبسط يداه ويقول هل من سائل فأعطيه ..." الحديث

كما أنكر المبتدعة في الأسماء والصفات صفة الكلام عند الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً

ومن مسائل التحريف عند المبتدعة في مسائل الأسماء والصفات تحريفهم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم "إن الله خلق آدم على صورته" فقالوا خلق الله آدم على صورة آدم والصحيح أن الله خلق آدم على صورة الله سبحانه لكن ليس كمثل الله شيء وإليك مثال يوضح المعنى، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أضواء كوكب في السماء" أخرجه البخاري مسلم

فمراد النبي صلى الله عليه وسلم أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أِشبه ذلك على صورة القمر لا من كل وجه

ولو قلنا مثل القمر من كل وجه لقلنا ليس لهم أعين ولا أفواه ونحن نثبت أن لله أًصابع خمسة انظر إلى شرحنا لكتاب التوحيد حيث ذكرنا حديثاً يفصل ذلك ودليل الأصابع لله قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أًصابع الرحمن" فقال المحرفون في نفيهم ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم المراد كمال السيطرة والتدبير

نقول لهم أأنتم أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، سبحان الله نفيتم الأًصابع لتوهمكم إن إثباتها يستلزم التمثيل فمثلتم حين قلتم كمال السيطرة وعطلتم النصوص حين نفيتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح مسلم فجمعتم بين التمثيل والتعطيل وتناسيتم قول الله "ليس كمثله شيء" (الشورى 11)ويحكى أن رجلاً من المشبهين قرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أًصابع الرحمن" فأمسك المسواك بين أصابعه وقال بيده بين أًصبعين من أصابع الرحمن" وفعله هذا لا يجوز لأن فيه تشبيه والله يقول "ليس كمثله شيء" ومن يفعل ذلك يستحق التأديب ومن احتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال " وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا "(النساء 134)، وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن في الحديث الذي أخرجه أبو داود

فنقول له لست رسولاً حتى تفعل هذا ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أَصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط لا التشبيه وآخر ممن لا يفقه قول الله تعالى "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة" (الزمر 67)، أشار بيده قابضاً لها على شيء نعوذ بالله من فعله وجرأته على التشبيه بما لا يفقه ولا يعلم وسبحان الله العقول تتفاوت في الإدراك والفهم ولذلك العوام دائماً يكررون أًصابعك ليست سوى

وأعظم من هذا المعطلون لصفات الله المحرفون لآيات الله الذين يقولون ما لا يعلمون والله يقول "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً"(الإسراء 36) فيقولون في قول الله تعالى "والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة" (الزمر 67)أي تحت تصرفه نعوذ بالله من هذا القول وهذا تأويل فاسد ونفي ماكر، أين الخوف من الله أين هم من قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى "وَفَاكِهَةً وَأَبًّا "(عبس31) فقال لا أرض تقلني ولا سماء تضلني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم

وهؤلاء يتعمدون الضلال والإضلال

ولذلك لما سئل الإمام مالك رجمه الله عن قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" (طه 5) كيف استوى، أطرق رأسه وجعل يتصبب عرقاً من ثقل ما ألقي عليه وتعظيمه الرب جل وعلا ثم رفع رأسه وقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل ما أراك إلا مبتدعاً تريد أن تفسد على الناس دينهم ثم أمر به فأخرج من المسجد أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

لأن هذا المقام مقام عظيم مع الحذر من التعمق في باب الأٍسماء والصفات وعدم السؤال فيما لا حاجة لك به

فما حدثتكم به اليوم هو الإيمان الذي هو في اللغة الإقرار والإعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع

فمن أقر بالله ولم يذعن لشرعه فلا ينفعه هذا الإقرار مثل اليهود والنصارى

ومثل من يقر بالله ولا يصلي فهو في عداد الكفار الذين قال الله فيهم: ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

وأٍستودعكم الله على أمل اللقاء بكم الأسبوع القادم الذي سوف استهله بالحديث عن الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون كما قال الله ذلك عنهم في كتابه مثنياً عليهم عليهم السلام

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيناً محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1436/6/27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر