الدرس الرابع والعشرون: الحديث 14 حرمة دم المسلم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 12 ربيع الأول 1437هـ | عدد الزيارات: 2461 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِيْ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للجمَاعَةِ) رواه البخاري ومسلم

وفي بعض الروايات المتفق عليها:" لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث".

أهميته:

هذا الحديث النبوي الشريف بيان إسلامي عظيم، وقاعدة تشريعية محكمة في صيانة حياة المسلم طالما كان هذا المسلم إنساناً سوياً، سليماً من كل خلق أو اضطراب يضر بأمن المجتمع وسلامة أفراده، أما إذا أصبحت حياة الفرد خطراً على حياة الجماعة، فأصابه المرض وانحرف عن الصحة الإنسانية والسلامة الفطرية، وأصبح جرثومة خبيثة، تفتك في جسم الأمة، وتفسد عليها دينها وأخلاقها وأعراضها، وتنشر فيها الشر والضلال، فقد سقط حقه في الحياة، وأهدر وجوده ووجب استئصاله، ليحيا المجتمع الإسلامي في أمن ورخاء، ويقول ابن حجر الهيتمي في أهميته: وهو من القواعد الخطيرة لتعلقه بأخطر الأشياء وهو الدماء، وبيان ما يحل منها، وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة، وهو كذلك عقلاً، لأنه مجبول على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم

شرح ألفاظ الحديث

قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم) أي لا تحل إراقته، والمراد: القتل،قال صلى الله عليه وسلم (إِنَّ دِمَاءَكَمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاَضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ) أخرجه البخاري ومسلم

قوله صلى الله عليه وسلم (امرِئٍ مُسْلِمٍ) التعبير بذلك لا يعني أن المرأة يحل دمها، ولكن التعبير بالمذكر في القرآن والسنة أكثر من التعبير بالمؤنث، لأن الرجال هم الذين تتوجه إليهم الخطابات وهم المعنيون بأنفسهم وبالنساء فإذا قرأت قول الله تعالى (يا أيها الذين ءامنوا) اعلم أن الخطاب للرجال والنساء فهو نداء للطرفين، وإذا سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول (أيها الناس) اعلم أن المخاطب الرجال والنساء.

وقوله صلى الله عليه وسلم (مسلم) أي دخل في الإسلام

قوله صلى الله عليه وسلم (إلا بإحدى ثلاث) يحق قتل المسلم بسبب فعله خصلة من ثلاث خصال

قوله صلى الله عليه وسلم (الثيب الزاني) الثيب من ليس ببكر، يطلق على الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب، وامرأة ثيب، وهو اسم فاعل من ثاب إذا رجع، وإطلاقه على المرأة أكثر، لأنها بصدد الرجوع والعودة إلى أهلها، والزاني: اسم فاعل من الزنا، وهو في اللغة الفجور، وشرعاً: وطء الرجل المرأة الحية في قبلها من غير نكاح صحيح فالثيب الزاني يحل دمه فالثيب هو الذي جامع في نكاح صحيح، فإذا زنا بعد أن أنعم الله عليه بنعمة النكاح الصحيح صار مستحقاً للقتل، أما البكر وهو الذي لم يجامع في نكاح صحيح فلا يحل دمه بل يجلد مئة جلدة ويسجن لمدة سنة والسجن يقوم مقام التغريب

قوله صلى الله عليه وسلم (والنفس بالنفس) المقصود به القصاص أي أنه إذا قتل إنسان إنساناً عمداً قتل به وذلك بأمر ولي الأمر الذي يقوم مقامه القاضي وينفذ الأمر الشرطة ولا شك أن القاضي لا يأمر إلا بعد اكتمال شروطه دراً للفوضى الاجتماعية

قوله صلى الله عليه وسلم (والتارك لدينه) المراد بالدين الإٍسلام أي المرتد بأي نوع من أنواع الردة وهذه هي عقوبة المارق من دينه وهو الخروج

قوله صلى الله عليه وسلم (المفارق للجماعة) هذا عطف بيان يعني أن التارك لدينه مفارق لجماعة المسلمين خارج عنها

فقه الحديث:

أولاً: حرمة دم المسلم: لقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم) وهذا أمر مجمع عليه دل عليه الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالد فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) فقتل المسلم المعصوم الدم من أعظم الذنوب، ولهذا أول ما يقضى بين الناس في الدماء أما أول ما يحاسب عليه المسلم الصلاة فهذا في الخاص وذاك في العام

ثانياً: أن غير المسلم يحلّ دمه ما لم يكن معَاهَداً، أومستأمِناً، أو ذميّاً، فإن كان كذلك فدمه معصوم، والمعاهد من كان بيننا وبينه عهد كما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش في الحديبية

والمستأمن: الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا لبيع تجارته أو شراء أو عمل، فهذا محترم معصوم حتى وإن كان من قوم أعداء ومحاربين لنا، لأنه أعطي أماناً خاصاً

والذّميّ: وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذبّ عنه، وهذا هو الذي يعطي الجزية بدلاً عن حمايته وبقائه في بلادنا

ثالثاً: أن الثيب الزاني يقتل، برجمه بالحجارة، وصفته: أن يوقف ويرميه الناس بحجارة لا كبيرة ولا صغيرة، لأن الكبيرة تقتله فوراً فيفوت المقصود من الرّجم وهو أن يعذب مقابل تمتعه بفعل الزنا بل تكون وسطاً فالثيب الزاني يرجم بالحجارة حتى يموت، سواء كان رجلاً أم امرأة، وإن خيف من هروبه أثناء الرجم فنحفر له حفرة ويدفن جزء من جسمه لمنعه من الهروب والمرأة تشد عليها ثيابها حتى لا تتكشف عند الرجال

والرجم لا يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) أخرجه مسلم لأن المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة لقول الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً) فرجم الزاني من القتلة الحسنة، لموافقة الشريعة لأن حكمة الشريعة من ذلك أن شهوة الجماع لا تختص بعضو معين، بل تشمل كل البدن، فلما تلذذ بدن الزاني المحصن بهذه اللذة المحرّمة كان من المناسب أن يذوق البدن كلّه ألم هذه العقوبة التي هي الحد.

ويثبت الزنا بشهادة أربعة رجال مرضيين أنهم رأوا ذكر الزاني في فرج المزني بها ولا بد، والشهادة على هذا الوجه صعبة جداً، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لم يثبت الزنا بالشهادة قطّ.

والطريق الثاني لثبوت الزنا أن يقرّ الزاني بأنه زنا ويكفي الإقرار مرة واحدة إلا إذا كان هناك شبهة

واللواط أخبث من الزنا، ولا يشترط أن يكون اللائط أو الملوط به ثيباً، وإنما يشترط أن يكونا بالغين عاقلين، ويقام عليهما حد القتل قال شيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجمع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به، وقد ورد فيه حديث (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ به) أخرجه أحمد، قال شيخ الإسلام لكن الصحابة اختلفوا كيف يقتل الفاعل والمفعول به

الثاني ممن يباح دمه (النَّفْسُ بالنَّفسِ) أي إذا قتل الإنسان شخصاً مكافئاً له في الدين والحرية والرّق قتل به ( ولا يقتل مسلم بكافر) أخرجه البخاري، لأن المسلم أعلى من الكافر، ويقتل الكافر بالمسلم لأنه دونه.
والوالد يقتل إذا قتل ولده سواء الذكر كالأب أو الأنثى كالأم وحديث (لا يقتل الوالد بولده) حديث ضعيف

الثالث ممن يباح دمه قوله صلى الله عليه وسلم (والتارك لدينه) أي المرتد.

وقوله صلى الله عليه وسلم (المفارق للجماعة) أي جماعة المسلمين والصحيح في استتابة المرتد أنها ترجع إلى الحاكم فإن رأى من المصلحة استتابته استتابه وإلا فلا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) وتقبل توبة التائب ومن سب الله وتاب تقبل توبته لأن حقوق الله بالمسامحة وحقوق الناس بالمشاحة ومن سب الرسول وتاب تقبل توبته ونقتله لأننا لا ندري أيسامحه الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا أما نحن نقبل توبته فنغسله ونكفنه ونصلي عليه ونقبره في مقابر المسلمين
رابعاً: تارك الصلاة يقتل مرتداً

خامساً: الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم الشذوذ عنهم

سادساً: التنفير من هذه الجرائم الثلاث والتحذير من الوقوع فيها

سابعاً: تربية المجتمع على الخوف من الله ومراقبته في السر والعلن

ثامناً: الحدود في الإسلام رادعة ويقصد منها الوقاية والحماية

تاسعاً: يقتل القاتل بمثل ما قتل به ولولي الأمر أن يعدل إلى السيف

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1437/3/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر