الدرس السادس: الإيمان بالملائكة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 رجب 1436هـ | عدد الزيارات: 2885 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال:" بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ) رواه مسلم

توقفنا في الدرس الماضي عند الإيمان بالملائكة

والإيمان بالملائكة هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ "(التحريم 6) وبدأ المصطفى صلى الله عليه وسلم بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي أما الرسل والكتب فعالم محسوس والملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله عز وجل وقد خلق الله الملائكة من نور كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب الزهد وهم لا يحتاجون إلى أكل وشرب إذ لا أجواف لهم فنؤمن أن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة وهم أصناف ووظائفهم أيضاً حسب حكمة الله عز وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف وأفضلهم جبريل فهو أمين الوحي

والإيمان بالملائكة يتضمن: أولاً- الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم مثل أن نؤمن بأن هناك ملكاً اسمه جبريل وملكاً اسمه مالك وملكاً اسمه هاروت وآخر اسمه ماروت وملكاً اسمه منكر وأخر نكير وهاروت وماروت ملكان عظيمان ذكرهما الله في سورة البقرة آية 101 "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت " أثنت اللجنة عليهما في رد على من سأل عنهما

ومنكر ونكير موكلان بسؤال الميت عن دينه وربه ونبيه كما دلت على ذلك الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم

ومالك خازن جهنم

وعلينا أيضاً أن نؤمن بما لهم من أعمال مثلاً

جبريل موكل بالوحي ينزل به من عند الله إلى رسله وأيضاً يبلغ الملائكة بأوامر الله لتنفيذها

وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر والنبات أي نبات الأرض

وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور

وهؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما يستفتح صلاة الليل فيقول "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل" في الحديث الذي أخرجه مسلم

والحكمة من هذا أن كل واحد منهم موكل بحياة فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عز وجل "وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية التي لا موت بعدها البتة

والمناسبة ظاهرة لأنك إذا قمت من النوم فقد بعثت من موت كما قال تعالى "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ " (الأنعام 60)" ، وقال عز وجل " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى" سورة الزمر آية42

وفي هذه المناسبة نتذكر بعث أهل الكهف بعد نوم استغرق مئة سنة وتسع "ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً" آية 25 من سورة الكهف

وبعث عزير بعد نوم استغرق مئة سنة "فأماته الله مئة عام ثم بعثه" آية 258 سورة البقرة

وللفائدة النوم موتة صغرى كما قال ذلك ابن تيمية وابن القيم واللجنة الدائمة

وكذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة فمثلاً هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد قال الله عز وجل "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" ( ق آية 16- 18)، فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم وقال عز وجل أيضاً في آية آخر " كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين" يكتبون كل قول يقوله الإنسان وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه ووجه كون هذا هو الظاهر أن قوله عز وجل "من قول" نكرة في سياق النفي مؤكدة بـ (من) فتفيد العموم لكن ما ليس له ولا عليه لا يحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير كثير

وذكر أن رجلاً دخل على الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقيه المحدثين ومحدث الفقهاء وإمام أهل السنة دخل عليه وهو يئن من الوجع فقال له يا أبا عبد الله تئن وقد قال طاووس إن الملك يكتب حتى أنين المريض فأمسك الإمام أحمد رحمه الله عن الأنين وهذا من تعظيم آثار السلف

ومن الملائكة من هم موكلون بالسياحة في الأرض يلتمسون حلق الذكر والعلم فإذا وجدوها جلسوا

ومنهم ملائكة موكلون بحفظ بني آدم

ومنهم ملائكة موكلون بقبض أرواح بني آدم

ومنهم ملائكة موكلون بتلقي المؤمنين يوم القيامة "وتتلاقهم الملائكة" الأنبياء آية 103

ومنهم ملائكة موكلون بتحية أهل الجنة كما قال تعالى في كتابه "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم" الرعد آية 23-24

ومنهم ملائكة يعبدون الله عز وجل ليلاً ونهاراً كما قال سبحانه "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" الآنبياء آية 20، قال النبي صلى الله عليه وسلم "أطت السماء وحق لها أن تئط" والأطيط هو صرير الرجل على البعير إذا كان الحمل ثقيلاً فيقول صلى الله عليه وسلم "أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع منها إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه

والبيت المعمور فوق الكعبة في السماء السابعة يطوف به كل يوم سبعين ألف من الملائكة ثم يذهبون ولا يرجعون ويأتي آخرون وهكذا وهذا دليل على كثرتهم فلا يعلم عدد الملائكة إلا الله فلا محصي لهم غيره سبحانه

وهنا مسألة: هل الملائكة أجسام أم أرواح ؟

الجواب: الملائكة أجسام وأرواح ودليل ذلك قول الله عز وجل "جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى" فاطر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد" وأشرنا إلى ذلك آنفاً

ويدل على هذا أيضاً حديث جبريل عليه السلام أن له ستمئة جناح قد سد الأفق ومن قال أن الملائكة أرواح بلا أجسام قول منكر وهم يتشكلون فكان جبريل يأتي محمد صلى الله عليه وسلم على صورة رجل وهو دحية بن خليفة الكلبي وقد ذكر العلماء أنه من أحسن الصحابة رضي الله عنهم وجهاً

وللفائدة: روى النسائي بإسناد صحيح عن يحيى بن معمر عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان جبريل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وروى النسائي أيضاً بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن جبريل عليه السلام كان يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه

قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة دحية الكلبي في كتابه "الإصابة في تميز الصحابة" كان يضرب به المثل في حسن الصورة وكان جبريل عليه السلام ينزل على صورته جاء ذلك في حديث أم سلمة رضي الله عنها

وعن سيرة دحية الكلبي اسلم دحية بن خليفة قديماً ولم يشهد بدراً وقد تزوج درة بنت أبي لهب بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم

ومقارنة بين الملائكة وبين بني آدم فهم على العموم أفضل من بني آدم لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وعموم بني آدم يعصون الله ومنهم الكافر وصاحب الكبيرة وعلى الخصوص فصالحي المؤمنين مثل الأنبياء والرسل أفضل منهم لأنهم مع طاعتهم لربهم يتحملون أذية الناس وينشرون دين الله في الأرض فهم السبب بعد الله في هداية البشرية

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيناً محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1436/7/2هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر