الدرس السادس والثلاثون: الحديث 26 فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 19 جمادى الأولى 1437هـ | عدد الزيارات: 1986 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُه عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ" رواه البخاري ومسلم

ترجمة الراوي

أبو هريرة صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أجمع أهل الحديث أن أبا هريرة أكثر الصحابة روايةً وحفظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم 5374 حديثاً

اسمه في الجاهلية عبد شمس، ولما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن

قال هشام بن الكلبي عن اسم أبيه: هو عمير بن عامر بن ذي الشرى بن طريف بن عيان بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد أ.هـ

وأمه: أُميمة ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس

كان إسلامه على يد الطفيل بن عمرو الدوسي في عام فتح خيبر في السنة السابعة للهجرة وهو وحده الذي أجاب دعوة الطفيل للإسلام بعد أبي الطفيل وزوجته عندما دعا الطفيل قبيلته للإسلام

ولد عام 19 قبل الهجرة باليمن وترعرع بها وتوفي في عام 57 من الهجرة ودفن بالبقيع بالمدينة النبوية وكانت وفاته في قصره بالعقيق فحُمل إلى المدينة فكان ولد عثمان بن عفان يحملون سريره حتى بلغوا به البقيع حفظاً بما كان من رأيه في أبيهم وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان يومئذ أميراً على المدينة وكان مروان معزولاً وإنما صلى عليه الوليد تكريماً له تقدم للصلاة عليه بعد أن صلى بالناس فريضة العصر وفي القوم ابن عمر وأبو سعيد الخدري وأضرابهما وكتب الوليد إلى عمه معاوية ينعى إليه أبا هريرة فكتب إليه معاوية انظر من ترك وادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم وافعل إليهم معروفاً فإنه ممن نصر عثمان وكان معه في الدار

أهمية الحديث

مِن أعظم أهداف الإسلام وغاياتِه جمعُ قلوب المسلمين وائتلافها، وإقامة كلمة الحق بينهم، وتقويةُ شوكتِهم، وظهورهم على عدوِ الله وعدوهم، وهذه الأهداف والغايات لا تتحقق إلا بالتناصر والتعاون والتكافل، وهذا الحديث النبوي الشريف يدعو إليه بالقول والعمل، وتلتقي أحكامُه مع قول الله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وقولِ النبي صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ سُلامَى) أي كل مفصل لما رواه مسلم: خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل ففي كل مفصل صدقة

قوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ) أي كل مفصل عليه صدقة فعلى الإنسان ثلاثمائة وستون صدقة عن كل مفصل من مفاصله الثلاثمائة والستون

قوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمسُ) أي كل يوم يصبح على كل مفصل من مفاصلنا صدقة، أي ثلاثمائة وستون في اليوم، وفي الشهر عشرة آلاف وثمانمائة صدقة وفي ستة أشهر ست وأربعون ألف وثمانمائة صدقة، لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات، فكل القربات صدقات فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه

ثم قوله صلى الله عليه وسلم (تَعْدِلُ بَينَ اثنَيْنِ صَدَقَة) أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم، والأولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما، فإن تبين أن الحكم لأحدهما حرم الصلح، وهذا قد يفعله بعض القضاة هداهم الله، يحاول أن يصلح مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه، وهذا محرم لأنه بالإصلاح لابد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه وبين حقه

فالعدل بين اثنين بالصلح أو بالحكم يكون صدقة، لكن إن علم أن الحق لأحدهما فلا يُصلح، بل يحكم بالحق

قوله صلى الله عليه وسلم (وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ) أي بعيره أو السفينة أو الطائرة أو السيارة (فتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا) إذا كان لا يستطيع أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة (أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ) متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام وشراب وغيرهما

قوله صلى الله عليه وسلم (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق الله كالتسبيح والتكبير والتهليل، أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة

قوله صلى الله عليه وسلم (وَبِكُلِّ خُطوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَة) وأيضاً إذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة. رواه البخاري
فيكتسب رفع الدرجة، وحطّ الخطيئة ولا يقارب الإنسان خطواته إذا ذهب إلى المسجد ليزيد من عدد الخطى لعدم مشروعية ذلك فأمور العبادة توقيفية ولا مجال للاجتهاد في أمر لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم

قوله صلى الله عليه وسلم (وَتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ) أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي المارة من حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة

من فوائد الحديث

أولاً: وجوب الصدقة على كل إنسان في كل يوم تطلع فيه الشمس عن كل مفصل من مفاصله الثلاثمائة والستون مفصل، لقوله صلى الله عليه وسلم (عَلَيهِ صَدَقَة) والأمر للوجوب، فهذه المفاصل الثلاثمائة والستون إذا أصبحتَ وهي سليمة فتلك نعمة من الله عليك تستحق الشكر بالصدقة ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى في الحديث الذي أخرجه مسلم، لذا تسن المداومة على ركعتي الضحى وأقلها ركعتان ولا حد لأكثرها ووقتها بعد طلوع الشمس بنحو ثلث ساعة إلى قبيل الزوال بعشر دقائق وأفضل ذلك حين ترمض الفصال

ثانياً: فضيلة العدل بين الاثنين، وقد حث الله على الصلح فقال (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) فالصلح خير، والعدل بين الخصمين واجب

ثالثاً: الحث على معونة الرجل أخاه، لأن معونته إياه صدقة، سواء في فيما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حمله على دابته أو في غير ذلك مثل إنسان وجدته على الطريق فحملته معك في سيارتك أو ساعدته في إصلاح سيارته وهذا للاستحباب لكن لو وجدته في مهلكة فيجب عليك حمله إذا أمنت منه أن يغتالك أو يجبرك على تغيير مسارك إلى مسار آخر بالقوة عند ذلك لا يلزمك لقوله صلى الله عليه وسلم: لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ

رابعاً: الحث على الكلمة الطيبة لقوله صلى الله عليه وسلم (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ) ولا أطيب من كلام الله عزّ وجل القرآن، فكل كلمة في القرآن صدقة، وتشمل الكلمة الطيبة تشميت العاطس والبدء بالسلام ورده وتشمل الذكر والثناء على المسلم بحق والشفاعة له والنصح والإرشاد وكل ما يسر السامع ويجمع القلوب ويؤلفها

فالقاعدة: كل كلمة طيبة فهي صدقة

خامساً: أن إزالة الأذى عن الطريق صدقة، وبقياس العكس نقول: وضع الأذى في الطريق من حجر أو شوك أو قذر جريمة وأذية

سادساً: أن كل ما يقرب إلى الله عزّ وجل من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمثلة على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم (خير الناس أنفعهم للناس) وقوله أيضاً (من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه) فكن يا أخي رجل إصلاح لا حجر عثرة

وبالله التوفيق

1437/5/18 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر