ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس السابع عشر: الدين النصيحة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 1 ذو الحجة 1436هـ | عدد الزيارات: 2414 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

"عن أبي رُقَيَّةَ تميمِ بنِ أوْسٍ الدَّاريِّ رضي اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: الدِّينُ النصيحةُ. قلنا: لِمنْ؟ قال:لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّتهم" رواه مسلم

راوي الحديث

تميم بن أوس الداري صحابي جليل يكنى بأبي رقية وهي كنية بأنثى لاسيما إذا اشتهر وقد تكون بغير إنسان كأبي هريرة مثلاً فأبو هريرة رضي الله عنه اشتهر بهذه الكنية من أجل أنه كان معه هرة ألفها وألفته فكني أبا هريرة وتميم الداري رضي الله عنه لم يرو حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وأما في صحيح مسلم هذا الحديث فقط فمجموع مرويات أبو رقية 18 حديثاً منها هذا الحديث والباقي في غير الصحيحين، وهذا الحديث رواه مسلم في كتاب الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة

أهمية الحديث:

هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهو عبارة عن كلمات موجزة اشتملت على معانٍ كثيرة وفوائد جليلة، حتى إننا نجد سائر السنن وأحكام الشريعة داخلة تحت كلمة ولكتابه لأن كتاب الله اشتمل على أمور الدين جميعاً عملاً واعتقاداً؛ فإذا آمن به وعمل بما تضمنه على ما ينبغي في النصح له، فقد جمع الشريعة بأسرها، قال تعالى {ما فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام 38]ولذا قال بعض العلماء هذا الحديث عليه مدار الإسلام.

لغة الحديث

الدين النصيحة: الدين مبتدأ والنصيحة خبر وكل من المبتدأ والخبر معرفة وعلماء البلاغة يقولون إذا كان المبتدأ والخبر معرفة كان ذلك من طرق الحصر

وإذا طرفا الجملة معرفتين كان ذلك من باب الحصر

الشرح

قوله صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة) يعني بذلك دين العمل، لأن الدين ينقسم إلى قسمين: دين عمل ودين جزاء. فقوله تعالى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) المراد به: دين الجزاء، وقوله تعالى:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة 3]، المراد به: دين العمل، فالدين المراد هنا الملة، وهي دين الإسلام؛ أي عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه النسائي(الحج عرفة) أي عماده ومعظمه.والنصيحة بمعنى إخلاص الشيء، وأبهم النبي صلى الله عليه وسلم لمن تكون النصيحة من أجل أن يستفهم الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك، لأن وقوع الشيء مجملاً ثم مفصلاً من أسباب رسوخ العلم، لأنه إذا أتى مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل، فيأتي البيان والنفس متطلعة إلى ذلك متشوقة له، فيرسخ في الذهن أكثر مما لوجاء البيان من أول مرة

والنصيحة لله تعالى معناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها وتنزيهه عن جميع النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به والاعتراف بنعمته والشكر عليها والإخلاص في جميع الأمور، وما ذكرته آنفاً يتضمن أمرين

الأول: إخلاص العبادة له
الثاني: الشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته

والنصيحة لكتابه تتضمن أموراً منها:

الأول: الذبّ عنه، بأن يذب الإنسان عنه تحريف المبطلين، ويبيّن بطلان تحريف من حرّف

الثاني: تصديق خبره تصديقاً جازماً لا مرية فيه، فلو كذب خبراً من أخبار الكتاب لم يكن ناصحاً، ومن شك فيه وتردد لم يكن ناصحاً

الثالث: امتثال أوامره فما ورد في كتاب الله واجتناب نواهيه

الرابع: أن تؤمن بأن ما تضمنه من الأحكام هو خير الأحكام، وأنه لا حكم أحسن من أحكام القرآن

الخامس: أن تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله عزّ وجل حروفه ومعناه، تكلم به حقيقة، وتلقاه جبريل من الله عزّ وجل ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين

السادس: بقراءته وحفظه؛ لأن في قراءته اكتساب العلم و المعرفة وطهارة النفس وصفاء الضمير وزيادة التقوى واكتساب الحسنات وشفاعة القرآن له لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم (اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) وأما حفظ كتاب الله في الصدور؛ ففيه إعمار القلوب بنور كتاب الله، وقدرٌ عظيم وشرف يناله المسلم فيصبح شامة بين الناس في الدنيا، ودرجة عالية يرتقي إليها بمقدار ما حفظ من آيات الكتاب روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها

السابع: بترتيله وتحسين الصوت بقراءته روى مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن" مما يجعل القرآن أوقع في النفس

الثامن: بتعليمه للأجيال المسلمة روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" سواء بنفسك أو تكليف غيرك ولو بالمشاركة

التاسع: بالتفقه والعمل لا أن يقرأ بدون محاولة فهم ولا تطبيق

والنصيحة لرسوله تكون بأمور منها

الأول: تجريد المتابعة له، وأن لا تتبع غيره، لقول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً

الثاني: الإيمان بأنه رسول الله حقاً، لم يَكذِب، ولم يُكذَب

الثالث: أن تمتثل أمره وتجتنب نهيه وتذبّ عن شريعته

الرابع: أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله فهو كما جاء عن الله تعالى في لزوم العمل به، لأن ما ثبت في السنة فهو كالذي جاء في القرآن. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء 59]وقال تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)}[النساء 80] وقال تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر 7]

الخامس: نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حياً فمعه وإلى جانبه، وإن كان ميتاً فنصرة سنته صلى الله عليه وسلم بقراءة سيرته والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه والتزام سنته بالقول والعمل وأخذ العبر والعظات من سيرته والإسهام في نشر سنته بين الناس وأن ينفوا عنها تهم الأعداء والمغرضين ودعاوى المبطلين وبدع المغالين من صوفية وغيرهم

والنصيحة لأئمة المسلمين

وأئمة المسلمين صنفان من الناس

الأول: العلماء، والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة، وهؤلاء هم أولوا الأمر حقيقة، لأن هؤلاء يباشرون العامة، ويباشرون الأمراء، ويبينون دين الله ويدعون إليه

الصنف الثاني من أئمة المسلمين: الأمراء المنفذون لشريعة الله، ولهذا نقول العلماء مبينون، والأمراء منفذون يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عزّ وجل في أنفسهم وفي عباد الله ويجب أن يكونوا من المسلمين حتى تجب طاعتهم قال تعالى {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء 59]ثم إنا نقول ما ميزان الكفر فقد يرى البعض هذا كفر والبعض لا يراه كفراً ولهذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله " كُفْرًا بَواحًا..." (صحيح البخاري) ليس فيه احتمال كما لو رأيته يسجد لصنم أو سمعته يسب الله أو رسوله أو تكفير العلماء له كما كفرت هيئة كبار العلماء فلان وفلان أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مثل أحد أركان الإسلام أو أنكر القرآن أو السنة.

والنصيحة للعلماء تكون بأمور منها:

الأول: محبتهم، لأنك إذا لم تحب أحداً فإنك لن تتأسّى به

الثاني: معونتهم ومساعدتهم في بيان الحق، فتنشر كتبهم بالوسائل الإعلامية المتنوعة التي تختلف في كل زمان ومكان

الثالث: الذبّ عن أعراضهم، وإذا نسب إلى أحد من العلماء الربانيين شيء يُستنكر فعليك أن تتثبت من صحة ما قيل عنه ثم تتثبت أنه غير حق ثم تتصل به بأدب ووقار وتطلب منه أن يبين لك وجه ذلك لا ما يفعله بعض الجهال يأتون إليه بعنف وشدة

الرابع: إذا رأيت من العالم خطأ فلا تسكت وتقول هذا أعلم مني بل تناقش بأدب واحترام فربما كان الصواب معك

الخامس: أن تدلهم على خير ما يكون في دعوة الناس مثل التقليل من كثرة المواعظ لأن عبد الله بن مسعود كان لا يحدث الناس إلا يوم الخميس فلما قالوا له يا أبا عبد الله هلا زدتنا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة حتى لا نمل.والإنسان يجب أن يكون مع الناس كالراعي يختار ما هو أنفع وأجدى

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه أجمعين

1436/30/12 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر