ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس الثامن الأربعون: الحديث 38 وسائل القرب من الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 14 شعبان 1437هـ | عدد الزيارات: 2464 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :إنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ " رواه البخاري

أهمية الحديث

إن الله تعالى يتولى أولياءه بالحب والرعاية، ويغار عليهم أن يصل أحد إليهم بسوء، وهذا الحديث الشريف يبين من هم أولياء الله وأحباؤه في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قيل عنه: إنه أشرف حديث في ذكر الأولياء. وقال الشوكاني: حديث (من عادى لي ولياً) قد اشتمل على فوائد كثيرة النفع جليلة القدر لمن فهمها، وتدبرها كما ينبغي

وقال الطوخي: هذا الحديث أصل في السلوك إلى الله تعالى، والوصول إلى معرفته ومحبته، وطريقة أداء المفروضات الباطنة وهي الإيمان، والظاهرة وهي الإسلام، والمركب منهما وهو الإحسان، كما تضمنه حديث جبريل عليه السلام والإحسان يتضمن مقامات السالكين من الزهد والإخلاص والمراقبة وغيرها

الشرح

هذا حديث قدسيّ وهو كلام الله عزّ وجل بالمعنى ولفظه من الرسول صلى الله عليه سلم
قوله: (مَنْ عَادَى لِي وَليَّاً) أي اتخذه عدواً له، فالولي فعيل بمعنى فاعل؛ قال في الصحاح، ضد العدو، والولاية ضد العداوة وأصل الولاية المحبة والتقرب، وأصل العداوة البغض والبعد، وقال ابن حجر في فتح الباري المراد بولي الله: العالم بالله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته قال الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً أخذه من الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس: 63

قوله : (فَقَدْ) هذا جواب الشرط

قوله : (آذَنْتُهُ ِبالحَرْبِ) أي أعلنت عليه الحرب، وذلك لمعاداته أولياء الله، والمعاداة من أجل ولاية الله أما إذا كانت لأحوال تقتضي نزاعاً بين وليين لله محاكمة أو خصومة راجعة إلى استخراج حق غامض فلا يدخل في هذا الحديث

قوله: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ) جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل، والنوافل ما زاد على الفرائض من العبادات والنوافل جمع نافلة

قوله : (وَلاَ يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) (لايزال) هذا من أفعال الاستمرار، أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عزّ وجل، و (حتى) هذه للغاية، فيكون من أحباب الله، فمداومة العبد التقرب بالنوافل يفضي ذلك به إلى أن يحبه الله عز وجل
قوله: (فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بها) المعنى: أن يوفق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش فيسدده في هذه الجوارح
قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأَعْطيَنَّهُ) قسم من الله مقروناً باللام (ولئن) وجواب القسم (لأعطينه) والشرط (سألني) أقسم الله إن سأل أن يعطيه

قوله تعالى (وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي) استعاذ: أي طلب العوذ والحفظ مما يخاف منه وهو المرهوب

قوله تعالى (لأُعِيْذَنَّهُ) لأحفظنه مما يخاف

فوائد الحديث

أولاً: أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لقوله تعالى (فَقَدْ آذَنتُهُ بِالحَرْبِ) فهذه عقوبة خاصة على عمل خاص، فيكون هذا العمل من كبائر الذنوب

ثانياً: إثبات أولياء الله عزّ وجل، ولا يمكن إنكار هذا لأنه ثابت في القرآن والسنة

ثالثاً: الولاية بينها الله عزّ وجل بقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً

رابعاً: أولياء الله تعالى هم خلص عباده القائمون بطاعاته المخلصون له، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بصفتين هما الإيمان والتقوى، فقال تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) يونس: 62-63

خامساً: أفضل أولياء الله تعالى الأنبياء والرسل، وأفضل الأولياء من الأنبياء والرسل أولي العزم وهم نوح وإبراهيم وموسى عيسى ومحمد، وأفضل أولي العزم محمد صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأولياء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدين أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم، لقوله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ما وقع (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفة) أخرجه البخاري ومسلم

سادساً: ولاية الله عزّ وجل نوعان: عامة وخاصة

فالعامة: ولايته على الخلق كلهم تدبيراً وقياماً بشؤونهم، وهذا عام لكل أحد، لمؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم، لقوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) الأنعام: 61-62

والولاية الخاصة: هي ولاية الله عزّ وجل للمتقين، قال الله تعالى (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة: 257

سابعاً: إثبات الحرابة لله عزّ وجل، لقوله: (آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) وقد ذكر الله تعالى ذلك في الربا أيضاً فقال (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة: 279

ثامناً: إثبات محبة الله وأنها تتفاضل، لقوله تعالى (وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ) فالله يحب أداء الفرائض أكثر من محبته للنوافل

تاسعاً: الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر بهذا إذا قام بعبادة الله على الوجه الأكمل

عاشراً: أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة، لقوله : وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ

الحادية عشرة: تتفاضل الأعمال من حيث الجنس ومن حيث النوع، فمن حيث الجنس: الفرائض أحب إلى الله من النوافل، ومن حيث النوع: الصلاة أحب إلى الله مما دونها من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الأعمال أحب إلى الله، قال: الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا) أخرجه البخاري ومسلم

الثانية عشرة: الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى: وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ

الثالثة عشرة: كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن (حتى) في قوله (حتى أحبه) للغاية، فأكثر من النوافل وأبشر بمحبة الله

الرابعة عشرة: الجزاء والمثوبة على الأعمال إذا كانت خالصة صواباً بعيدة عن شرك الرافضة وكفر المغالين من الصوفية وغيرهما من أصحاب البدع والأهواء

الخامسة عشرة: أن الله تعالى إذا أحب عبداً سدده في سمعه وبصره ويده ورجله، وهذا التسديد يتجلى في ألا يسمع إلا ما يرضي الله، وإذا سمع انتفع، وكذلك لا يطلق بصره إلا فيما يرضي الله وإذا أبصر انتفع، كذلك في يده لا يبطش بيده إلا فيما يرضي الله، وإذا بطش فيما يرضي الله انتفع، وكذلك لا يمشي إلا في رضى الله وإذا مشي انتفع، لقوله تعالى في الحديث القدسي (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ) قال ابن رجب: والمراد من هذا الكلام أن من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قربه إليه ورقاه إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته وعظمته، وخوفه ومهابته، والأنس به والشوق إليه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نطق نطق بالله وإن سمع سمع به وإن نظر نظر به وإن بطش بطش به، وقد ذهب الشوكاني إلى أن المراد: إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية والله هو نور السموات والأرض وثبت في الصحيح من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً) فكل هذه الأقوال بمعنى واحد وهو السداد

السادسة عشرة: أن الله تعالى إذا أحب عبداً أجاب مسألته وأعطاه ما يسأل وأعاذه مما يكره، فيحصل له المطلوب ويزول عنه المرهوب، يحصل له المطلوب في قوله (وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ) ويزول المرهوب في قوله (وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنَي لأُعِيذَنَّهُ) وهذا مقيد بأن لا يدعو بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلم لإنسان لأن النصوص يقيد بعضها بعضاً

السابعة عشرة: كرامة الأولياء على الله تعالى فمن يعاديهم فقد أعلن الله عليه الحرب كما أعلنها على المرابي في موضع آخر

الثامنة عشرة: مشروعية التواضع

استدل البخاري بهذا الحديث على التواضع، فذكره في باب التواضع؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع وكذلك موالاة أولياء الله تعالى وعدم معاداتهم لا تتأتى إلا بغاية التواضع والتذلل لله تعالى وقد روى مسلم من حديث عياض بن حمّار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

8/14 1437 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر