الدرس التاسع والخمسون : الربا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2351 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الربا معناه في اللغة الزيادة ، وشرعاً قسمان ربا فضل ، وربا نسأ ، فربا الفضل هو بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم من جنسه مع زيادة في أحد العوضين ، وبيع موزون بموزون من جنسه ، مع زيادة أحد العوضين ، كذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، مع زيادة أحد العوضين ، وبيع النسأ بيع مكيل مطعوم بمكيل مطعوم ، مع عدم التقابض في مجلس العقد ، سواء اتحد جنس العوضين أو اختلف ، وبيع موزون بموزون من ذهب أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الورق النقدي مع عدم القبض في مجلس العقد ، سواء اتفق الجنس أو اختلف .

الأشياء التي يحرم فيها الربا هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا وهي في النقدين الثمنية وفي بقية الأصناف الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء ، لما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مِثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء " ، فالصحيح أنه تجب المماثلة والتقابض في بيع الأموال الربوية بعضها ببعض إذا اتحد الجنس ، أما إذا اختلف الجنس فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً ، لكن يجب التقابض في مجلس العقد إلا إذا كان أحد العوضين ذهباً أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية ، والآخر من غيرهما فيجوز تأجيل أحد العوضين كما في السلم وبيوع الآجال ، وعلى هذا تكون زيادة أحد العوضين عن الآخر من ربا الفضل إذا اتحد جنس المال الربوي .

مذهب جمهور العلماء أن ما لا كيل فيه ولا وزن كالثياب والحيوان ونحوهما يجوز بيعه بجنسه أو بغيره متساوياً أو متفاضلاً مع نسيئة أي تأجيل أحد العوضين أو بعضه وقبض العوض المقدم لئلا يكون بيع دين بدين المنهي عنه شرعاً ، لكن يُشترط أن يبين جنس العوض المؤخر وبيان عدده وصفته التي ينضبط بها وتحديد مدة معلومة لتسليمه حتى لا يحصل غرر بسبب عدم ذلك ويدل لمشروعية ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : " جهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً على إبل من إبل الصدقة حتى نفدت وبقي ناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتر لنا إبلاً من قلائص الصدقة إذا جاءت حتى نؤديها إليهم ، فاشتريت البعير بالاثنين والثلاث قلائص حتى فرغت فأدَّى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من إبل الصدقة " .

يجوز إبدال الثياب بعضها ببعض مع التساوي أو زيادة بعضها على بعض سواء كانت من جنس واحد أم أكثر وسواء كان ذلك عاجلاً أو لأجل لأن القماش ليس من الأجناس التي يدخلها الربا .

لا يجوز بيع الملح بالملح إلا متساوياً ويداً بيد ، أما بيع الملح بجنس ربوي آخر كالبر والشعير والتمر فيجوز فيه التفاضل ولا يجوز التفرق قبل القبض لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد " .

الألماس والأحجار الكريمة لا يجري فيهما الربا إذا بيع بعضهما ببعض متساوياً أو مع زيادة .

يجوز أن تدفع سيارتك القديمة إلى الشركة مثلاً لتأخذ بدلاً منها سيارة جديدة وتدفع الفرق بين القيمتين وليس هذا من باب بيعتين في بيعة بل هو بيع سيارة بأخرى مع المفاضلة بين قيمتهما وليس في ذلك رباً لأن السيارات ليست من الأنواع الربوية .

لا يجوز الإيداع عند البنوك التي تتعامل بالربا لأن فيه تعاوناً على الإثم وقد نهى الله سبحانه عنه بقوله " وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلبِرِّ وَٱلتَّقوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثمِ وَٱلعُدۡوَٰنِۚ " المائدة 2 ، ويجب أخذ الأموال وإيداعها عند مصارف لا تتعامل بالربا وإذا لم يجد مصرفاً إسلامياً وخاف على أمواله الضياع فيجوز أن يودعها من غير أخذ فائدة .

إذا كان معك شيك على البنك الأمريكي وذهبت إلى البنك الأهلي ليصرفه وطلب منك البنك الأهلي زيادة عشرة ريالات مقابل صرف راتبك من قبلهم فهذا العمل لا يجوز بل هو من المعاملات الربوية لأنه بيع دراهم بدراهم مع الزيادة .

لا بأس بأخذ الرواتب التي تصرف عن طريق البنك لأنك تأخذها في مقابل عملك في غير البنك لكن بشرط أن لا تتركها في البنك بعد الأمر بصرفها لك من أجل الاستثمار الربوي .

الاقتراض من البنك بفائدة محرم لأنه رباً وكفالة المرابي لا تجوز لأن فيها إعانة على ارتكاب المحرم ومساعدة على الإثم وقد نهى الله عن التعاون على الإثم .

تحرم الشهادة على عقد الربا ويجب عليك التوبة والاستغفار مما وقع منك من الشهادة على القرض الربوي ، والواجب ترك أي تعامل فيه رباً أو دخول في معاملة فيها غرر كعمليات التأمين .

اليانصيب : نوع من أنواع القمار وهو محرم بل من كبائر الذنوب بالكتاب والسنة والإجماع .

إذا ساهمت في أرض مع المساهمين بعشرة آلاف ريال مثلاً وبعد البيع كان نصيبك من الربح عشرة آلاف ريال زيادة على رأس المال غير أنه يتعذر تسليمك الربح في الوقت الراهن حيث أن المشترين لم يسددو وتريد أن تبيع ربحك بخمسة آلاف ريال سواء كان المشتري المسئول أو غيره فبيعك ما يخصك من الثمن بأقل منه لا يجوز سواء للشركاء أو لغيرهم لأن ذلك بيع دراهم بدراهم متفاضلة .

إذا كنت تطلب رجلاً مبلغاً من المال مثلاً ستين ألف ريال وهو معسر وأراد أحد الإخوان أن يدفع لك نقوداً نصف المبلغ أو ثلثه على أن تحول المبلغ كاملاً عليه يستوفي من المديون فلا يجوز لك التنازل عن المبلغ الذي لك على شخص لشخص آخر على أن يدفع لك الطرف الثالث نصف المبلغ أو ثلثه لأن ذلك من الربا وهو بيع مبلغ معين بأقل منه نقداً .

لا تجوز إحالتك الدائن لك بعشرة آلاف بالعشرة التي لك على غريمك المماطل مع زيادتك ألفي ريال مقابل المماطلة لأن الزيادة ربا والربا محرم في الشريعة الإسلامية .

لا يجوز إعطاء تاجر مبلغاً وأخذ ربح معين كل شهر لأن ذلك من الربا وإنما الجائز أن يكون بينكما جزء مشاع معلوم من الربح كالنصف والثلث ونحوهما .

إن اشتراط 2% لقاء تأخير القسط عن وقته المحدد من الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع وعلى ذلك لا يجوز لك دفع الفائدة ولا يجوز للشركة العربية للسيارات أخذها وبذلك تكون هذه المعاملة الربوية محرمة وغير صحيحة لقوله سبحانه" وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلبَيعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ " البقرة 275 .

لا بأس ببيع الأسهم وشرائها إذا كانت في شركات لا تتعامل بالربا وإنما هي شركات أملاك كالشركات المعمارية وكشركة الكهرباء وشركة الأسمنت وغيرها من الشركات الإنتاجية إذا كانت شركات قائمة بالفعل وليست تحت الإنشاء ، وإذا لم تُستغل رؤوس أموال هذه الشركات بالاستثمار الربوي أيضاً .

إذا كانت شركة الراجحي أو غيرها ستقوم ببقية تكاليف أعمال المبنى المخصص لك من باب القرض الحسن الذي يقصد منه إعانتك على نفقة البناء ثم تسترد منك المبلغ من دون زيادة فلا بأس بذلك ، أما إن كانت تطلب منك زيادة على ما دفعت عنك للشركة التي قامت بالعمل فهذا رباً صريح حرام عليك وعليهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه وقال : هم سواء " رواه مسلم .

وسؤاله إما أن تقوم شركة الراجحي بإكمال بناء منزله أو شركة الراجحي تسدد الشركة التي تقوم بالبناء فكانت الإجابة بأن الزيادة في النقد حرام .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

26 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر