الدرس السادس والأربعون: العقيقة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1721 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة عن الذكر شاتين ، وعن الأنثى شاة واحدة ، كما شرع الأكل والإهداء والتصدق منها ، فإذا صنع من وُلد له المولود طعاماً ودعا بعض إخوانه المسلمين إليه وجعل مع هذا الطعام شيئاً من لحمها فليس في ذلك شيء ، بل هو من باب الإحسان .

وأما إذا كان دخلك لا يكفي إلا نفقاتك على نفسك ومن تعول فلا حرج عليك في عدم التقرب إلى الله بالعقيقة عن أولادك لقول الله تعالى " لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَاۚ " البقرة 286 ، وقوله " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ومتى أيسرت شرع لك فعلها .

والسنة أن يذبح عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الأنثى شاة واحدة لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " رواه أحمد والترمذي وصححه ، وعن ابن عباس رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً " رواه أبو داود والنسائي ، وقال " بكبشين كبشين " ، وهذا هو الأفضل ، وأما الإجزاء فيحصل بما يجزئ أضحية ، فيُسن أن يعق عنه حينما يتيسر له ذلك ، ولو بعد سنة أو أكثر .

فالعقيقة سنة مؤكدة عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية ، وعن الجارية شاة واحدة ، وتذبح يوم السابع ، وإذا أخَّرها عن السابع جاز ذبحها في أي وقت ، ولا يأثم في تأخيرها ، والأفضل تقديمها ما أمكن ، وإذا ذبح شاة لضيفه ونواها عقيقة عن ولده فالأقرب أنها لا تجزئه لكونه جعلها وقاية لماله ، سواء أخبر الضيف أم لم يخبره .

جمهور الفقهاء على أن العقيقة سنة لما رواه أحمد وأصحاب السنن عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى " وما رواه الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى " رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي .

ولا عقيقة عن السقط ، ولو تبيَّن أنه ذكر أو أنثى إذا سقط قبل نفخ الروح فيه لأنه لا يسمى غلاماً ولا مولوداً ، وتذبح العقيقة في اليوم السابع من الولادة ، وإذا ولد الجنين حياً ومات قبل اليوم السابع سُنَّ أن يعق عنه في اليوم السابع ويسمى ، وإذا مضى اليوم السابع ولم يعق عنه ، فرأى بعض الفقهاء أنه لا يُسن أن يعق عنه بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها باليوم السابع ، وذهب الحنابلة وجماعة من الفقهاء إلى أنه يُسن أن يعق عنه ولو بعد شهر أو سنة أو أكثر ، من ولادته لعموم الأحاديث الثابتة ، ولما أخرجه البيهقي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم عقَّ عن نفسه بعد البعثة ، وهو أحوط .

وتأخير العقيقة عن اليوم السابع من الولادة خلاف السنة ، وكل طفل أو طفلة مات صغيراً ينفع الله به من صبر من والديه المؤمنين ، ويعق عن الذكر شاتان ، وعن الأنثى شاة ، ولا يجزئ دفع الفلوس ونحوها .

أما تسمية المولود ففيه سعة ، فإن سماه يوم ولادته أو في اليوم السابع ، فقد ورد ما يدل على ذلك ، فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : " أُتي بالمنذر بن أُسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد ، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه ، وأبو أُسيد جالس فلهى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه ، فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم : أين الصبي ؟ فقال أبو أسيد : قلبناه يا رسول الله ، فقال : ما اسمه ؟ قال : فلان ، قال : لا ولكن اسمه المنذر " ، وفي صحيح مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وُلد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم " .

يجوز أن يُسمى المولود باسم أبيه ، ولا حرج في ذلك إن شاء الله ، سواء كان المسمى عليه حياً وقت التسمية أو ميتاً كعبد الله بن عبد الله .

ولا تجوز التسمية بعبد الفضيل ، أو عبد النبي ، أو عبد الرسول ، أو عبد علي ، أو عبد الحسين ، أو عبد الزهراء ، أو غلام أحمد ، أو غلام مصطفى ، أو نحو ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد مخلوق لمخلوق لما في ذلك من الغلو في الصالحين والوجهاء ، والتطاول على حق الله ، ولأنه ذريعة إلى الشرك والطغيان .

ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن لله تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة " رواه البخاري ومسلم ، وللعلماء في ذلك مباحث منها :-
أولاً : أن المراد بإحصائها معرفتها وفهم معانيها والإيمان بها ، والعمل بمقتضاها ، والاستسلام لما دلَّت عليه ، وليس المراد مجرد حفظ ألفاظها وسردها عداً .
ثانياً : أن المعول عليه عند العلماء أن تعيين التسعة والتسعين اسماً مدرج في الحديث ، استخلصه بعض العلماء من القرآن فقط ، أو من القرآن والأحاديث الصحيحة ، وجعلوها بعد الحديث كتفسير له ، وتفصيل للعدد المجمل فيه ، وعملاً بترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إحصائها رجاء الفوز بدخول الجنة .

ثالثاً : أنه ليس المقصود من الحديث حصر أسماء الله في تسعة وتسعين اسماً لأن صيغته ليست من صيغ الحصر ، وإنما المقصود الإخبار عن خاصة من خواص تسعة وتسعين اسماً من أسمائه تعالى ، وبيان عظم جزاء إحصائها .

رابعاً : أن أسماء الله توقيفية ، فلا يُسمَّى سبحانه إلا بما سمَّى به نفسه ، أو سمَّاه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز أن يُسمَّى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه ، خلافاً للمعتزلة والكرامية ، فلا يجوز تسميته بناءً ، ولا ماكراً ، ولا مستهزئاً أخذاً من قوله تعالى " وَٱلسَّمَآءَ بَنَينَٰهَا بِأَييْدٖ " الذاريات 47 ، وقوله تعالى " وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ " آل عمران 54 ، وقوله " ٱللَّهُ يَستَهزِئُ بِهِمۡ " البقرة 15 ، ولا يجوز تسميته زارعاً ولا ماهداً ، ولا فالقاً ، ولا منشئاً ، ولا قابلاً ، ولا شديداً ، ونحو ذلك أخذاً من قوله تعالى " ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحنُ ٱلزَّٰرِعُونَ " الواقعة 64 ، وقوله " فَنِعمَ ٱلمَٰهِدُونَ " الذاريات 48 ، وقوله " ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحنُ ٱلمُنشِ‍ُٔونَ " الواقعة 72 ، وقوله تعالى " فَالِقُ ٱلحَبِّ وَٱلنَّوَىٰۖ " الأنعام 95 ، وقوله " وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلعِقَابِ " غافر 3 ، لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة ، وفي إخبار على غير طريق التسمي ، لا مطلقة .

إطلاق اسم الأب على العم على سبيل الاحترام والتكريم فجائز ، وهو الذي جاء في القرآن ، لكنه ليس أباً في النسب ، ولا يعطي حكم الأب في النسب ، فلا يُحجب الجد من الميراث ، ولا الإخوة منه ، لا يرث السدس مع الابن ، ولا يتولى عقد نكاح بنت أخيه مع وجود الجد والأخ ، إلى غير ذلك من المميزات بين الأب والعم .

لا حرج في التسمي بجملة " إلهي بخش " التي معناها باللغة العربية " عطية الله " أو هبة الله ، والتسمية بهدى وإيمان لا نعلم مانعاً شرعياً فيها ، ولا بأس بالتسمية باسم حسام الله .

التسمية باسم عبد المطلب لا محذور فيها ، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقرَّ هذا الاسم ، ولم يغيره ، وذلك في ابن عمه عبد المطلب بن ربيعة ، فيكون مستثنى من التحريم المجمع عليه ، كما قال ابن حزم ، ولا شيء في تسمية الابنة أبرار .

لا بأس باسم هادي لأن لفظ الهادي اسم مشترك مطلق على الله وعلى غيره من الناس الذين يهدون غيرهم إلى ما ينفعهم ، كالرسل ، كما قال تعالى " وَلِكُلِّ قَوۡمٍ هَادٍ " الرعد 7 ، ومن المعلوم بأن وصف الله بأنه الهادي لا يشابه وصف المخلوقين .

اسم قسم الله معناه عطاء الله ، ويجوز التسمي باسم فتح الباري ولا حرج في ذلك لأنه بمعنى فضل ، أو فتح من الباري سبحانه .

لا بأس بتسمي الإنسان برقيب ، ولا يستلزم ذلك مشابهة الله لأن المعنى الذي لله تعالى يليق به ، والمعنى الذي للمخلوق يليق به ، قال تعالى " لَيسَ كَمِثلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِير " الشورى 11 .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

15 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر