الدرس الخامس والأربعون: الحج

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1990 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز تكرار العمرة في السنة الواحدة عدة مرات لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " متفق عليه ، ولم يرد نص في تحديد فترة بين العمرة والتي تليها .

المعتمر لا يجب عليه طواف الوداع لكن يُسن له أن يطوف للوداع عند سفره لعدم الدليل على الوجوب ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يطف للوداع عند خروجه من مكة بعد عمرة القضاء فيما علمنا من سنته والأفضل طواف الوداع بعد العمرة .

من وجب عليه الدم لترك واجب وهو لا يستطيعه فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ويبدأ وقت ذبح الدم لترك واجب من أول ترك الواجب ، سواء كان قبل أيام العيد أو بعده ، ولا حد لآخره ، ولكن تعجيله بعد وجوبه مع الاستطاعة واجب ، ولو أخَّره حتى وصل إلى بلده لم يجزئ ذبحه في بلاده ، بل عليه أن يبعث ذلك إلى الحرم ويشتريه من هناك ويذبحه في الحرم ويوزع على فقراء الحرم .

لا حرج أن تحج في لباسك العسكري وأنت مكلف بأعمال الحج ولا تستطيع أداء العمل بلباس الإحرام لأن الجهة المختصة لا تسمح بذلك ، وعليك بسبب ذلك الكفارة ، وهي إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو أرز وغيرهما من قوت البلد ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو ذبح شاة عن لبس المخيط ، وعليك مثل ذلك عن تغطية الرأس .

من حجَّ ثم رجع قبل أن يقف بعرفة ويطوف بالبيت ويؤدي ما أوجب الله عليه فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه مما ارتكبه وأن يذبح رأساً من الغنم يجزئ في الأضحية داخل مكة في أي وقت ويوزعه على الفقراء ولا يأكل منه ولا يهدي منه لقريب غني ويحج من قابل .

أعمال يوم النحر ثلاثة للمفرد هي رمي جمرة العقبة ، والحلق أو التقصير ، وطواف الإفاضة والسعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ، وأما المتمتع والقارن فيزيد بذبح الهدي ، ويزيد المتمتع سعياً بعد طواف الإفاضة .
تكون هذه الأعمال مرتبة الرمي ، فالذبح ، فالحلق أو التقصير ، ثم الطواف والسعي ، هذا هو الأفضل تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه رمى ثم نحر ثم حلق رأسه ، ثم طيبته عائشة ، ثم أفاض إلى البيت ، وسُئل عن ترتيب هذه الأمور ، ومن قدَّم بعضها على بعض ، فقال : " لا حرج ، لا حرج " ، ومن فعل اثنين سوى الذبح حصل بذلك التحلل الأول وبذلك يحل له كل ما حرم عليه بالإحرام ما عدا النساء ، وإذا فعل الثلاثة حلَّ له كل شيء حرم عليه حتى النساء ، والأحاديث في هذا كثيرة دالة على ما ذكرنا .

من كان قد اشترط عند إحرامه بأنه إن حبسه حابس فمحله حيث حُبس فلا يلزمه شيء وإن لم يكن قد اشترط ذلك فعليه هدي يذبحه حيث أحصر لقوله تعالى " فَإِنۡ أُحصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسْتَيسَرَ مِنَ ٱلهَدۡيِۖ " البقرة 196 ، ثم يحلق رأسه أو يقصر وبذلك يكون حله من إحرامه ، ومن أحرم بالحج ثم وقف بعرفة ثم مزدلفة ثم لظروف ما لم يستطع الإكمال ولم يقل عند الإحرام وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وعاد إلى بلده وواقع زوجته فعليه الرجوع إلى مكة والطواف للحج ، وطواف الوداع عند الخروج من مكة ، وعليه الحلق أو التقصير بنية الحج وعليه دم عن ترك الرمي ، ودم آخر عن ترك المبيت بمنى ، يذبحان في مكة ويوزعان على الفقراء ، وعليه بدنة أخرى بسبب وطئه لزوجته قبل التحلل الأول وعليه أن يحج بدلاً عن هذه الحجة من الميقات الذي أحرم منه بالحجة الأولى التي فسدت لأن حجه قد فسد بسبب الجماع قبل التحلل الأول وإن كان معه زوجته فعليها مثل ما عليه .

ومن أحرم بالعمرة ثم قطعها ورجع فعليه أن يعود ويؤي العمرة مع التوبة النصوح ، ومن حصل منه جماع فعليه دم يذبح في مكة للفقراء ، وعليه قضاء العمرة لأن الأولى قد فسدت بذلك فوجب عليه إكمالها مع قضائها ، ويكون إحرام المجامع بالثانية من الميقات الذي أحرم بالأولى منه أما ما حصل من لبس المخيط والطيب ونحو ذلك فإن كان عن جهل أو نسيان فلا شيء فيه ، وأما ما كان عن عمد مع العلم بالحكم الشرعي ففيه فدية ، وهي إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو ذبح شاة عن كل محظور من لبس أو غطاء رأس أو طيب أو قلم أظافر أو حلق عانة أو قص شارب أو نتف إبط مع التوبة النصوح من ذلك .

ومن أحرم بالعمرة متمتعاًً بها إلى الحج وبعد أن تحلل من عمرته عاد إلى بلده قبل أن يحرم بالحج فلا شيء عليه لأن العمرة انتهت بأدائها والتحلل منها والحج لم يحرم به بعد .

لا يجوز التلبية الجماعية للحجاج لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم بل هو بدعة .

الصعود إلى غار جبل النور ليس من شعائر الحج ولا من سنن الإسلام بل إنه بِدعة وذريعة من ذرائع الشرك بالله بل ينبغي أن يُمنع الناس من الصعود له ، ولا يُوضع له درج ولا يسهل الصعود له عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه ، وقد مضى على بدء نزول الوحي وظهور الإسلام أكثر من أربعة عشر قرناً ، ولم نعلم أن أحداً من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا صحابته ، ولا أئمة المسلمين الذين ولوا أمر المشاعر خلال حقب التاريخ الماضية أنه فعل ذلك ، والخير كل الخير في اتباعهم والسير على نهجهم حسبة لله تعالى ، ووفق منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم ، وسداً لذرائع الشرك .

زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم سنة لعموم أدلة الحث على زيارة القبور لكن دون شد الرحال إلى ذلك فيزوره من كان بالمدينة أو ضواحيها ممن لا يُعد انتقاله إلى المدينة سفراً أما السفر إلى المدينة لزيارة قبره فلا يجوز لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " .

من حج متمتعاً أو قارناً ولم يذبح هدي القران ، فإنه لا يزال في ذمته ويجب ذبحه في مكة المكرمة بنفسه أو بواسطة وكيل ثقة عنه لقوله تعالى " فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلعُمرَةِ إِلَى ٱلحَجِّ فَمَا ٱستَيسَرَ مِنَ ٱلهَدۡيِۚ " البقرة 196 ، فإن لم تستطع الهدي فعليك صيام عشرة أيام مجتمعة أو متفرقة ، والواجب البدار في ذلك ، ويشترط في الهدي ما يشترط في الأضحية ، فلا تجزئ العوراء البيِّن عورها ، ولا المريضة البيِّن مرضها ، ولا العرجاء البيِّن عرجها ، ولا الهزيلة التي لا تنقي .

ولا يجوز الذبح في بلد الحاج غير مكة ، إلا إذا عطب الهدي المهدى إلى مكة قبل وصوله إليها ، فإنه يذبحه في مكانه ، ويجزئ عنه ، وكذلك في المحصر عن دخول الحرم ، ينحر هديه حيث أحصر .

قال الله تعالى " فَكُلُواْ مِنهَا وَأَطعِمُواْ ٱلقَانِعَ وَٱلمُعتَرَّۚ " الحج 36 ، فالقانع هو السائل الذي يطلب العطاء ، مأخوذ من قنع يقنع قنوعاً ، والمعتر هو الذي يتعرض للناس دون سؤال ليعطوه ، وقيل القانع الراضي بما عنده وبما يُعطى من غير سؤال ، مأخوذ من قنعت قناعة ، والمعتر هو المتعرض للناس مع سؤالهم العطاء .

ومعنى الآية أن الله تعالى أعطانا الإبل والبقر والغنم وسخرها لنا ، وجعل لنا فيها كثيراً من الخير والمنافع وشرع لنا أن نتقرب إليه منها بنحر الهدي في الحج والعمرة ، وذبحها الأضحية في عيد الأضحى ، وأن نأكل منها ونطعم السائل والفقير المتعفف مواساة لهم ، ورجاء الأجر والمثوبة ، وشكراً لله على نعمه .

المشروع في هدي التمتع والقران وما يُساق من الحل إلى الحرم أن يتصدق منه ، ويهدي ويأكل أثلاثاً ، وإن أكل أكثر من الثلث فلا بأس .

من لزمه هدي تمتع أو قران فلم يجده وقت الذبح لعذر شرعي ، وقد فاتت عليه أيام الحج التي يصوم فيها من لم يجد الهدي ثلاثة أيام فإنه يصوم عشرة أيام كاملة إذا رجع إلى أهله ، ولا يلزمه التأخر في مكة حتى يصوم الثلاثة أيام لأن وقتها قد فات .

والمشروع في ذبح هدي التمتع والقران أن يكون في منى أو مكة ، أو في موضع من الحرم لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه بمنى وقال : نحرت ههنا ، ومنى منحر ، وفجاج مكة كلها طريق ومنحر .

إذا وكلت من يذبح عنك الهدي فإن ذبحها فالحمد لله ، وإن لم يذبحها فلا حرج عليك ، وإنما الإثم عليه ، ولا يضرك كونك لم تخبرهم باسمك لأنه يكفي أن يذبحوها بالنية عمَّن سلمها له .

مسألة : أنا طالب مصري ، وذهبت إلى السعودية في شهر رمضان للعمرة ، وأديت العمرة ثم ذهبت إلى جدة للعمل ، على أن أحاول أن أبقى فيها حتى موعد الحج ، وأقمت بها ، وفي شهر ذي القعدة ذهبت إلى مكة وأديت عمرة وعدت إلى جدة ، وواصلت العمل حتى ميعاد الحج ، فأحرمت بالحج مفرداً وأديت الحج ، فهل عليّ هدي أم لا ؟

والجواب : الصحيح من أقوال العلماء أن عليك هدي التمتع لإتيانك بالعمرة في أشهر الحج ، وعودتك إلى جدة بعد عمرتك لا تقطع تمتعك .

مسألة : إننا مجموعة من الحجاج ولكنّا أميون ، ولما وصلنا إلى السعدية مكان الإحرام ونوينا أن نذهب أولاً إلى المدينة لزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام ، فسألنا المرشد الموجود بالسعدية من طرف الدولة عن ذلك فقال : أحرموا من هنا - يعني السعدية - وصلوا ركعتين وقولوا : لبيك الله عمرة ، وطوفوا واسعوا وفكوا الإحرام واذهبوا إلى المدينة للصلاة في المسجد النبوي ، ومن هناك أحرموا من آبار علي ، وانووا الحج تسلموا من الهدي أو الصيام ، ولما وصلنا إلى بلدنا وهو جيزان قال لنا بعض الناس هذا لا يجوز إلا بهدي أو صيام .

والجواب : في هذه المسألة خلاف بين العلماء منهم من يرى فيها الهدي أو الصيام ، ومنهم من لا يرى وجوب ذلك ، والراجح أنَّ على كل واحد منكم الهدي ، ومن لم يستطع الهدي منكم فعليه صيام عشرة أيام ، علماً بأن الهدي يذبح بالحرم المكي ، ويوزع على الفقراء ، ولكم الأكل منه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

15 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر