الدرس الرابع والأربعون: رمي الجمار

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 15 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1943 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من رمى الجمار ثاني يوم عيد الأضحى قبل الزوال فعليه أن يعيد رميها بعد زوال ذلك اليوم ، فإن لم يعلم خطأه إلا في اليوم الثالث أو الرابع أعاد رميها بعد الزوال من اليوم الثالث أو الرابع بعد الزوال ، قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكره فيه ، فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الرابع لم يرم ، وعليه دم يذبح بالحرم ويطعمه الفقراء ، ومن زاد على السبعة أجزأه الرمي ، وقد أساء في الزيادة .

الشك يُلغى ، ولا يجب عليك شيء ، وعلى تقدير أنها لم تصب العمود لكنها سقطت في الحوض فهي مجزئة لأن إصابة العمود ليست مطلوبة ، إنما المطلوب وقوعها في الحوض .

رمي جمرة العقبة خلف البنية لا يصح ، كما أنه يجب الترتيب في رمي الجمرات في اليوم الحادي عشر وما بعده ، وذلك بأن يبتدأ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ، فإن خالفت وجب عليك الإعادة ، فإذا لم تعد في وقت الرمي أيام منى وجب عليك دم يجزئ أضحية يذبح بمكة المكرمة ، ويوزع على فقرائها ، ومكثك ساعتين أو ثلاثاً بعد طواف الوداع لا شيء عليك فيه إذا كان رميك لجمرة العقبة يوم العيد للعمود ، ولم تقع الجمار في الحوض فرميك غير صحيح ، ويجب عليك سفك دم بمكة يوزع على فقراء الحرم ، والدم الواجب عليك لا يجوز دفع ثمنه إلى الفقير نقداً ، وإنما الواجب عليك إراقة الدم بمكة ، وتوزيع جميع لحمه على الفقراء بالحرم ، ويجوز لك أن توكل ثقة ليشتري لك ما وجب ويذبحه بمكة ويوزعه على فقرائها .

رميك للجمرة الصغرى بعد العصر ثم تأخير رمي الجمرة الوسطى والكبرى إلى بعد صلاة العشاء لا حرج عليك في ذلك بسبب الزحام والرمي صحيح .

أخذ الحجارة في رمي الجمرات من داخل الحوض والرمي بها لا يجزئ لأنها مستعملة ، وما دام المأخوذ حجر واحد فقط فنرجو ألا حرج عليك فيما مضى .

من رمى حصاه السبع دفعة واحدة يعتبر رمي حصاة واحدة ، وهذا غير مجزئ وكذا الرمي قبل الفجر في اليوم الثالث رمي فُعل قبل دخول وقته ، ووقته يدخل بزوال الشمس من هذا اليوم ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى الجمار في أيام التشريق بعد الزوال وقال : " خذوا عني مناسككم " والأمر يقتضي الوجوب .

من أخَّر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل ، وتأخيره لعذر شرعي ، ورمى الجمار ليلاً ، فليس عليه في ذلك شيء وهكذا من أخَّر الرمي في اليوم الثاني عشر فرماه ليلاً أجزأه ذلك ولا شيء عليه ، وعليه تلك الليلة المبيت في منى والرمي لليوم الثالث عشر بعد الزوال لكونه لم ينفر في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس ، ولكن الأحوط أن يجتهد في الرمي نهاراً في المستقبل .

قال الله تعالى " يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلعُسْرَ " البقرة 185 ، وقال تعالى " مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجعَلَ عَلَيكُم مِّنۡ حَرَجٖ " المائدة 6 ، فالعسر والحرج منفيان عن هذه الشريعة بهاتين الآيتين ، وما جاء في معناهما ، والنساء تختلف أحوالهن فمنهنَّ الحامل ، وضخمة الجسم جداً ، والهزيلة ، والمريضة ، والمسنة العاجزة ، ومنهنَّ القوية .

فأما المرأة التي يوجد فيها عذر من الأعذار المشار إليها ونحوها فتجوز النيابة عنها ، ولا إشكال في ذلك ، والذي يرمي عنها لا ينوب عنها إلا بإذنها قبل الرمي عنها ، فيرمي عن نفسه ثم عنها وأما القوية فإذا حصلت مشقة غير مألوفة جازت النيابة عنها على الوصف الذي سبق في كيفية النيابة ، وأنه يرمي عنها بعد ما يرمي عن نفسه والشخص الذي يكون نائباً في الرمي عن غيره يكون من الحجاج ، فيجوز عند الزحام في رمي الجمرات أن توكل المرأة من يرمي عنها ، ولو كانت حجتها حجة الفريضة ، وذلك من أجل مرضها أو ضعفها ، أو المحافظة على حملها إن كانت حاملاً ، وعلى عرضها وحرمتها حتى لا تنتهك حرمتها شدة الزحام .

فالشابات لا حرج في توكيلهن غيرهن إذا خيف عليهن من الزحام ، ولا حرج عليهن في رمي جمرة العقبة آخر الليل من ليلة العيد وقبل طلوع الشمس من صباح يوم العيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للضعفة في ذلك ، وإذا كنت لا تستطيع الرمي بنفسك ووكلت من هو أقدر منك من الحجاج في الرمي فلا بأس ، ورميه عنك صحيح .

من وكَّل من يرمي عنه وغادر مكة فالتوكيل غير صحيح وعليه دم عن عدم المبيت وعن عدم الرمي وعن عدم طواف الوداع فدية تجزئ أضحية وتذبح بمكة وتوزع على الفقراء فإذا لم تستطع وجب عليك أن تصوم عن كل فدية عشرة أيام ومن نفر من منى يوم الثاني عشر قبل غروب الشمس بنية الرحيل وبعد طواف الوداع رجع إليها مضطراً للمبيت لفقد رفقته مثلاً فلا شيء عليه ، ولا يجزئ الرمي قبل الزوال ومن فعل ذلك عليه دم ونقصان حصاة من رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر يعفى عنه .

لا يحرم البيع ولا الشراء بعد طواف الوادع لكن لو ودَّع الحاج ثم تأخر كثيراً عرفاً شُرع أن يعيد الطواف .

يُشرع للمعتمر ولا سيما إن أقام بمكة بعد أداء عمرته أن يطوف طواف الوداع لدى خروجه من مكة المكرمة ولا يلزمه ذلك على الصحيح من قولي العلماء .

تعفى المرأة عن طواف الوداع إذا كانت حائضاً وقت خروجها من مكة المكرمة ، ومثلها النفساء لقول ابن عباس رضي الله عنهما " أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خُفِّف عن المرأة الحائض " متفق على صحته .

من ترك طواف الوادع في الحج عليه دم يذبح بمكة ويطعم مساكين الحرم ، ولا تأكل منه شيئاً ، والدم هو ما يجزئ أضحية من الضأن والماعز ، أو سُبْع بقرة أو سُبْع بدنة ، فإن لم تجد تصوم عشرة أيام .

إذا لم يطف الحاج طواف الإفاضة إلا عند انصرافه من مكة ، واكتفى به عن طواف الوداع كفاه حتى لو وقع بعده سعي ، كما لو كان متمتعاً ، وإن طاف طوافاً ثانياً للوداع فذلك خير وأفضل .

الإقامة ساعة في منى بعد طواف الوادع ليس فيه شيء .

من طاف طواف الوادع ولم يكمله وذلك في الحج فطاف مثلاً خمسة أشواط فقط فحجه صحيح وعليه أن يذبح ذبيحة بحرم مكة تجزئ في الأضحية عن طواف الوادع الذي لم يكمله .

يجوز أن تبيع المساويك في مكة ولا يؤثر ذلك في حجك ولو قصدت بيعها ، لعموم قوله تعالى " لَيسَ عَلَيكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبتَغُواْ فَضلاً مِّن رَّبِّكُمۡۚ " البقرة 198 .

الصحيح من قولي العلماء أن العمرة واجبة لقوله تعالى " وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمْرَةَ لِلَّهِۚ " البقرة 196 ، ولأحاديث وردت في ذلك ، ويجوز للإنسان أن يعتمر قبل أن يحج لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا قبل أن يحجوا حجة الفريضة .

من أحرمت بالعمرة ثم حاضت فحلت من إحرامها قبل أن تطوف وتسعى ، فإن كانت جاهلة الحكم ولم يجامعها زوجها وجب أن تكمل عمرتها بعد انقطاع حيضها ، ثم اغتسالها منه كما تغتسل من الجنابة ، فتطوف وتسعى وتتحلل بعد التقصير من شعر رأسها ولا شيء عليها ، وإن حصل جماع بطلت عمرتها ، وعليها أن تكملها بالطواف والسعي والتقصير ، ووجب عليها أن تقضيها فتأتي بعمرة بدلها من الميقات الذي أحرمت بالأولى منه ، وعليها دم إما شاة من الضأن سنها ستة أشهر فأكثر ، أو المعز سنها سنة فأكثر ، تذبح بمكة وتوزع على فقرائها ، أما إن كانت لم تحل من عمرتها فعليها أن تكمل عمرتها فتطوف وتسعى وتتحلل من عمرتها بقص شيء من شعر رأسها ، ولا تبطل عمرتها بالحيض على كل حال ، وطواف الوداع بعد العمرة غير واجب .

لا حرج عليك في عدم الإحرام بالعمرة إذا مررت بالميقات إلى مكة وأنت لم تنوِ حجاً ولا عمرة .

بعد الإنتهاء من الطواف والسعي للعمرة الواجب أن يعم الرأس بالتقصير أو الحلق وإذا لم يكن في الرأس شيء من الشعر سقط الواجب بذلك .

كلٌ من السفرة للعمرة والإنفاق في سبيل الله عمل طيب مشكور ، لكن العمرة نفعها قاصر على المؤدي لها ، وأما الإنفاق في الجهاد فنفعه متعدي ، فيكون البذل فيه أولى وأفضل .

من أحرم بالعمرة من آخر رمضان ، ولم يطف ولم يسع لها إلا أول ليلة من شوال ، ثم تحلل منها ، ثم حج من عامه لم يعتبر متمتعاً بالعمرة إلى الحج لأن إحرامه بالعمرة كان في غير أشهر الحج .

من أحرم بالعمرة بعد أن تجاوز الميقات وأدَّاها ثم سافر إلى المدينة وأحرم بعمرة أخرى من الميقات وأدَّاها لم تسقط عنه العمرة الثانية ما وجب عليه من الدم من أجل تجاوزه الميقات بلا إحرام في العمرة الأولى .

من كان محرم فدخل المسجد الحرام فصلى ركعتين قبل الطواف تحية المسجد فقد خالف السنة فالسنة لداخل الحرم ولا سيما المحرم البدء بالطواف إن تيسر ذلك .

من لبس المخيط أو غطى رأسه وهو محرم فإن كان ناسياً بالحكم الشرعي أو جاهلاً بذلك فلا فدية عليه وعليه التوبة والاستغفار وعدم العودة لذلك ، وإن كان متعمداً فعليه فديتان إحداها عن اللبس والأخرى عن تغطية الرأس مع التوبة والاستغفار وعدم العودة لمثل هذا العمل المنافي لما يتطلبه الإحرام .

ويجوز أن تأتي بعمرة ثانية من ميقاتك أو من أي مكان من الحل سواء كانت العمرة الثانية لك أم لأحد أقاربك أم غير قريب لك إن كان من تعتمر عنه ميتاً أو عاجزاً عن ذلك لكبر سنه أو مرض لا يرجى برؤه .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر