الدرس الثالث والأربعون: أعمال الحاج يوم العيد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 15 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1837 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز للحاج تأخير رمي جمرة العقبة إلى اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق بدون عذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها يوم العيد ، وتبعه في ذلك الصحابة فلم يؤخروها إلى أيام التشريق بلا عذر ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " ومن أخَّرها إلى أيام التشريق بلا عذر فقد خالف السنة ، وحُرم من بعض أجر نسكه ، وعليه أن يستغفر الله لما مضى ، ويحرص على أداء نسكه على وجهه الشرعي في المستقبل .

والواجب تعميم الرأس كله بالحلق أو التقصير في حج أو عمرة ، ولا يلزمه أن يأخذ من كل شعرة بعينها ، وما وقع منك من التقصير من مقدم الرأس فقط عن جهل لا يجزئك ، ونرجو أن يعفو الله جل وعلا عنا وعنك ، وبعد سماعك لهذه الفتوى تتجرد من المخيط وتلبس الإزار مع كشف الرأس حتى تحلق أو تقصر من جميع الرأس بنية التحلل وإن كنت جامعت زوجتك في هذه الفترة فعليك ذبيحة تذبح بمكة تجزئ أضحية توزع على فقراء الحرم ، فإن لم تستطع فإنك تصوم عشرة أيام .

يوم الحج الأكبر هو يوم النحر ، أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حجَّ فيها فقال : " أي يوم هذا ؟ فقالوا : يوم النحر ، فقال : هذا يوم الحج الأكبر " .

التحلل من الإحرام بالحج للرجل والمرأة يكون بعد رمي جمرة العقبة وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره ، وليس للمرأة إلا التقصير ، فيحل لكل منهما بذلك كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام إلا الجماع ، أما التحلل الأكبر فيكون بالفراغ من طواف الإفاضة والسعي إذا كان عليه سعي ، فيحل لهما كل شيء كان محرماً عليهما بالإحرام حتى الجماع .

وأما التحلل من العمرة فيكون لكلٍ من الرجل والمرأة بعد الفراغ من طوافهما وسعيهما ، وحلق الرجل رأسه أو تقصير شعره ، أما المرأة فالمشروع لها التقصير لا الحلق فيحل لهما بذلك كل شيء كان حراماً عليهما بالإحرام ، والقارن بين الحج والعمرة حكمه في التحلل حكم المفرد .

الطواف بالكعبة من العبادات المحضة ، والأصل في العبادات التوقيف ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر في طوافه كلما حاذى الحجر الأسود ، ولا شك أن الطائف يحاذيه في نهاية الشوط السابع ، فيُسن له أن يكبر كما سن له التكبير في بدء كل شوط عند محاذاته إياه اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم مع استلام الحجر وتقبيله إذا تيسر له ذلك .

يُسن الاضطباع في الأشواط كلها في طواف القدوم خاصة ، كما يُشرع الرمل - الهرولة - في الأشواط الثلاثة الأولى من طواف القدوم للحاج والمعتمر ، وإذا لم يمكنه في الثلاثة الأولى منه الرمل فيها سقط عنه .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنه لا رمل على النساء حول البيت ، ولا بين الصفا والمروة ، وليس عليهن اضطباع وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد ، ولا يقصد ذلك في النساء ولأن النساء يقصد فيهن الستر ، وفي الرمل والاضطباع تعرض للكشف .

يبدأ طواف الإفاضة بعد منتصف الليل من ليلة النحر للضعفة ومن في حكمهم ، وليس لنهايته وقت محدد ، لكن الأولى أن يبادر الحاج بالطواف للإفاضة قدر استطاعته ، مع مراعاة الرفق بنفسه ، وتحين الأوقات التي يكون المطاف فيها خفيفاً من الزحام حتى لا يُؤذِي ولا يُؤذَى .

الحجر الأسود اختصه الله سبحانه بما شرعه لنا من تقبيله واستلامه ، وأراد أن يكون في ركن الكعبة التي نستقبلها في صلاتنا ، وشرع تقبيله واستلامه للطائفين مع القدرة ، فإن لم يتيسر فالإشارة إليه عند محاذاته مع التكبير ، وقد ورد حديث رواه الترمذي وغيره في أنه نزل من الجنة ، لكن في سنده ضعف ، فالمشروع تقبيل الحجر الأسود ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحجر الأسود ولم يقبل غيره من الكعبة المشرفة .

وتقبيل الحجر الأسود في الطواف سنة مؤكدة من سنن الطواف إن تيسر فعلها بدون مزاحمة أو إيذاء لأحد بفعلك اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وإن لم يتيسر إلا بمزاحمة وإيذاء تعين الترك ، والاكتفاء بالإشارة إليه باليد ، ولا سيما المرأة لأنها عورة ، ولأن المزاحمة في حق الرجال لا تشرع ، ففي حق النساء أولى ، كما أنه لا يجوز لها عند تيسر التقبيل لها بدون مزاحمة أن تكشف وجهها أثناء تقبيل الحجر الأسود لوجود مَنْ ليس هو بمحرم لها في ذلك الموقف .

إذا أقيمت الصلاة والشخص يطوف بالبيت فإنه يقطعه من أجل صلاته مع الإمام وبعد انتهائه من الصلاة يبدأ إتمام الشوط من حيث قطعه ، وشرب الماء أو الكلام لا يؤثر على صحة الطواف .

لا يجوز للطائف بالبيت في حج أو عمرة أو طواف نفل أن يدخل من حجر إسماعيل ، ولا يجزئه ذلك لو فعله لأن الطواف بالبيت ، والحِجر من البيت لقول الله سبحانه " وَليَطَّوَّفُواْ بِٱلبَيتِ ٱلعَتِيقِ " الحج 29 ، ولما روى مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر ، فقال : هو من البيت " ، وفي لفظ قالت : " إني نذرت أن أصلي في البيت ، قال : صلي في الحجر ، فإن الحجر من البيت " .

من طاف طواف الإفاضة داخل حجر إسماعيل فطوافه غير صحيح ولا يجزئ ذلك عن الحج إلا إذا أعاد هذا الطواف ، أما إذا كان هذا الطواف طواف الوداع فعليه دم يُذبح بمكة للفقراء تكميلاً لحجه وليس عليه الرجوع إلى البيت ولو رجع لم يجزئه عن الدم ، أما إن كان الطواف نافلة فليس عليه شيء .

من حج و لم يطف طواف الإفاضة الذي هو ركن من أركان الحج والذي لا يتم التحلل الأكبر دون الإتيان به فعليه أن يعود فوراً ويطوف طواف الإفاضة الذي لا يصح الحج بدونه ولا تجزئ فيه الاستنابة ، فالطواف بالكعبة لا يقبل النيابة فلا يطوف أحد عن غيره إلا إذا كان حاجاً عنه أو معتمر فينوب عنه فيه تبعاً لجملة الحج أو العمرة .

يحرم على من كان على غير طهارة أن يصلي أو يطوف بالبيت وهو على غير طهارة ، ويجب عليه قضاء الصلاة التي صلاها وهو على غير طهارة ، مع التوبة والاستغفار مما وقع .

وإن كان قد أخذ عمرة على غير طهارة فيجب عليه أن يعود إلى مكة وهو محرم ، ويطوف ويسعى لعمرته لأن طوافه على غير طهارة غير صحيح ، ثم يحلق أو يقصر وإن كان وقع منه وطء بعد عمرته فسدت بذلك ، ووجب عليه دم يذبح بمكة يوزع على فقراء الحرم ، مع إعادة العمرة لأن الأولى فسدت بالجماع ، ويكون إحرامك بالثانية من الميقات الذي أحرمت منه بالأولى ، وذلك بعد أدائك العمرة الأولى الفاسدة .

من حج وعاد ولم يطف طواف الإفاضة فعليه أن يعود ويطوف طواف الإفاضة ويسعى إن كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج أو غير متمتع لكن لم يسع مع طواف القدوم وبذلك يتم حجه وعليه دم وإن كان قد وطء زوجته بعد رمي جمرة العقبة يذبح شاة في مكة في أي وقت يتيسر ذلك والواجب البدار به ويوزع على الفقراء بها وكذا إن كانت امرأة ووطئها زوجها فعليها دم وذلك بعد رمي جمرة العقبة .

إذا طاف الحاج طواف الإفاضة ونسي أحد الأشواط ، وطال الفصل فإنه يعيد الطواف ، وإن كان الفصل قريباً فإنه يأتي بالشوط الذي نسيه .

إذا كان سفره من مكة متصلاً بطوافه طواف الإفاضة كفاه طواف الإفاضة عن الوداع إذا كان قد فرغ من رمي الجمرات .

طواف الوداع للحاج واجب من واجبات الحج مَنْ تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء فإنه يسقط عنهما ، والدم يذبح في مكة لفقرائها .

عند السعي يرقى على الصفا إن تيسر له ، أو يقف عنده ويقرأ قول الله سبحانه " إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ " البقرة 158 ، ويقول : أبدأ بما بدأ الله به ، ويُستحب أن يستقبل القبلة ، ويحمد الله ويكبره ، ويقول : لا إله إلا الله والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، ثم يدعو رافعاً يديه بما تيسر من الدعاء ، ويكرر هذا الذكر والدعاء ثلاث مرات ، ويفعل على المروة كذلك ، ما عدا قراءة الآية فإنه لا يكررها ، وإنما يقرؤها في مبدأ الشوط الأول .

لا حرج في تأخير السعي لأنه ليس من شروط صحته أن يكون متصلاً بالطواف ، لكن من الكمال أن يكون بعد الطواف متصلاً به تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يُشترط للسعي الطهارة ، أما من طاف طواف الوداع على غير طهارة فعليه إعادته ما دام في مكة ، فإن كان سافر إلى بلده فعليه دم يذبح في مكة للفقراء .

ليست العزيزية من منى ، بل يفصل بينها وبين منى جبل وحدود منى يحدها من جهة مكة جمرة العقبة ومن الجهة الشرقية وادي محسر .

لو غربت عليك شمس اليوم الثاني عشر وأنت بمنزلك بمزدلفة فلا مبيت ولا رمي عليك لأنك خارج منى .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر