الدرس الثاني والأربعون: الحج 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 15 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2547 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من حجَّ ولم يلبس ملابس الإحرام دفعاً للحرج عن نفسه لأن طبيعة عمله ونظامه تفرض عليه لبساً معيناً من المخيط فحجه صحيح ولا إثم عليه في لبس غير ملابس الإحرام ولكن تلزمك فدية لذلك وهي إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم ، أو ذبح ذبيحة تصلح أضحية تطعمها مساكين مكة أو سائر الحرم ، ولا تأكل منها ، أو تصوم ثلاثة أيام ، أيّ ذلك فعلت أجزأك ، وعليك مثل ذلك عند غطاء الرأس ، إن كنت غطيت رأسك .

ولا يجوز للرجل لبس الشراب وهو محرم بالحج أو العمرة ، فإن احتاج إلى لبسها لمرض ونحوه جاز ووجب عليه فدية ، وهي صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر ونحوه ، أو ذبح شاة .

ويجوز للمسلم أن يغسل جسمه كله للتبرد إذا كان فيه حر ، وهذا فيه تنشيط له على هذه العبادة ، ويحرص في أثناء الغسل على أنه لا يتساقط شيء من شعره أو بشرته .

من جامع زوجته في تحلله بين العمرة والحج ، أي أنه قد انتهى من أعمال العمرة ولم يحرم بالحج فليس عليه شيء ، وأما المرأة فإذا كان جماعه لها قبل سعيها للعمرة فسدت عمرتها ، وعليها دم وقضاء العمرة من الميقات الذي أحرمت منه بالأولى ، أما إن كان ذلك بعد الطواف والسعي وقبل التقصير فالعمرة صحيحة ، وعليها عن ذلك إطعام ستة مساكين ، أو ذبح شاة ، أو صيام ثلاثة أيام .

لا يجوز لمسلم أحرم لحج أو عمرة أو بهما أن يتعرض لما يفسد إحرامه ، أو ينتقص عمله ، والقُبلة حرام على من أحرم بالحج حتى يتحلل التحلل الكامل ، وذلك برمي جمرة العقبة ، والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة والسعي إن كان عليه سعي لأنه لا يزال في حكم الإحرام الذي يحرم عليه النساء ، ولا يفسد حج من قبَّل زوجته وأنزل بعد التحلل الأول ، وعليه أن يستغفر الله ولا يعود لمثل هذا العمل ، ويجبر ذلك بذبح رأس من الغنم يجزئ في الأضحية يوزعه على فقراء الحرم المكي ، والواجب المبادرة إلى ذلك حسب الإمكان .

تكشف المرأة وجهها وهي في نسك الحج أو العمرة ، إلا إذا مرَّ بها أجانب أو كانت في جمع فيه أجانب ، وخشيت أن يروا وجهها ، فعليها أن تسدل خمارها على وجهها حتى لا يراه أحد منهم لقول عائشة رضي الله عنها : " كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من على رأسها على وجهها ، فإذا جاوزونا كشفناه " رواه أبو داود .

ولبس البرقع لا يجوز للمرأة في الإحرام لقوله عليه الصلاة والسلام : " ولا تنتقب المرأة ، ولا تلبس القفازين " رواه البخاري ، ولا شيء على من تبرقعت في الإحرام جاهلة للتحريم وحجتها صحيحة .

ولا يجوز للمحرم التطيب بعد الإحرام ، سواء كان رجلاً أو امرأة لقوله عليه الصلاة والسلام : " ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس " ، وقول عائشة رضي الله عنها : " طيَّبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " متفق عليه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي مات وهو محرم : " لا تمسوه طيباً " متفق على صحته .

ويجوز للمرأة إذا اضطرت في زحام الحج أو غيره أن تتمسك بثوب رجل غير محرم لها أو بشته أو نحو ذلك للاستعانة به للتخلص من الزحام ، كما يجوز للمرأة أن تُحرم وبيدها أسورة ذهب أو خواتم ونحو ذلك ، ويشرع لها ستر ذلك عن الرجال غير المحارم خشيةَ الفتنة بها .

ولا تلبس المحرمة بحج أو عمرة نقاباً ولا قفازين حتى تحل من نسكها التحلل الأول ، وإنما تسدل خمار رأسها على وجهها إذا خشيت أن يراها رجال أجانب ، وليست خشيتها من ذلك مستمرة لأن بعض النساء ينفردن بمحارمهن ، ومن لم تتمكن من الانفراد عن الأجانب تستمر سادلة خمارها على وجهها وقت المقتضي له ، ولا حرج عليها في ذلك ، وهكذا تغطي يديها بغير القفازين ، كالعباءة ، ووجه المرأة عورة لا يجوز كشفه لغير محرم ، لا في الطواف ولا في غيره ، ولا وهي محرمة أو غير محرمة ، وإن طافت وهي كاشفة لوجهها أثمت بكشف وجهها ، وصحَّ طوافها ، ولكن تستره بغير النقاب إن كانت محرمة وإن لبست النقاب جهلاً فلا شيء عليها لأنها معذورة بالجهل ، ولا شيء عليها أيضاً في تسريح ومشط شعر رأسها إذا كان بغير الطيب .

النص ورد في تحريم الصيد على المحرم ، ولو كان في غير الحرم ، وتحريم الصيد على مَن في الحرم ، ولو كان غير محرم ، وليست هناك خصوصية لحمام مكة ولا حمام المدينة ، سوى أنه لا يُصاد ولا ينفر ما دام في حدود الحرم لعموم حديث : " إن الله حرَّم مكة ، فلم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها " رواه البخاري ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن إبراهيم حرَّم مكة ، وإني حرَّمت المدينة ما بين لابتيها ، لا يقطع عضاهها ، ولا يصاد صيدها " رواه مسلم .

وعرفات من الحل ، ولا حرج في قطع شجرها .

والمشروع لمن بمكة ونوى الحج أن يُحرم به يوم الثامن من ذي الحجة ، ويمكث بمنى اليوم الثامن ، يصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم يذهب إلى عرفة صبيحة اليوم التاسع بعد طلوع الشمس ، لكن من لم يفعل ذلك وذهب إلى عرفة قبل ذلك فإن ذلك لا يؤثر على حجه .

والمشروع السعي للحج بعد الطواف ، لكن إذا سعيت قبل الطواف ونويت بالطواف طواف الحج والوداع ثم سافرت فإنه يجزئك ولا شيء عليك .

من أحرم متمتعاً بالعمرة إلى الحج ثم أدَّى مناسك عمرته من الطواف والسعي والحلق أو التقصير فقد حلَّ من عمرته وأُبيح له ما كان ممنوعاً منه بالإحرام من الحلق ، وتقليم الأظافر ، ولبس المخيط ، وتغطية الرأس ، والتطيب ، وصيد البر ، وعقد النكاح ، والجماع ودواعيه .

السنة المبيت ليلة اليوم التاسع في منى ، ولا حرج في ترك المبيت في منى تلك الليلة ، ثم الذهاب إلى عرفة بعد طلوع الشمس ، ومن السنة البقاء في مزدلفة إلى أن يصلي الفجر ويسفر النهار ، لكن من كان معه أحد من الضعفة فلا حرج في الخروج من مزدلفة بعد منتصف الليل .

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حثَّ على صعود جبل عرفات الذي اشتهر عند الناس باسم جبل الرحمة ، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم صعود هذا الجبل في حجه ولا اتخذه منسكاً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني مناسككم " ودرج على ذلك الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ومن تبعهم بإحسان ، فلم يكونوا يصعدون على هذا الجبل في حجهم ولا اتخذوه منسكاً لهم اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف تحت هذا الجبل عند الصخرات الكبار ، وقال : " وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ، وارفعوا عن بطن عرنة " ، ولذا قال كثير من العلماء إن صعود هذا الجبل في الحج على وجه النسك بدعة ، منهم الإمام النووي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ صديق خان ، وبهذا يُعلم أنه لا ينبغي توسعة هذا الممر ، ولا السعي في جعله طريقاً مسلوكاً لما فيه من تقرير البدعة وتسهيل الطريق لفاعليها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ، ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يصلي نفلاً بموقف عرفات ، بل اكتفى بصلاة الظهر والعصر في مسجد نمرة ، جمعاً وقصراً ، ولا اتخذ مصلى بما يسمى جبل الرحمة ليصلي فيه من صعد على هذا الجبل نافلة أو فريضة في يوم عرفات ، بل اشتغل بعد صلاته الظهر والعصر بذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتحميداً وتلبية ، وبدعاء ربه والضراعة إليه ، حتى غربت الشمس ، فاتخاذ مصلى أو مسجد على هذا الجبل ليصلي فيه مَن صعد عليه من البدع التي أحدثها الجهال ، فينبغي إزالة المصلى الحالي لا لتوسعة الممر ، بل للقضاء على البدعة فلم يُصلِ الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة يوم عرفات بعد صلاته الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات ، ولو كانت مشروعة لكان أحرص عليها منا ، والخير كل الخير في الاقتداء به واتباع سنته .

وحدود مزدلفة تبدأ غرباً من وادي محسر ، وتنتهي شرقاً بأول المأزمين من جهتها ، وقدر ما بينهما سبعة آلاف ذراع وسبعمائة ذراع وثمانون ذراعاً وأربعة أسباع ذراع .

من بذل وسعه ولم يتمكن من المبيت بمزدلفة فلا فدية عليه لقوله تعالى " لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَاۚ " البقرة 286 ، وقال تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ " الحج 78 ، أما من رمى جمرة العقبة وطاف للإفاضة وسعى قبل منتصف الليل فإن ذلك لا يجزئه وعليه أن يعيد الطواف والسعي والمرمي ، وإن كان بعد منتصف الليل أجزأه ولا إثم عليه في ذلك إن شاء الله .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

13 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر