الدرس 84 الجزء الثاني ‌‌فضل الجهاد والمجاهدين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 8 شعبان 1445هـ | عدد الزيارات: 65 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله الذي أمر بالجهاد في سبيله، ووعد عليه الأجر العظيم والنصر المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم 47) وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله أفضل المجاهدين وأصدق المناضلين .أما بعد:

فإن الجهاد في سبيل الله من أفضل الطاعات، لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي، كما لو استنفره الإمام أو حصر بلده العدو أو كان حاضرا بين الصفين.
ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ( التوبة الآية 41) {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ( التوبة الآية 42) {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} ( التوبة الآية 43)
ففي هذه الآيات الكريمات يأمر الله عباده المؤمنين أن ينفروا إلى الجهاد خفافا وثقالا، أي: شيبا وشبابا، وأن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، يخبرهم عز وجل بأن ذلك خير لهم في الدنيا والآخرة، ثم يبين سبحانه حال المنافقين وتثاقلهم عن الجهاد وسوء نيتهم، وأن ذلك هلاك لهم بقوله عز وجل: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} (التوبة الآية 42) الآية ثم يعاتب نبيه - صلى الله عليه وسلم - عتابا لطيفا على إذنه لمن طلب التخلف عن الجهاد بقوله سبحانه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} ( التوبة الآية 43) ويبين عز وجل أن في عدم الإذن لهم تبينا للصادقين وفضيحة للكاذبين، ثم يذكر عز وجل أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا يستأذن في ترك الجهاد بغير عذر شرعي؛ لأن إيمانه الصادق بالله واليوم الآخر يمنعه من ذلك، ويحفزه إلى المبادرة إلى الجهاد والنفير مع أهله، ثم يذكر سبحانه أن الذي يستأذن في ترك الجهاد هو عادم الإيمان بالله واليوم الآخر المرتاب فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك أعظم حث وأبلغ تحريض على الجهاد في سبيل الله، والتنفير من التخلف عنه.
وقال تعالى في فضل المجاهدين: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ( التوبة الآية 111)
ففي هذه الآية الكريمة الترغيب العظيم في الجهاد في سبيل الله عز وجل، وبيان أن المؤمن قد باع نفسه وماله على الله عز وجل، وأنه سبحانه قد تقبل هذا البيع وجعل ثمنه لأهله الجنة، وأنهم يقاتلون في سبيله فيقتلون ويقتلون، ثم ذكر سبحانه أنه وعدهم بذلك في أشرف كتبه وأعظمها التوراة والإنجيل والقرآن.
ثم بين سبحانه أنه لا أحد أوفى بعهده من الله ليطمئن المؤمنون إلى وعد ربهم ويبذلوا السلعة التي اشتراها منهم وهي نفوسهم وأموالهم في سبيله سبحانه، عن إخلاص وصدق وطيب نفس حتى يستوفوا أجرهم كاملا في الدنيا والآخرة، ثم يأمر سبحانه المؤمنين أن يستبشروا بهذا البيع لما فيه من الفوز العظيم والعاقبة الحميدة والنصر للحق والتأييد لأهله.

وجهاد الكفار والمنافقين وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم إفساحُ الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة.
والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جدا، أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين، والتحذير من تركه والإعراض عنه فهي أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، ولكن نذكر طرفا يسيرا ليعلم المجاهد الصادق شيئا مما قاله نبيه ورسوله الكريم - عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم - في فضل الجهاد ومنزلة أهله.
ففي الصحيحين عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها » ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة » أخرجه مسلم في صحيحه،
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي اللون لون الدم والريح ريح المسك » متفق عليه.

والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين وبيان ما أعد الله للمجاهدين الصادقين من المنازل العالية، والثواب الجزيل، وفي الترهيب من ترك الجهاد والإعراض عنه كثيرة جدا، وفي الحديثين الآخرين، وما جاء في معناهما: الدلالة على أن الإعراض عن الجهاد وعدم تحديث النفس به من شعب النفاق، وأن التشاغل عنه بالتجارة والزراعة والمعاملة الربوية من أسباب ذل المسلمين وتسليط الأعداء عليهم كما هو الواقع، وأن ذلك الذل لا ينزع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم بالاستقامة على أمره والجهاد في سبيله، فنسأل الله أن يمن على المسلمين جميعا بالرجوع إلى دينه، وأن يصلح قادتهم ويصلح لهم البطانة ويجمع كلمتهم على الحق ويوفقهم جميعا للفقه في الدين والجهاد في سبيل رب العالمين حتى يعزهم الله ويرفع عنهم الذل، ويكتب لهم النصر على أعدائه وأعدائهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.

٧ شعبان ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر