الدرس الحادي والأربعون: الحج 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 1682 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من مرَّ على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حاذاه جواً أو براً أو بحراً وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام ، وإذا كان لا يريد حجاً ولا عمرةً فلا يجب عليه أن يحرم ، وإذا جاوزها بدون إرادة حج أو عمرة ، ثم أنشأ الحج أو العمرة من مكة أو جدة فإنه يُحرم بالحج من حيث أنشأ من مكة أو جدة مثلاً ، أما العمرة فإن أنشأها خارج الحرم أحرم من حيث أنشأ ، وإن أنشأها من داخل الحرم فعليه أن يخرج إلى أدنى الحل ويُحرم منه للعمرة والأصل في هذا حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : " وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال : هنَّ لهنَّ ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ لمن كان يريد الحج والعمرة ، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها " متفق عليه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت ، فإني أنتظركما هاهنا ، قالت : فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة ، فجئنا رسول الله وهو في منزله في جوف الليل فقال : هل فرغتِ ؟ قلت : نعم ، فأذن في أصحابه بالرحيل ، فخرج فمرَّ بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة " متفق عليه .

أحرم النبي صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة ، أي أهلَّ بالنسك ولبَّى به منها لا من المدينة ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت المواقيت المكانية لنسك الحج أو العمرة ، فجعل ذا الحليفة ميقاتاً لأهل المدينة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء ويخالفه ، وثبت عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم أنه سمع أباه يقول : " ما أهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد ، يعني مسجد ذي الحليفة " رواه البخاري ومسلم ، واغتسل بذي الحليفة أيضاً لما رُوي عن خارجة بن زيد ابن ثابت عن أبيه " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل " رواه الترمذي وحسنه ، ورُوي عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق " رواه أبو داود والنسائي ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري ، وقال ابن حجر في التلخيص : هو من رواية القاسم عنها ، تفرَّد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه ، والمعافي ثقة . انتهى .

والمعروف أن الجحفة ليست محاذية لجدة ، إنما هي محاذية لرابغ تقريباً ، فيجب على أهل مصر وأهل المغرب أن يُحرموا من رابغ ، أو مما يحاذيها جواً إذا سافروا بالطائرة أو مما يحاذيها بحراً إذا سافروا بالبحر ، وليس لهم أن يؤخروا الإحرام حتى يحرموا من جدة .

وأهل مكة يحرمون للعمرة من خارج الحرم كالتنعيم ، وإذا سكنوا في الهدا وقت الصيف فإنهم يحرمون للعمرة من مكانهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقَّت المواقيت : " ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ ، حتى أهل مكة يهلون من مكة " متفق عليه .

وجدة ليست ميقاتاً لحج أو عمرة إلا للمستوطنين أو المقيمين بها ، وكذا من وصل إليها لحاجة غير عازم على حج أو عمرة ، ثم بدا له أن يحج أو يعتمر ، وميقات أهل اليمن الذين أتوا عن طريق الساحل يلملم المسماة اليوم بالسعدية .

وإذا أخذت عمرة لنفسك ثم تحللت منها وأردت أن تأخذ عمرة لأبيك إذا كان ميتاً أو عاجزاً فإنك تخرج إلى الحل كالتنعيم ، وتحرم بالعمرة منه ولا يجب عليك السفر إلى الميقات ، والتنعيم من الحل أي ما يحل فيه الصيد .

وإذا تجاوز الحاج أو المعتمر ميقات بلده بدون إحرام ، ثم أحرم من ميقات بلد آخر غير ميقات بلده فعليه دم لأنه تجاوز ميقات بلده وأحرم دونه .

وعلى من أراد الإحرام بالعمرة وهو في مكة أو داخل حدود الحرم أن يخرج إلى الحِل التنعيم أو غيره ليحرم بها ، وبهذا قال جمهور العلماء ، بل قال المحب الطبري : لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة .أ.هـ

أنواع الإحرام ثلاثة : الأول الإحرام بالحج فقط ، ومن حجَّ مفرداً فلا يجب عليه هدي ، والثاني الإحرام بالحج والعمرة معاً ، وهذا يسمى قارناً ، ويسمى أيضاً متمتعاً ، ويجب على القارن هدي ، والثالث الإحرام بالعمرة في أشهر الحج ، ويتحلل منها ثم يحج في نفس السنة ، ويُسمى من فعل هذا متمتعاً ، ويجب عليه هدي ، ومن لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه أو محل إقامته ، وأفضل أنواع النسك الثلاثة التمتع بالعمرة إلى الحج ، ولا يجوز تحويل التمتع إلى إفراد ، ويجب في ترك المبيت على غير السقاة والرعاة ومن في حكمهم دم ، وهو شاة ، فإذا لم يجد صام عشرة أيام ، وهذه الشاة تُذبح في الحرم وتوزع على الفقراء ، وهذا هو الأحوط .

ورمي الجمرات بعد منتصف الليل من ليلة العيد فنرجو أن لا يكون به بأس ، ولو أنك أخَّرت الرمي إلى ما بعد طلوع الشمس من يوم العيد لكان ذلك أوفق للسنة .

إذا كان تحول نيتك من الإحرام بالحج والعمرة معاً إلى الإحرام بالحج فقط حصل قبل الإحرام فلا شيء عليك ، وإن كان ذلك بعد عقد الإحرام بالحج والعمرة فلا يُسقط ذلك عنك حكم القران ، ودخلت أعمال عمرتك في أعمال حجك ، وعليك هدي التمتع .

لو أخذ عمرة في رمضان ، وعند الميقات قال لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج ، فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني وأخذ في مكة ثلاثة أيام ثم رجع إلى عمله ، وفي وقت الحج لم يتمكن من الحج فلا شيء عليه ، فالعمرة في رمضان رغَّب فيها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنها ليست العمرة التي يتمتع بها إلى الحج ، بل التي يتمتع بها إلى الحج هي التي يُؤتى بها في أشهر الحج ، وهي شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذي الحجة ، ثم يحج من عامه .

دَيْن الدولة الذي على الشخص لا يمنع من الحج .

إذا ذهبت إلى مكة للحج فاعتمرت عن نفسك وبعد تحللك من عمرتك بالحلق أو التقصير بعد الطواف والسعي فاعتمرت عن أمك فعمرتك صحيحة .

وما كان من الذنوب دون الكفر الأكبر لا يُحبط الأعمال الصالحة ، ولكن تكون المقاصة بين حسنات وسيئات من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً ما لم يتب منها .

إذا كان لبس الإزار والرداء ولم ينوِ الدخول في الحج أو العمرة ولم يُلبِّ بذلك فهو بالخيار إن شاء دخل في الحج أو العمرة ، وإن شاء ترك ذلك ، ولا حرج عليه إذا كان قد أدَّى حجة وعمرة الإسلام ، أما إن كان قد نوى الدخول في الحج أو العمرة فليس له فسخ ذلك والرجوع عنه ، بل يجب عليه أن يكمل ما أحرم به على الوجه الشرعي لقوله سبحانه " وَأَتِمُّواْ ٱلحَجَّ وَٱلعُمْرَةَ لِلَّهِۚ " البقرة 196 ، وبهذا يتضح لك أن المسلم إذا دخل في حج أو عمرة بالنية فليس له رفض ذلك ، بل يجب عليه أن يكمل ما شرع فيه للآية الكريمة المذكورة ، إلا أن يكون قد اشترط ، وحصل المانع الذي خاف منه فله أن يتحلل لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير لما قالت : يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية ، قال " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني " .

إذا أراد مريد النسك للعمرة أو الحج التطيب عند الإحرام قبل التلبية بالحج أو العمرة فله ذلك ، والأولى أن يكون بعد الاغتسال لقول عائشة رضي الله عنها : " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحله قبل أن يطوف بالبيت " متفق على صحته .

يجوز لمن أحرم بالحج أو العمرة أن يلبس الحزام والحذاء ، ولو كانا مخيطين بالماكينة ، وقد أمرنا الله على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بارتداء الإزار والرداء في الحج وفي العمرة لحكمة يعلمها ، فوجب علينا الامتثال رجاء الثواب ، سواء علمنا الحكمة أم لم نعلمها ، ومما ذكره العلماء في ذلك التذكير بحال الناس يوم النشور يوم القيامة ، وإشعار الحاج بالتواضع والتساوي بين الغني والفقير .

وإذا رغبت أن تحج لشخص متوفي وأنت لا تعرف اسمه فتكفي النية وإن لم تعرف الاسم .

الحيض لا يمنع من الحج ، وعلى من تحرم وهي حائض أن تأتي بأعمال الحج ، غير أنها لا تطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت ، وهكذا النفساء ، فإذا جاءت بأركان الحج فحجها صحيح .

الواجب على من نوى العمرة ثم مرَّ بالميقات أن يحرم منه ، ولا يجوز له مجاوزته بدون إحرام ، ومن تجاوزه فعليه دم وهو ذبح شاة تجزئ في الأضحية تُذبح بمكة المكرمة ، وتُقَسَّم على فقرائها ، ولا تأكلوا منها شيئاً ، أما ترك صلاة ركعتين بعد لبس الإحرام فلا حرج عليكم في ذلك .

إذا أحرم الحاج بملابسه لدعاء الحاجة إلى ذلك بسبب برد ومرض ونحو ذلك فهو مأذون له في ذلك شرعاً ، والواجب عليه بالنسبة إلى لبس المخيط صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد ، أو ذبح شاة وكذلك الحكم إذا غطَّى رأسه ، ويجزئه الصيام في كل مكان ، أما الإطعام والشاة فإن محلها الحرم المكي .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

12 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر