الدرس الحادي عشر: أمارات الساعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 9 شعبان 1436هـ | عدد الزيارات: 2142 القسم: شرح كتاب الأربعين النووية -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ) رواه مسلم

تحدثنا في الدرس الماضي عن الإحسان واليوم نختم الحديث بذكر أماراتها ثم الفوائد

قال جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر له الإحسان "فأخبرني عن الساعة" ولم يعد قوله صدقت اكتفاء بالأولى.

والساعة وقت مجيء يوم القيامة وهي قيام الناس من قبورهم لرب العالمين، يعني البعث، وسميت ساعة لأنها داهية عظيمة، قال الله عزّ وجل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" (الحج 1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" مَا المَسْؤُوْلُ عَنْهَا" يعني نفسه صلى الله عليه وسلم "بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" يعني جبريل عليه السلام، والمعنى: إذا كنت تجهلها فأنا أجهلها ولا أستطيع أن أخبرك بها، لأن علم الساعة مما اختص الله به عزّ وجل ، قال الله تعالى:" يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ".(الأحزاب 63)

ولَمَا قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال جبريل عليه السلام " فأخْبِرْنِي عَنِ أَمَارَاتِهَا" أي علامات قربها، لأن الأمارة بمعنى العلامة، والمراد أمارات قربها وهو ما يعرف بالأشراط، قال الله عزّ وجل "فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا"(محمد 18) وأشراط الساعة قسّمها العلماء إلى ثلاثة أقسام

أولاً: علامات وقعت وهي الصغرى منها

بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

وفاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

انشقاق القمر

فتح بيت المقدس

إخباره صلى الله عليه وسلم عن معركة صفين

القسم الثاني: علامات لم تزل تتجدد وهي الوسطى منها

ظهور الخوارج

ظهور أدعياء النبوة

ظهور رجال يضربون الناس بالسياط وهم الشرط

كثرة الهرج أي القتل

ضياع الأمانة

اتباع سنن الأمم الماضية

ظهور الكاسيات العاريات

تطاول الحفاة العراة رعاة الشاء بالبنيان

شهادة الزور

كتمان شهادة الحق

فشو التجارة

ظهور الجهل

كثرة الشح والبخل

قطيعة الرحم

ظهور الفحش

عدم المبالاة بمصادر المال من حلال أم من حرام

أن يتخذ الفيء دولا

أن تكون الأمانة مغنماً

تعلم العلم لغير الله

طاعة الزوجة وعقوق الأم

رفع الأصوات في المساجد

يكون زعيم القوم أرذلهم

إكرام الرجل إتقاء شره

استحلال الزنا

استحلال الحرير للرجال

استحلال الخمر

استحلال المعازف

تمني الناس الموت

مجيء زمان يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً

زخرفة المساجد والتباهي بها

زمان يكثر فيه القراء ويقل فيه الفقهاء والعلماء

التماس العلم عند الأصاغر

موت الفجأة

أن ينطق الرويبضة

أن يصبح أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع

تداعي الأمم على الأمة الإسلامية

ظهور الفاحشة والمجاهرة بها

يكثر في الناس السمن

ظهور قوم يشهدون ولا يستشهدون

القوي يأكل الضعيف

ترك الحكم بما أنزل الله

كثرة الروم وقلة العرب

القسم الثالث: أشراط كبرى تكون عند قرب قيام الساعة منها

اخراج الأرض كنوزها

قتال المسلمين لليهود

رفع القرآن من الصدور

جيش يغزو البيت يخسف بأوله وآخره

هدم الكعبة على يد رجل من الحبشة

بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين

لعن آخر الأمة أولها

ظهور المهدي

الدخان

خروج الدجال

خروج الدابة

طلوع الشمس من مغربها

نزول عيسى ابن مريم عليه السلام

خروج يأجوج ومأجوج

ثلاث خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب

ومن علامات الساعة ما ذكره صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم "أن تلد الأمة ربتها" وفي لفظ ربها" والمعنى: أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ أي الرقيقة المملوكة رَبَّهَا أي سيدها، أو: ربَّتَهَا أي سيدتها وكلا اللفظين محفوظ فالمراد به أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسري فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه فمن علامات الساعة كثرة اتخاذ الإماء ووطئهن بملك اليمين فيأتين بأولادهم أحرار كأبائهم

مثال على التسري مارية القبطية أهداها ملك مصر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فتسرى بها وأنجبت ابنه إبراهيم ومات عليه الصلاة والسلام وهي على الرق فهي ليست من أمهات المؤمنين حيث لم يعتقها كما فعل مع صفية تزوجها وجعل صداقها إعتاقها وكانت أسيرة حرب من أب يهودي صفية بنت حيي رضي الله عنها

فهذه العلامة من العلامات التي وقعت في عهد الصحابة فهي من القسم الأول أما في الوقت الراهن ألغي الرق من جميع دول العالم

وقوله صلى الله عليه وسلم"أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" هذا يكون في القسم الثاني العلامات التي ما زالت تتجدد وهي الوسطى

الحفاة: يعني ليس لهم نعال، والعراة: أي ليس لهم ثياب تكسوهم وتكفيهم، العالة: أي ليس عندهم ما يأكلون من النفقة أو السكنى أو ما أشبه ذلك

عالة أي فقراء

قوله صلى الله عليه وسلم "يَتَطَاوَلُوْنَ في البُنْيَانِ" يبنون الأبنية العالية تفاخراً ورياءً

فقوله " يَتَطَاوَلُوْنَ في البُنْيَانِ" أي يكونون أغنياء حتى يتطاولون في البنيان أيهم أطول وهم في الأول فقراء لا يجدون شيئاً، لكن تغير الحال بسرعة مما يدل على قرب الساعة

وهذا التطاول يكون بالارتفاع والحسن والجمال

قول عمر "ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَليّاً" ملياً وهي بتشديد الياء أي زماناً كثيراً وكان ذلك ثلاثاً هكذا جاء مبيناً في رواية أبي داود وغيره

فَلَبِثْتُ مَليّاً: أي مدة طويلة كما في قوله تعالى "وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً" أي مدة طويلة

قوله "ثُمَّ قَالَ: يَاعُمَرُ " والقائل النبي صلى الله عليه وسلم " أتَدْرِيْ من السَّائِل؟ قُلتُ: اللهُ وَرَسُوْله أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ "ولعل النبي صلى الله عليه وسلم وجد عمر فيما بعد وسأله: أتدري من السائل: أي أتعلم من هو، فَقَالَ عُمَرُ:" اللهُ وَرَسُوْلهُ أَعْلَمُ " وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه لا علم له من هذا السائل.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم "فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ" الإشارة هنا إلى شيء معلوم بالذهن، أي هذا جبريل "أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكَمُ" لكنه جاء بهذه الصيغة أي صيغة السؤال والجواب لأنه أمكن في النفس وأقوى في التأثير

من فوائد هذا الحديث

أولاً: بيان حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يجلس مع أصحابه ويجلسون إليه

ثانياً: جواز جلوس الأصحاب إلى شيخهم ومن يفوقهم

ثالثاً: أن الملائكة عليهم السلام يمكن أن يتشكلوا بأشكال غير أشكال الملائكة

رابعاً: الأدب مع المعلم كما فعل جبريل عليه السلام

خامساً: جواز التورية لقوله: يا مُحَمَّد

سادساً: فضيلة الإسلام،وأنه ينبغي أن يكون أول ما يسأل عنه

سابعاً: أن أركان الإسلام هي هذه الخمسة

ثامناً: فضل الصلاة وأنها مقدمة على غيرها بعد الشهادتين

تاسعاً: الحث على إقامة الصلاة

عاشراً: أن إيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من أركان الإسلام

الحادي عشر: الانتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالإسلام بالنسبة للإيمان أدنى

الثاني عشر: أن الإسلام غير الإيمان

الثالث عشر: أن أركان الإيمان ستة

الرابع عشر: أن من أنكر واحداً من هذه الأركان الستة فهو كافر

الخامس عشر: إثبات الملائكة وأنه يجب الإيمان بهم

السادس عشر: أنه لابد من الإيمان بجميع الرسل

السابع عشر: إثبات اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة

الثامن عشر: أن تؤمن بالقدر خيره وشره

التاسع عشر: أن القدر ليس فيه شر، وإنما الشر في المقدور

العشرون: أن الساعة لا يعلمها أحد إلا الله

الحادي والعشرون: عظم الساعة

الثاني والعشرون: أننا إذا كنا لانعلم الشيء فإننا نطلب ما يكون من علاماته

الثالث والعشرون: ضرب المثل

الرابع والعشرون: أن الملائكة يمشون إذا تحولوا إلى بشر

الخامس والعشرون: إلقاء العالم على طلبته ما يخفى عليهم

السادس والعشرون: أن السائل عن العلم يكون معلماً لمن سمع الجواب

السابع والعشرون: أن السبب إذا بني عليه الحكم صار الحكم للسبب

لو شهد رجلان على شخص بما يوجب قتله من ردة أو حرابة، ثم حكم القاضي بذلك وقتل هذا الشخص ثم رجعوا وقالوا: تعمدنا قتله،فإن هؤلاء الشهود يقتلون، لأن الحكم مبني على شهادتهم وهم السبب

الثامن والعشرون: أن ما ذكر في هذا الحديث هو الدين، لقوله صلى الله عليه وسلم "يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ" على سبيل الإجمال

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1436/8/9 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر