الدرس الثامن والثلاثون : باب صلاة الجماعة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 5 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1864 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "باب صلاة الجماعة" صلاة الجماعة مشروعة بإجماع المسلمين وهي من أفضل العبادات وأجل الطاعات ولم يخالف فيها إلا الرافضة الذين قالوا إنه لا جماعة إلا خلف إمام معصوم ولا شك أن هذا قول باطل ولا غرابة في ذلك فهم يخالفون أهل السنة في العقيدة ولهذا لا يصلون جمعة ولا جماعة قال فيهم شيخ الإسلام رحمه الله "إنهم هجروا المساجد وعمروا المشاهد" أي القبور فهم لا يرون الجماعة

قوله "تلزم الرجال للصلوات الخمس لا شرط" ودليل وجوبها قوله تعالى "وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ" النساء (102) ، فلتقم: اللام للأمر والأصل في الأمر الوجوب ويؤكد أن الأمر للوجوب هنا أنه أمر بها مع الخوف "وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ" النساء (102) ووجه ذلك أنها لو كانت فرض كفاية لسقط الفرض بصلاة الطائفة الأولى أما السنة فالأدلة فيها كثيرة منها

أولاً: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والذي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بحَطَبٍ، فيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلاَةِ، فيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ" أخرجه البخاري فقد هم بذلك لكنه لم يفعل والذي منعه والعلم عند الله أنه لا يعاقب بالنار إلا رب النار عز وجل

ثانياً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قالَ "أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقالَ يا رَسولَ اللهِ، إنَّه ليسَ لي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى المَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ له، فيُصَلِّيَ في بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ له، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقالَ "هلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بالصَّلَاةِ؟" قالَ نَعَمْ، قالَ "فأجِبْ" أخرجه مسلم

ثالثا: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال "وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ" أخرجه مسلم

فالرجل المريض يؤتى به يمشي بين الرَجُلين حتى يقام في الصف دل ذلك على الوجوب

قوله "للصلوات الخمس" وهي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ودليل الوجوب حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال "عَرَّسْنَا مع نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ برَأْسِ رَاحِلَتِهِ؛ فإنَّ هذا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فيه الشَّيْطَانُ، قالَ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بالمَاءِ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْن "وفي رواية" ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ- ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الغَدَاةَ" رواه مسلم

قوله "لا شرط" أي أن الجماعة ليست شرطا في صحة الصلاة فلو صلى الإنسان وحده بلا عذر فصلاته صحيحة لكنه آثم لتركه الواجب وهذا هو قول الجمهور

قوله "وله فعلها في بيته" أي يجوز أن يصلي الجماعة في بيته ويدع المسجد ولو كان قريباً منه ولكن المسجد أفضل بلا شك وإنما لو فعلها ببيته فهو جائز والصحيح أنها تجب في المسجد لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي ﷺ قال "والذي نفسي بيده لقد ههمت أن آمر بحطب ...إلخ" أخرجه البخاري

قوله "وتستحب صلاة أهل الثغر في مسجد واحد" أهل الثغر هم الذين يقيمون على حدود البلاد الإسلامية يحمونها من الكفار فالأفضل لهم أن يصلوا في مسجد واحد لأنهم إذا صلوا في مسجد واحد صاروا أكثر جمعاً وحصلت بهم الهيبة بشرط أن يأمنوا العدو وإلا فلا

قوله "والأفضل لغيرهم في المسجد الذي تقام فيه الجماعة إلا بحضوره" يعني أن الأفضل لغير أهل الثغر أن يصلي في المسجد الذي تقام فيه الجماعة إذا حضر ولا تقام إذا لم يحضر مثال ذلك إذا كان هناك مسجد قائم يصلي فيه الناس لكن فيه رجل إن حضر وصار إماماً اقيمت الجماعة وإن لم يحضر تفرق الناس فا الأفضل لهذا الرجل أن يصلي في هذا المسجد

قوله "ثم ما كان أكثر جماعة" أي ثم يلي ما سبق الصلاة في مسجد أكثر جماعة مثال ذلك لو قدر أن هناك مسجدين أحدهما أكثر جماعة من الآخر فالأفضل أن يذهب للأكثر جماعة لقول النبي ﷺ "صلاةُ الرَّجلِ معَ الرَّجلِ أزْكى من صلاتِهِ وحدَهُ وصلاةُ الرَّجلِ معَ الرَّجلينِ أزْكى من صلاتِهِ معَ الرَّجلِ وما كانوا أَكثرَ فَهوَ أحبُّ إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ" صحيح النسائي للألباني

قوله "ثم المسجد العتيق" أي القديم أولى من الجديد لأن الطاعة فيه أقدم فكان أولى بالمراعاة من الجديد ولا دليل للمصنف على تفضيل المكان بتقدم الطاعة فيه

قوله "وأبعد أولى من أقرب" يعني إذا استوى المسجدان فيما سبق وكان أحدهما أبعد عن مكان الرجل فالأبعد أولى من الأقرب والصواب أن الأفضل أن تصلي في ما حولك من المساجد لأن هذا سبب لعمارته والتأليف للإمام وأهل الحي ويندفع به ما قد يكون في قلب الإمام إذا لم تصل معه لا سيما إذا كنت رجالاً لك اعتبارك إلا أن يمتاز أحد المساجد بخاصية فيه فيقدم مثل لو كنت في مكة أو في المدينة فالأفضل أن تصلي في المسجد الحرام في مكة وفي المسجد النبوي في المدينة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/5 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر