الدرس السابع الثلاثون : سجود الشُّكْرِ

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2059 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "ويستحب سجود الشكرِ" إذا قال العلماء يستحبُّ أو يسنُّ فإن حكم ذلك: أن يُثاب فاعلُه امتثالاً، ولا يعاقب تاركُه إذاً سجود الشُّكر إنْ فعلته أُثِبْتَ، وإنْ تركته لم تأثم والشُّكر في الأصل هو: الاعترافُ بالنِّعَمِ باللسان، والإقرارُ بها بالقلب، والقيامُ بطاعة المُنْعِمِ بالجوارح وعلى هذا قال الشَّاعرُ

أفادتكم النَّعماءُ مِنِّي ثلاثة

يدي ولساني والضَّمير المحجَّبا

فـ "يدي" الجوارح - "ولساني" اللسان - "والضمير المحجب" هو القلب فتعتقد بقلبك أن النِّعمة مِن الله، وتنطق بذلك بلسانك "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ" الضحى(11)

قوله"عند تجدد النعم" أي عند النِّعمة الجديدة احترازاً مِن النِّعمة المستمرَّة فالنِّعمة المستمرَّة لو قلنا للإنسان إنه يستحبُّ أنْ يسجدَ لها لكان الإنسانُ دائماً في سُجود لأن الله يقول "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا" النحل (18) والنعمة المستمرَّة دائماً مع الإنسان فسلامةُ السمعِ وسلامةُ البصرِ وسلامةُ النُّطقِ وسلامةُ الجسم كلُّ هذا مِن النِّعَمِ والتنفُّس مِن النِّعَم وغير ذلك ولهذا نقول سجود الشكر عند تجدد النعم مثال ذلك إنسان نجح في الاختبار وهو مُشفِقٌ أنْ لا ينجح فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لها مثال آخر إنسانٌ سَمِعَ انتصاراً للمسلمين في أيِّ مكانٍ فهذا تجدُّد نِعمةٍ يسجدُ لله مثال آخر إنسانٌ بُشِّر بولد هذا تجدُّد نِعمة يُسجدُ لها وعلى هذا فَقِسْ

قوله "وانْدِفَاعِ النِّقَمِ" أي التي وُجِدَ سببُها فَسَلِمَ منها مثال ذلك رجل حَصَلَ له حادث في السيارة وهو يسير وانقلبت وخرجَ سالماً فهنا يسجدُ لأنَّ هذه النقمة وُجِدَ سببُها وهو الانقلاب لكنه سَلِمَ مثال آخر إنسان اشتعل في بيته حريق فَيَسَّرَ اللهُ القضاء عليه وأطفأه فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يَسجدُ لله تعالى شكراً مثال آخر إنسانٌ سَقَطَ في بئر فَخَرَجَ سالماً فهذا اندفاعُ نِقْمَةٍ يسجدُ لله شُكراً عليها

قوله "وتبطل به صلاة غير جاهل وناسٍ" أي مَن سَجَدَ سَجْدةً الشُّكر عالماً بالحُكم ذاكِراً له فإنَّ صلاتَه تبطُلُ مثال ذلك رَجُلٌ وهو يُصلِّي سَمِعَ انتصار المسلمين في معركة مِن المعارك فَسَجَدَ، نقول لهذا السَّاجد إنْ كنت تعلم أنَّ سُجود الشُّكر في الصَّلاة يُبطِلُ الصَّلاة فصلاتُك باطلة لأنك زِدت فيها شيئاً متعمِّداً مِن جنس الصَّلاة، وإنْ كنت لا تدري أنَّ سُجود الشُّكر في الصَّلاة مُبطلٌ لها فصلاتُك صحيحة؛ لقوله تعالى "رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا" البقرة (286) وكذلك لو بُشِّرَ بخبر سارٍ وهو يُصلِّي فسجَدَ ناسياً أَنَّه لا يجوزُ سُجودُ الشُّكرِ في الصَّلاة، أو ناسياً أنَّه في الصَّلاةِ، فإنَّ صلاتَه لا تبطلُ

قوله "وَأَوْقَاتُ النَّهْي خمسة من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس" أي عن التطوعِ

الأول: مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ومعلوم أن الفجرُ الأوَّلُ يبدو قبلَ الفجرِ الثَّاني بنحو نصفِ ساعة، ثم يضمحلُّ، ويرجع الجوُّ مظلماً، ثم يخرجُ الفجرُ الثاني والفروق بينهما أنَّ الفجرَ الثاني تجدُه على وجه الأرض، والفجرُ الأولُ بينه وبين أسفل السَّماء سواد

ثانياً: قوله "ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح" يعني قدر رمح برأي العين فإذا طلعت الشمس فانظر إليها فإذا ارتفعت قدر رمح يعني قدر متر تقريباً في رأي العين فحينئذ خرج وقت النهي ويقدر بالنسبة للساعات بخمس عشرة دقيقة

ثالثاُ: قوله "وعند قيامها حتى تزول" عند قيامها أي الشمس حتى تزول وقيامها أي منتهى ارتفاعها في الأفق لأن الشمس ترتفع في الأفق فإذا انتهت بدأت في الانخفاض ودليل ذلك حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال "ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ" أخرجه مسلم

رابعاً: قوله "ومن صلاة العصر إلى غروبها" لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله ﷺ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وبَعْدَ العَصْرِ حتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ"

خامساً: قوله "وإذا شرعت فيه حتى يتم" أي في الغروب حتى يتم أي قرص الشمس إذا دنا من الغروب يبدو ظاهراً بيناً كبيراً واسعاً فإذا بدأ أوله يغيب فهذا وقت النهي إلى تمام الغروب لقوله في حديث عقبة "وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ" ومعنى تَضَيَّفُ أي تميل للغروب فهذه خمسة أوقات بالبسط وثلاثة بالاختصار من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح وحين يقوم قائم الظهيرة ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس

قوله "ويجوز قضاء الفرائض فيها" أي في أوقات النهي مثاله أن ينسى الإنسان صلاة الظهر ويصلي العصر على أنه قد صلى الظهر وبعد أن صلى العصر ذكر أنه لم يصل الظهر ففي هذه الحالة يقضيها ولو بعد صلاة العصر والدليل قوله صلى الله عليه وسلم "مَن نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا" رواه ملسم عن أنس بن مالك رضي الله عنه

قوله "وفي الأوقات الثلاثة فعل ركعتي طواف" أي ويجوز في الأوقات الثلاثة فعل ركعتي طواف ويعني بالأوقات الثلاثة الاوقات القصيرة التي ذكرت في حديث عقبة وهي حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حتَّى تَغْرُبَ و لقول النبي ﷺ "يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ لا تَمْنَعُوا أحدًا طَافَ بهِذا البيتِ وصلَّى أَيَّةَ ساعَةٍ شاءَ من لَيْلٍ أوْ نَهارٍ" صحيح الترمذي للألباني

قوله "وإعادة جماعة" أي أنه يجوز في هذه الأوقات الثلاثة وغيرها من باب أولى أن يعيد الإنسان الجماعة فإذا أتى مسجد جماعة ووجدهم يصلون وقد صلى فإنه يصلي معهم ولو كان وقت نهي والدليل حديث يزيد بن الأسود العامري "شَهِدْتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةَ الفَجرِ في مَسجدِ الخيفِ، فلمَّا قَضى صلاتَهُ إذْ هوَ برجُلَيْنِ في آخرِ القَومِ لم يُصلِّيا معَهُ قالَ عليَّ بِهِما فأتى بِهِما ترعدُ فرائصُهُما فقالَ ما مَنعَكُما أن تصلِّيا معَنا قالا يا رسولَ اللَّهِ إنَّا قد صلَّينا في رِحالنا قالَ فلا تفعَلا، إذا صلَّيتُما في رِحالِكُما، ثمَّ أتيتُما مَسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معَهُم ، فإنَّها لَكُما نافِلةٌ" صحيح النسائي للألباني وهذا صريح في جواز إعادة الجماعة في وقت النهي وفي هذا الحديث دليل على أنه ينكر على من جلس والناس يصلون لأنه شذوذ وخروج عن الجماعة

قوله "ويحرم تطوع بغيرها في شيء من الأوقات الخمسة حتى ما له سبب"

قوله "ويحرم تطوع بغيرها" أي بغير المتقدمات من إعادة الجماعة وركعتي الطواف

قوله "حتى ما له سبب" أي لا يجوز التطوع في هذه الأوقات حتى الذي له سبب

والقول الصحيح في هذه المسألة أن ماله سبب يجوز فعله في أوقات النهي كلها الطويلة والقصيرة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر