الدرس السادس والثلاثون سجود التلاوة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 2503 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "سجود التلاوة صلاة" الصحيح ليس بصلاة فالأحاديث الواردة في سجود التلاوة ليس فيها إلا مجرد السجود فقط "يسجد ونسجد معه" رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وليس فيه تسليم فلم يرد في حديث ضعيف ولا صحيح أنه سلم من سجدة التلاوة وإذا لم يصح فيه تسليم لم يكن صلاة لأن الصلاة لا بد أن تكون مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم وهذا اختيار شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله فابن تيمية وابن حزم لا يرون سجود التلاوة صلاة وبناء على ذلك لا يشترط لسجود التلاوة طهارة ولا ستر عورة ولا استقبال قبلة فيجوز إن يسجد ولو كان محدثاً حدثاً أصغر وقد أطال ابن القيم رحمه الله بحث هذه المسألة في تهذيب السنن ج 1 ص 53- 56 ، ورجح عدم الاشتراط فالصواب كما ذكرنا آنفا ما ذهب إليه شيخ الإٍسلام ابن تيمية من أن سجود التلاوة ليس بصلاة ولا يشترط له ما يشترط للصلاة فلو كنت تقرأ القرآن عن ظهر قلب وأنت غير متوضئ ومررت بأية سجدة تسجد ولا حرج

قوله "ويسن للقارئ والمستمع دون السامع" سجود التلاوة سنة وهو مذهب الأئمة الثلاثة أحمد بن حنبل والشافعي والإمام مالك فهو سنة وليس بواجب والدليل على ذلك

أولاً : "أن عَطَاء بن يسارٍ سَأَلَ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَزَعَمَ أنَّه قَرَأَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "والنَّجْمِ" فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا" أخرجه البخاري ومسلم ولو كان السجود واجباً لم يقره النبي صلى الله عليه وسلم على ترك السجود

ثانياً : "كانَ رَبِيعَةُ مِن خِيَارِ النَّاسِ، عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قَرَأَ يَومَ الجُمُعَةِ علَى المِنْبَرِ بسُورَةِ النَّحْلِ حتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وسَجَدَ النَّاسُ حتَّى إذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بهَا، حتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قالَ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّا نَمُرُّ بالسُّجُودِ، فمَن سَجَدَ، فقَدْ أصَابَ ومَن لَمْ يَسْجُدْ، فلا إثْمَ عليه ولَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه وزَادَ نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إلَّا أنْ نَشَاءَ" أخرجه البخاري

قوله "والمستمع دون السامع" يسن للمستمع أن يسجد دون السامع ودليل المستمع حديث ابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه حيث كانوا يسجدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أما السامع فلا يسجد والفرق بين المستمع والسامع أن المستمع هو الذي ينصت للقارئ ويتابعه في الاستماع والسامع هو الذي يسمع الشيء بدون أن ينصت إليه ولهذا لو سمع الإنسان صوت آلة لهو سماعاً فقط لا يأثم إذا لم تكن بحضوره ولو استمع إليها لأثم

مثال السامع : إنسان مر بالسوق وفيه آلة لهو تشتغل بأغان وغيرها

ومثال المستمع : إنسان آخر لما سمع هذه الملاهي جلس يستمع إليها

وكذلك السامع بالنسبة لقراءة القرآن هو الذي مر وقارئ القرآن يقرأ فمر بآية سجدة فلا يسن له أن يسجد لأنه ليس له حكم القارئ أما المستمع فيسجد لأن له حكم القارئ والدليل حديث ابن عمر " أن الصحابة كانوا يسجدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والدليل على أن المستمع له حكم الناطق أن موسى صلى الله عليه وسلم قال "رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" يونس (88-89) فقوله تعالى "دعوتكما" مثنى والقائل واحد وهو موسى فمن أين جاءت التثنية قال العلماء لأن موسى يدعو وهارون يستمع ويؤمن فجعل الله تعالى للمستمع حكم المتكلم الداعي فإذا قال قائل كيف لا يسن للسامع وقد سمع آية السجود وسجد القارئ ؟ نقول لأنه لا يلحقه حكم القارئ فليس له ثوابه ولا يطالب بما يطالب به القارئ

قوله "وإن لم يسجد القارئ لم يسجد" أي إن لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع لأن سجود المستمع تبع لسجود القارئ فالقارئ أصل والمستمع فرع ودليل ذلك حديث زيد بن ثابت أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم فلم يسجد فيها . أخرجه البخاري فقوله قرأ سورة النجم فلم يسجد فيها ، يدل على أن زيد بن ثابت لم يسجد لأنه لو سجد لسجد النبي صلى الله عليه وسلم كما كان الصحابة يسجدون مع الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم فلم يقل لا تسجدوا لأنكم لم تقرأوا بل كان يقرهم فحديث زيد بن ثابت يستدل به على أنه إذا لم يسجد القارئ لم يسجد المستمع

قوله "وهو أربع عشرة سجدة" أي أن آيات السجود التي في القرآن أربع عشرة سجدة على قول المصنف

قوله "في الحج منها اثنتان" وتفصيلها كما يأتي :-

أولاً: في قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ" الأعراف (206)

ثانياً: في قوله تعالى "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" الرعد (15)

ثالثاً: في قوله تعالى"وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" النحل (49)

رابعاً: في قوله تعالى"قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا" الإسراء (107)

خامساً: في قوله تعالى "أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" مريم (59)

سادساً: في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ" الحج (18)

سابعاً:في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الحج (77)

ثامناً: في قوله تعالى "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَٰنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا" الفرقان (60)

تاسعاً: في قوله تعالى "أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ" النمل (25)

عاشراً: في قوله تعالى "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" السجدة (15)

الحادي عشر: في قوله تعالى "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" فصلت (37)

الثاني عشر: في قوله تعالى "فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا" النجم (62)

الثالث عشر: في قوله تعالى "وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ" الإنشقاق(21)

الرابع عشر: في قوله تعالى "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب" العلق(19)

الخامس عشر: في قوله تعالى "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" ص (24) ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما "ص ليسَ مِن عَزَائِمِ السُّجُودِ، وقدْ رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْجُدُ فِيهَا" رواه البخاري والصحيح أنها سجدة تلاوة وعلى هذا فتكون السجدات خمس عشرة سجدة

قوله "ويكبر إذا سجد وإذا رفع" السنة تدل على أنه ليس فيه تكبير عند الرفع ولا سلام إلا إذا كان في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ويكبر إذا رفع لأن له حكم الصلاة لأنه ﷺ "كانَ يُكَبِّرُ كُلَّما رَفَعَ وكُلَّما وضَعَ" رواه البخاري فيدخل في هذا العموم سجود التلاوة

قوله "ويجلس ويسلم ولا يتشهد" ولا دليل للمصنف على هذا القول ولم يذكر المصنف رحمه الله ماذا يقول في هذا السجود؟

والجواب يقول "سبحان ربي الأعلى" لأن النبي ﷺ "يقولُ في رُكوعِه سُبحانَ رَبِّيَ العَظيمِ وفي سُجودِه سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى" صححه الألباني في إرواء الغليل وهذا يشمل السجود في الصلاة وسجود التلاوة" وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها "كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي""

قوله "ويكره للإمام قراءة سجدة في صلاة سر وسجوده فيها" والصواب أن يقرأ ولا يسجد لأنه إذا قرأ ولم يسجد لم يأتِ مكروها

قوله "ويلزم المأموم متابعته في غيرها" أي يلزم المأموم إذا سجد إمامه أن يتابعه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/4/4 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر