عتاب الله للسلف

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 1928 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله أوضح للعباد طريق الرشاد، أحمده سبحانه وهو الرقيب على العباد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله شفيع المؤمنين يوم التناد، صلى اللهم وسلم عليه وعلى آله وصحبه

أما بعد

عباد الله : العتاب وسيلة من وسائل التقويم خفيف المحمل له الأثر الفعال في استنهاض الهمم وتوجيه النفوس إلى الأفضل والأمثل مما يجب المصير إليه والأخذ به لصلاح الحال والمآل، ولقد كان تقويم الله للمؤمنين في صدر الإسلام، عندما استبطأ قلوبهم في الإقبال عليه والخشوع عند ذكره، أن عاتبهم، موقظًا شعورهم نحو ما يجب عليهم من تلقي إشعاع هذا الدين ونور الحق وهداية القرآن الكريم بالخشوع الكامل الذي يعبر عنه بالاستسلام والإذعان الشامل لكل ما جاء عن الله من تشريع وأحكام، والأخذ به في حزم وعزم دون كلل أو إهمال وملل مهما تقادم العهد وطال الزمان وحذرهم أن يكونوا كسابقيهم من الأمم ممن ذم الله صنيعهم حين اعرضوا عن هداية كتبهم المنزلة وبدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فقست منهم القلوب ووصمهم الله بالفسق على سوء فعالهم امعاناً في التنفير من سلوك سبيلهم قال تعالى "ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ"الحديد:16. قال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين" مع أن الدين كان طريًا في قلوبهم، وكان الوازع الديني قويًا في نفوسهم ورقيبًا عليهم، لا يسرعون إلى معصية، بل لديهم الرغبة في الطاعة

فكيف بالناس في أعقاب الزمن، وقد بعدوا كثيرًا عن عصر التنزيل وضعف فيهم الوازع الديني، وأضحت العبادات المشروعة لهم رسومًا تؤدّى دون أن تتأثر بها القلوب وتخشع، فيكون لها الأثر المحمود في صقل النفوس واستصلاح فاسدها

فالصلاة مثلاً من أبرز آثارها مباعدة المسلم عن الزلل وعصمته من التردي في مزالق الرذيلة، كما قال تعالى "إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ"العنكبوت:45. ولكنّ الملاحظ في البعض من المسلمين أن لا أثر لهذه التزكية في نفسه، تراه يجترئ على المعصية في إصرار وعناد ومباعدة عن التوبة ، أو يستمرئ الحرام في كسبه، كمن يسارع في أكل الرشوة التي تفسد الضمائر وتخدش الدين أو يحتال على أكل الربا بما في ذلك من فوائد البنوك التي توعد الله عليه بأعظم عقوبة كما قال تعالى "فإن لم تفعلوا"البقرة:24. أي تذروا الربا "فأذنوا بحرب من الله ورسوله"البقرة:279.

أو يغشّ في البيع ويدلّس ويحلف على السلعة الأيمان الكاذبة لترويجها كل ذلك مما يشعر أن الصلاة لم تؤدِ ثمارَها؛ لأن المصلي لم يأت بحقيقتها، بل أتى بحركات من ركوع وسجود، جريًا على العادة، دون أن يستشعر فيها عظمة الباري جل وعلا، فيخشع ويذل لعظمته ويتلذذ بمناجاته فلما فقد جوهر الصلاة فقد أثرها، فلم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر وكذلك الصوم والحج وكل عبادة تعبَّد الله بها العباد، لم يعد لها الأثر المطلوب في تزكية النفوس والارتفاع بها عن مجالات الإثم ومزالق الرذيلة لأنها أضحت شكليات لم تؤدَّ على حقيقتها؛ لذا كان العتاب الذي عاتب الله به صفوة الأمة في الماضي لا يزال قائمًا على الأمة في أعقاب الزمان، بل هو بالنسبة للخلف أعظم وجوبًا وأكثر تطلباً وإن النهي الصريح في الآية الكريمة عن تقليد أهل الكتاب في انصرافهم عن العمل بالكتب السماوية وإعراضهم عن الحق واشتغالهم بالخسيس الأدنى حتى قست منهم القلوب ووصموا بالفسق يجب أن يكون أكبر حافز للمسلم لسلوك سبيل الهدى وتوثيق الصلة التي تربط العبد بالله ألا وهي الطاعة وأداء الشعائر الدينية على خير وجه لتؤدي الغرض الأسمى من شرعيتها وهو استصلاح النفوس وتزكيتها وتطهير القلوب واستقامتها وإذا لم يرفع المسلم بعتاب ربه رأساً ولم يحدث له العتاب تحولاً إلى الخير وتقويماً وتهذيباً واستمر على طغيانه وعدوانه وانتهاكه لمحارم الله والعمل بمعصية الله فإن له من وراء العتاب عقاباً شديداً مؤلماً سوف يلقاه جزاء عادلاً "ولا يظلم ربك أحداً"الكهف:49. وكما قال تعالى "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين"النساء:14. فاتقوا الله يا عباد الله وليكن لكم من عتاب الله على التفريط في جانب الله خير نذير من عذاب الله وخير حافز للانتفاع بالتذكرة وسلوك سبيل المهتدين من عباد الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه والذين اثنى عليهم في محكم كتابه "فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب"الزمر:18.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد ؛ عباد الله

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا واقتدوا بمن هو أفضل منكم لا من هو أدنى منكم لترتقوا بأنفسكم إلى مراتب الصالحين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين ، اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا، اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201. وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90. فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي