العفو عن الزلات

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 4 محرم 1435هـ | عدد الزيارات: 2142 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.آل عمران:102.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد عباد الله:

حديثنا إليكم عن حقوق الأخوة لأن الأخ أقرب ما له أخيه فالرجل بإخوانه وما يذكرك بالآخرة سوى إخوانك أما أهلك وأقاربك فهم يذكرونك غالباً بالدنيا وما دام حديثنا عن حقوق الأخ على أخيه فاعلم أن هفوة الصديق لا تخلو من أحد أمرين إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك بتقصيره في الأخوة أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يُقوم وده ويجمع شمله ويعيد إلى الصلاح والورع حاله

يقول أبو الدرداء: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى."كتاب آداب الصحبة والمعاشرة للغزالي.

وقال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب يذنبه فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غداً وقال أيضاً: لا تحدثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها..

وحكي عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره، فقال: أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه

فالأخوة يا عباد الله عدة للنائبات وحوادث الزمان وهذا من أشد النوائب، والفاجر إذا صحب تقياً وهو ينظر إلى خوفه ومداومته فسيرجع على قرب ويستحي من الإصرار بل الكسلان يصطحب الحريص في العمل فيحرص حياء منه

قال جعفر بن سليمان: مهما فترت في العمل نظرت إلى محمد بن واسع وإقباله على الطاعة فيرجع إلي نشاطي في العبادة ويفارقني الكسل وأعمل عليه أسبوعاً

والصداقة كلحمة النسب والقريب لا يجوز أن يُهجر بالمعصية، ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في عشيرته "فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون"الشعراء:216 ولم يقل إني بريء منكم مراعاة لحق القرابة

وإلى هذا أشار أبو الدرداء لما قيل له: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟ فقال: إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة.كتاب آداب الصحبة والمعاشرة للغزالي.

ويقول البعض: الصبر على مضض الأخ خير من معاتبته والمعاتبة خير من القطيعة والقطيعة خير من الوقيعة

ومن حقوق الأخ على أخيه الدعاء له في حياته وبعد مماته بكل ما يحبه لنفسه ولأهله فتدعو له كما تدعو لنفسك ولا تفرق بين نفسك وبينه فإن دعاءك له دعاء لنفسك على التحقيق فقد قال صلى الله عليه وسلم "إذا دعا الرجل لأخيه في ظهر الغيب قال الملك ولك مثل ذلك"رواه مسلم. وكان أبو الدرداء يقول: إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم.رواه أحمد .

أما عن الدعاء للأموات فقد قال بعض السلف: الدعاء للأموات بمنزلة الهدايا للأحياء،

أما عن الوفاء يا عباد الله فهو الثبات على الحب إلى الموت وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلام في السبعة الذين يظلهم الله في ظله "ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه"رواه البخاري. أي تفرقا بالموت

ومن الوفاء للأخ مراعاة جميع أصدقائه وأقاربه والمتعلقين به، ومراعاتهم أوقع في قلب الصديق من مراعاة الأخ في نفسه، فإن فرحه بتفقد من يتعلق به أكثر، إذ لا يدل على قوة الشفقة والحب إلا تعديهما من المحبوب إلى كل من يتعلق به، والشيطان لا يحسد متعاونين على بر بقدر ما يحسد متواخين في الله ومتحابين فيه فإنه يجهد نفسه لإفساد ما بينهما، قال الله تعالى "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم"الإسراء:53. ويقال ما تواخى اثنان في الله فتُفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما

وكان بشر يقول: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه، وذلك لأن الإخوان مسلاة للهموم وعون على الدين

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحيكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا آله الا الله وأشهد أن محمداً عبده و رسوله

أما بعد

عباد الله:

إن من حقوق الأخ على أخيه أن لا يكلف أخاه ما يشق عليه ولا يحمله شيئاً من أعبائه ولا يكلفه التواضع له، قال بعض الحكماء: من جعل نفسه عند الإخوان فوق قدره أثم وأثموا، ومن جعل نفسه في قدره تعب وأتعبهم، ومن جعلها دون قدره سلم وسلموا وتمام التخفيف بطي بساط التكلف حتى لا يستحي منه فيما لا يستحي من نفسه

وقال الجنيد ما تواخى اثنان في الله فاستوحش أحدهما من صاحبه أو احتشم إلا لعلة في أحدهما

وفي الأثر: شر الأصدقاء من تكلف لك ومن أحوجك إلى مداراة وألجأك إلى اعتذار

وقال الفضيل: إنما تقاطع الناس بالتكلف يزور أحدهم أخاه فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه

وقيل لبعضهم من نصحب؟ قال: من يرفع عنك ثقل التكلف وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ وكان جعفرالصادق رضي الله عنه يقول: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه، وأخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي

ومن الأخوة أن تكون على نفسك للإخوان ولا تكون لنفسك عليهم وأن تنزل نفسك منزلة الخادم لهم فتقيد بحقوقهم جميع جوارحك بالبصر تنظر إليهم نظر مودة يعرفونها منك، وتنظر إلى محاسنهم وتتعامى عن عيوبهم ولا تصرف بصرك عنهم في وقت إقبالهم عليك وكلامهم معك

وأما السمع، فبأن تسمع كلامه متلذذاً بسماعه ومصدقاً به ومظهراً للاستبشار به

فإذا صفت القلوب استغنى عن تكلف إظهار ما فيها، ومن كان نظره إلى صحبة الخلق فتارة يعوج وتارة يستقيم، ومن كان نظره إلى الخالق لزم الاستقامة ظاهراً وباطناً وزين باطنه بالحب في الله وزين ظاهره بالعبادة لله

وأما الخدمة لعباده لله من أعلى أنواع الخدمة لله إذ لا وصول إليها إلا بحسن الخلق، فعن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم". رواه أحمد وصححه الألباني.

جعلني الله وإياكم من المتآخين في الله

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين اللهم اجعل حبنا فيك وبغضنا فيك اللهم اسلل سخائم صدورنا ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا وطهر قلوبنا بالإيمان وأعنا على القيام بحقوق إخواننا علينا اللهم اصلح ما اعوج من السنتنا وارزقنا الاستقامة وحسن أخلاقنا اللهم احفظ لنا ولي امرنا و جنودنا على حدودنا و انصرهم على عدوهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201. وأدخلنا الجنة مع الأبرار واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1435-1-4

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي