عذاب النار

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 22 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1426 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله مستحق الحمد وأهله المجازي خلقه جزاء دائرا بين عدله وفضله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

أما بعد

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون اتقوا النار بطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا اتقوا النار فإنها دار البوار دار البؤس والشقاء والخزي والعار دار من لا يؤمِن بالله واليوم الآخر ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم قال الله تعالى مخاطباً إبليس "فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ" ص (84*85)

دار فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم دار عبد الله بن أبي وأحزابه من منافقي هذه الأمة وخونتها هؤلاء سكانها كفار فجرة وطغاة ظلمة ومنافقون خونة ولئن سألتم عن مكانها فإنها أسفل سافلين وأبعد ما يكون عن رب العالمين فهي دار عقاب الله فأبعدت عن رحمة الله وعن دار أولياء الله

وفي الحديث" يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها" (أخرجه مسلم)، حرُّها شديد وقعرُها بعيد، ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا. " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة أي صوت شيء سقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال حجر ارسله الله في جهنم منذ سبعين عاماً الآن حين انتهى إلى قعرها" رواه مسلم

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال "يقال لليهود والنصارى ماذا تبغون فيقولون عطشنا ربنا فأسقنا فيشار إليهم ألا ترِدون فيحشرون إلى جهنم كأنهم سراب يحطم بعضهم بعضاً فيتساقطون في النار" قال الله تعالى "وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا" مريم (86) وقال تعالى "إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ" الملك (7) قد ملأها الله غيظاً وحنقاً عليهم "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ " الملك (8) ويلقون فيها أفواجاً يقابلون بالتقريع والتوبيخ " تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ *وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ " (الملك 8- 11)" هذا ما يقابلون به عند دخولهم النار توبيخ وتقريع وإهانة وتنديم فتتقطع قلوبهم أسفاً وتذوب أكبادهم كمداً وحزناً ولكن لا ينفعهم ذلك فإذا دخلوها فما أعظم عذابهم وما أشد عقابهم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم "لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ " الزمر (16)

طعامهم الزقوم وهو شجر خبيث مر الطعم نتن الريح كريه المنظر يتزقمزنه تزقما لكراهته وقبحه ولكن يلجئون إلى ذلك لشدة جوعهم فلا يسمن ولا يغني من جوع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه" رواه الترمذي وقال حسن صحيح، فإذا ملؤا بطونهم من هذا الطعام الخبيث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع التهبت أكبادهم عطشاً فلا يهيأ لهم الشراب وإنهم ليستغيثون "وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا" الكهف (29) وهو الرصاص المذاب يشوي الوجوه حتى تتساقط لحومها "بِئْسَ الشَّرَابُ " الكهف (29) يشربونه على كره واضطرار شرب الهيم وهي الإبل العطاش التي لا تروى من الماء فإذا سقط في اجوافهم قطع امعائهم هذا شرابهم كالمهل في حراراته وكالصديد في نتنه وخبثه قال تعالى "وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ *يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ " إبراهيم (15*16*17) أما لباسهم فلباس الشر والعار " قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ" الحج (19) على قدر أبدانهم لا تقيهم حر جهنم ولكن تزيدها اشتعالاً فيها وحرارة "سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ" إبراهيم (50) في عذاب مستمر دائم "لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ" الزخرف(75) "كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا" النساء (56) وكلما خبت نارها زادها الله سعيراً "كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ*نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ *تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ *وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ " المعارج(15*16*17*18) يرتفع بهم لهبها إلى أعلاها "كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ" السجدة(20) ينوع عليهم العذاب فلا يستريحون فيقولون "وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ " غافر(49) والله لا يطمعون في التخفيف الدائم ولا في الانقطاع ولو ساعة وإنما يسألون أن يخفف عنهم يوماً واحداً من العذاب ولكن لا تجيبهم الملائكة إلا بالتوبيخ والتهكم تقول لهم " أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا " غافر (50) أي بالأدلة الواضحات "قَالُوا بَلَىٰ ۚ " فتقول الملائكة "فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ" غافر (50) فلن يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا للرسل حين دعوهم إلى الله وعبادته في الدنيا وحينئذ يتمنون الموت من شدة العذاب فيقولون يا مالك وهو خازن النار ليقض علينا ربك أي ليهلكنا ويميتنا فيقول لهم "إنَّكم مَّاكثونَ" الزخرف(77) ويقال لهم "لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ " الزخرف (78) "كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" البقرة (167) يتوجهون إلى رب العالمين فيقولون "قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ*رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " المؤمنون(106-107) فيقول لهم احكم الحاكمين "اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ *إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ" المؤمنون(108*110)

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد

عباد الله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" آل عمران (102) واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات تسابقوا إلى فعل الخيرات احرصوا أن تكونوا من السابقين قال تعالى "والسابقون السابقون*أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ *فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وقليل من الآخرين" الواقعة (10*14) ثم منزلة أصحاب اليمين قال الله تعالى "وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين*في سدر مخضود*وظل ممدود*وماء مسكوب*وفاكهة كثيرة*لا مقطوعة ولا ممنوعة" الواقعة (27*33)

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب(56) وقال عليه الصلاة والسلام من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.رواه مسلم. اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعلّ بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادنا أو أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم "وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون" العنكبوت (45)

1434-10-21 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي