الانفصال بين الواقع والمثل

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 25 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 1616 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلي اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا

يَاأَيها الذين ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون التوبة:102

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1

يَا أ يها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قَو لاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً الأحزاب:70 ، 71

أما بعد

لقد شهدت البشرية أيها الإخوة في تاريخها الطويل انفصالاً بين المثل والواقع بين المقال والفعال بين الصورة والحقيقة وكانت الأقوال دائماً أكثر من الفعال وكانت الأماني أكبر من الواقع

وهذا أمر يشهده الإنسان في كل عصر وكل حين وفي كل أمة من الناس على وجه هذه الأرض إننا نسمع في عصرنا هذا على سبيل المثال الدعوة إلى الرحمة من دول النصارى الكافرة بل وحتى الرحمة بالحيوان حتى أنه أصبح هناك من إذا أتاه الموت أوصى بما له وتركته للقيام على خدمة الكلاب والقطط وما شاكل هذا رحمة بهذه الحيوانات المسكينة

وما هذه الدعوى إلا نوع من المكر والكذب والتغطية على العيون إنهم يرحمون الحيوانات ولكنهم لا يرحمون من خلقت لأجله الحيوانات

إنهم يبيدون الشعب المسلم في البوسنة والهرسك وإذا قتل كافر أقاموا الدنيا وهددوا وتوعدوا تلك فعال من يرحمون الحيوانات! فأين الرحمة المدعاة

وفي بلاد الإلحاد ذلك المجتمع الذي زعم أتباعه أنه منشأ على العدل والمساواة وإعطاء كل واحد ما يستحقه من أجر بمقابل ما يجب عليه أن يعمله من عمل ما هو الواقع في ذلك المجتمع ؟

إن الواقع ينادي بأن الرؤساء والحكام وزعماء الحزب الحاكم يعيشون على دماء الضعفاء والمساكين الذين يستعبدون ويستذلون في المزارع والحقول ولا يحسون للحياة طعماً ولا للعيشة مذاقاً إنهم في ظنك دائماً عبيد للطبقات التي يحصلون بها على لقمة العيش

تلك هي الشيوعية المنهارة التي أسسها كارل ماركس الشيوعي الذي هو من أصل يهودي والتي مبدأها لا إله والحياة مادة والتي كان ينادى ماركس بقوله اشغلو العالم عن الله بالكرة والمسرح

هذه هي الشيوعية التي سقطت تنادي بالعدالة وهي تبيد الشعب المسلم المجاهد في الشيشان أظنه واضح أمامكم أيها الإخوة من المثالين السابقين أن الناس يقولون ما لا يفعلون وهذه صفة عامة في كل شعب وأمة إلا إذا كانت تلك الأمة وذلك الشعب من اتباع الأنبياء وبمقدار ما يكون تمسك تلك الأمة بهدي نبيها يكون التوافق بين ما تقول وتفعل

ونحن اليوم مع الصورة الحية والمثال الواقع للتطبيق الحي لوحي الله ومنهجه نحن اليوم مع رسول الله نلمس ذلك الإنسان ونرى ذلك الانسجام بين وحي الله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم نحن نرى هذا لأننا مكلفون بأن نقتدي به صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"الأحزاب:21. ونحن نرى هذا لنقيس أنفسنا ليعرف كل واحد منا نفسه ما مقدار الفجوة بين ما يقول أو بين ما نزل الله من الهدى وبين واقع حياته وأمر آخر أحب أن أنبه إليه مسبقاً وذلك الأمر هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأوامر متعددة في مجالات كثيرة فقام بكل تلك الأوامر خير قيام فلم يطغ جانب على جانب ولم يهتم بناحية على حساب ناحية أخرى كما نراه عند بعض الناس إذ نراهم مقبلين على تنفيذ أمر الله في العبادة مثلاً مفرطين ببقية أوامر الله وتكاليفه أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقوم بكل أمر بما لم يسبق إليه مع إحاطته وعدم تفريطه بأي جانب من جوانب الإسلام الكبيرة المكلف بها حتى إن الدارس المنصف لحياته لا يملك إلا أن يشهد أنه نبي من عند الله

لقد قال الله تعالى "بل الله فاعبد وكن من الشاكرين"الزمر:66 فماذا كان تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر الإلهي ها هي عائشة رضي الله عنها تبين لنا ما نريد فقد أخرج الشيخان عنها أنها قالت "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل "أي مصلياً لله" حتى تتفطر قدماه فقلت له لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبداً شكوراً" هذا في أمر الصلاة وحدها وفي أمر الصوم كان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الاثنين والخميس وكان يحافظ على صيام أيام البيض وكان يصوم شعبان إلا قليلاً منه

وكان كثير التلاوة لكتاب الله وقد يأمر أًصحابه بالقراءة عليه ليسمع القراءة من غيره

وكان صلى الله عليه وسلم لاهجاً بذكر الله كثيراً والاستغفار والتوبة

يقول ابن عباس كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم

لقد كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وفي كل وقته يذكره في الصباح ويذكره في المساء ويذكره عند دخول المسجد وعند الخروج منه ويذكره عند نومه ويقظته ويذكره عند سفره ورجوعه لأهله ويذكره عند دخول السوق وعند الأكل والشرب وبعد الفراغ منهما وعند دخول الحمام وعند الخروج منه حتى أنه ألفت مؤلفات في جميع أدعيته صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع ككتاب الأذكار للإمام النووي وكتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية

إنك إذا نظرت أخي إلى هذا التطبيق العملي منه صلى الله عليه وسلم لم يسعك إلا أن تقول انه امتثل تماماً قول الله تعالى: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين الزمر:66

إن عبادة الله ليست دعوى تقال لأن الناس لا يقتنعون بالدعاوى المتناقضة مع السلوك بل إنهم يريدون نموذجاً حياً يتحرك

إن عبادة الله تعني إخضاع حياتك كلها لمنهج الله أن لا تتصرف في أمر إلا بعد أن تعرف أحلال أم حرام أيرضي الله أم يسخطه

أيثيب الله عليه أم يعاقب حتى تصوغ حياتك على هذا المنوال

لتكون عبداً حقيقة لله عز وجل وحينئذ تقول إنني ولله الحمد أمتثل قول الله تعالى: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين الزمر:66 هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا الذي طالبنا الله بالتأسي به

فأين نحن منه أين تطبيقنا لمنهج الله وشرعه أين المصلون السابقون أين المتهجدون العابدون أين الصائمون القانتون أين المسبحون المهللون أين الحامدون الشاكرون

إن واقعنا أيها الإخوة أمر واضح ومكشوف كلكم يعرفه ولا يحتاج إلى أحد يشرحه له إن واقعنا هو حصيلة تصرفاتنا الفردية فلينظر كل واحد منا ما نصيبه من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب

حثوا النفوس وأيقظوا الهمم فإنها والله نعمت الحياة حياة امتلأت بالاقتداء بسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وإنها والله بئست الحياة حياة صاغتها مشارب الهوى ولونتها خيوط الشهوات وإنها والله بئست القلوب تلك التي أعرضت عن أسوتها الوحيد صلى الله عليه وسلم

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وبعد

اسمحوا لي أيها الإخوة إذا انتقلت بكم من موضوع الخطبة الأولى إلى موضوع آخر للتذكير بأهميته

وذلك لمناسبته في هذه الأيام وهو موضوع الحج الذي ذكره الله في كتابه بقوله "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين"آل عمران:97. وقال عنه صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقال السائل أفي كل عام يا رسول الله وبعد تكرار السؤال أجابه عليه السلام الحج مرة .رواه مسلم

أيها الإخوة عشر ذي الحجة على الأبواب هذه العشر الفضيلة التي سئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال نهار عشر ذي الحجة أفضل من نهار العشر الأخيرة من رمضان وليالي العشر الأخيرة من رمضان أفضل من ليالي ذي الحجة

هذه العشر التي يشرع صيامها وخاصة يوم عرفه

وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا " رواه مسلم ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المجاهدين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ولي على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم كن لإخواننا في سوريا وانصرهم على النصيرية والرافضة اللهم داو جرحاهم واشف مرضاهم واكس عاريهم واطعم جائعهم واسق ظامئهم واقبل شهدائهم اللهم اجمع شمل المسلمين في اليمن وولي عليهم من يخافك ويتقيك اللهم كن لإخواننا في كشمير وانصرهم على من ظلمهم اللهم كن لإخواننا في الشيشان وانصرهم على الملاحدة اللهم اجمع شمل المسلمين في فلسطين وانصرهم على اليهود وطهر الأقصى من دنسهم اللهم اجمع شمل المسلمين في باكستان وافغانستان اللهم كن لإخواننا أهل السنة في العراق وإيران وانصرهم على الرافضة اللهم كن لإخواننا الأراكانيين في بورما وانصرهم على من ظلمهم اللهم فك أسر المأسورين واغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا اعنتنا على قضاءها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم " ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون " العنكبوت 45

23 - 9 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي