الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى وبعد؛
(النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول)
قال صلى الله عليه وسلم: "إذَا أتَيْتُمُ الغَائِطَ فلا تَسْتَقْبِلُوا القِبْلَةَ، ولَا تَسْتَدْبِرُوهَا ولَكِنْ شَرِّقُوا أوْ غَرِّبُوا " [صحيح البخاري]، وفي السنن عنه أنه قال " ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ "[صحيح الترمذي للألباني] ،وهذا خطاب منه لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والعراق، وأما مصر فقبلتهم بين المشرق والجنوب والله أعلم
وعن الاستنجاء هل يحتاج إلى أن يقوم الرجل ويمشي ويتنحنح ويستجمر بالأحجار وغيرها بعد كل قليل في ذهابه ومجيئه لظنه أنه خرج منه شيء فهل فعل هذا السلف رضي الله عنهم أو هو بدعة أو هو مباح ؟
الجواب عن ذلك: التنحنح بعد البول والمشي والطفر إلى فوق أي القفز إلى أعلى والصعود في السلم والتعلق في الحبل وتفتيش الذكر باسالته وغير ذلك بدعة ليس بواجب ولا مستحب عند أئمة المسلمين بل وكذلك نتر الذكر بدعة على الصحيح لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك سلت البول بدعة لم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث المروي في ذلك ضعيف لا أصل له والبول يخرج بطبعه وإذا فرغ انقطع بطبعه وهو كما قيل كالضرع إن تركته قر وإن حلبته در.، وكلما فتح الإنسان ذكره فقد يخرج منه ولو تركه لم يخرج منه وقد يخيل إليه أنه خرج منه وهو وسواس وقد يحس من يجده برداً لملاقاة رأس الذكر فيظن أنه خرج منه شيء ولم يخرج، والبول يكون واقفاً محبوساً في رأس الاحليل لا يقطر فإذا عصر الذكر أو الفرج أو النقب بحجراً أو أصبع أو غير ذلك خرجت الرطوبة فهذا أيضاً بدعة وذلك البول الواقف لا يحتاج إلى إخراج باتفاق العلماء لا بحجر ولا أصبع ولا غير ذلك بل كلما أخرجه جاء غيره فإنه يرشح دائماً، والاستجمار بالحجر كاف لا يحتاج إلى غسل الذكر بالماء.
ويستحب لمن استنجى أن ينضح على فرجه ماءً فإذا أحس برطوبته قال هذا من ذلك الماء، وأما من به سلس البول وهو أن يجري بغير اختياره لا ينقطع فهذا يتخذ حفاظاً يمنعه، فإن كان البول ينقطع مقدار ما يتطهر فيصلي ، وإن جرى البول كالمستحاضة يتوضأ لكل صلاة والله أعلم.
(توضأتُ لصلاة العشاء و نمت حتى صلاة الفجر فهل يلزمني الاستنجاء بالماء؟)
لا يشرع الاستنجاء أو الاستجمارإلا لمن بال أو أتى الغائط فإنه يجب عليه الاستنجاء أو الاستجمار قبل أن يتوضأ لصلاة أو نحوها أما الأحداث الأخرى كالنوم والريح ومس الفرج وأكل لحم الإبل ونحو ذلك فلا يشرع لها الاستنجاء.
ويكفي غسل الوجه واليدين مع المرفقين ومسح الرأس مع الأذنين وغسل الرجلين مع الكعبين ويدخل في غسل الوجه المضمضة والاستنشاق.
(هل التسمية والتشهد عند الوضوء في الحمام حلال أم حرام ؟)
الأفضل للإنسان إذا توضأ أن يكون تشهده خارج الحمام؛ لأن الحمام محل قذر فيخرج بعد الوضوء ثم يتشهد بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ويكره داخل الحمام لأنه لا ضرورة لذلك فيصبر حتى يخرج أما بالنسبة عند بدء الوضوء فإذا كان وضوءه في الغسالة الداخلية فلا حرج ، وإذا تيسر أن يكون وضوءه خارج الحمام فهذا حسن .
(دخول المرحاض بكتيب فيه ذكر ودعاء )
الأفضل عدم دخول الخلاء بالكتيب المذكور ويكره ذلك عند جمع من أهل العلم إذا أمكن عدم الدخول به أما إن لم يستطع تركه خارج الحمام فلا حرج عليه ولا كراهية
(بول الإنسان واقفا)
لا حرج في البول قائماً ولا سيما عند الحاجة إليه؛ إذا كان المكان مستوراً لا يرى فيه عورة البائل ولا يناله شيء من رشاش البول؛ لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه قال "... أتَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا." [صحيح البخاري]، وإنما بال الرسول صلى الله عليه وسلم واقفا ليبين للأمة جواز ذلك ولو كان ذلك لعذر لبينه للأمة ليكونوا على بينة، ولكن الأفضل أن يبول الإنسان جالسا؛ لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأستر للعورة وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول.
(هل لماء زمزم تأثير على الرجل عندما يغتسل به وهل يجوز الاستنجاء به ؟)
الجواب: ماء زمزم ماء مبارك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مائها "خَيرُ ماءٍ على وجْهِ الأرضِ ماءُ زَمْزَمَ ، فِيه طعامٌ من الطُّعْمِ ، و شِفاءٌ من السُّقْمِ"، [صحيح الجامع للألباني]، وهو ماء مبارك فيه الشفاء لكثير من الأمراض.، ولا مانع من أن يغتسل به المؤمن أو يتوضأ منه الإنسان أو يغتسل للتبرد أو من الجنابة لما جعل الله فيه من البركة فلا حرج في ذلك، وله أن يستنجى منه أيضاً لأنه ماء طهور وماء طيب فلا مانع أن يستنجى منه كالماء الذي نبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم مرات كثيرة وهذه من المعجزات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنه رسول الله حقاً وقد أخذ منه بعض الصحابة في أوعيتهم يغتسلون ويستنجون ويتوضئون وهو ماء عظيم مبارك، ولا حرج من الوضوء منه والاغتسال منه وإزالة النجاسة به ومن قال بكراهة ذلك من الفقهاء فقوله ضعيف مرجوح.
قولُ بعض العلماء أن مناسبة قول الإنسان " غفرانك " إذا خرج من الخلاء أنه لمَّا انحبس عن ذكر الله ذلك الوقت ناسب أن يستغفر الله .
هذا القول فيه نظر لأن الإنسان إنما انحبس عن ذكر الله بأمر الله، وإذا كان بأمر الله فلم يعرّض نفسه للعقوبة بل عرض نفسه للمثوبة ولهذا كانت المرأة الحائض لا تصلي ولا تصوم فهل يسن لها إذا طهرت أن تستغفر الله لأنها تركت الصلاة والصيام في أيام الحيض ؟ أبداً لم يقله أحداً البتة، وبهذا يتبين أن المناسبة لمَّا تخفف من أذية الجسم تذكر أذية الإثم فدعا الله أن يخفف أذية الإثم كما مَنَّ عليه بتخفيف أذية الجسم، وهذا معنى مناسب ذكر الشيء بالشيء.
مَنْ يقضي حاجتَه في أماكن الوضوء فتنكشف عورتُهُ:
لا يجوز للإنسان أن يكشف عورته بحيث يراها من لا يحل له النظر إليها فإذا كشف الإنسان عورته في الحمامات المعدة للوضوء والتي يشاهدها الناس فإنه يكون بذلك آثما وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله، أنه في هذه الحال يجب على المرء أن يستجمر بدل الاستنجاء بمعنى أن يقضى حاجته بعيداً عن الناس.
وأن يستجمر بالأحجار أو بالمناديل ونحوها مما يباح الاستجمار به حتى ينقي محل الخارج بثلاث مسحات فأكثر قالوا إنما يجب ذلك؛ لأنه لو كشف عورته للاستنجاء لظهرت للناس وهذا أمر محرم وما لا يمكن تلافي المحرم إلا به فإنه يكون واجباً.
مَنْ يتوضأ في مكان قضاء الحاجة ويحتمل تنجس ثيابه هل يجب عليه غسل ثيابه ؟
أولاً: إن هذه الشريعة ولله الحمد كاملة من جميع الوجوه وملائمة لفطرة الإنسان التي فطر الله الخلق عليها ، حيث إنها جاءت باليسر والسهولة بل جاءت بإبعاد الإنسان عن المتاهات في الوساوس والتخييلات التي لا أصل لها ، وبناء على هذا فإن الإنسان بملابسه، الأصل أن يكون طاهرا ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابة ، وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه رجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في صلاته يعني الحدث فقال صلى الله عليه وسلم : "... لا يَنْصَرِفْ حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا."[صحيح البخاري] .
فالأصل بقاء ما كان على ماكان فثيابهم التي دخلوا بها الحمامات التي يقضون بها الحاجة كما ذكره السائل إذا تلوثت بماء فمن الذي يقول إن هذه الرطوبة هي رطوبة النجاسة من بول أو ماء متغير بغائط أو نحو ذلك ؟ وإذا كنا لا نجزم بهذا الأمر فإن الأصل الطهارة ، صحيح أنه قد يغلب على الظن أنها تلوثت بشيء نجس ، ولكن ما دمنا لم نتيقن فإن الأصل بقاء الطهارة.
حكم الأكل أو الشرب في الحمام
الحمام موضع لقضاء الحاجة فقط ولا ينبغي أن يبقى فيه إلا بقدر الحاجة والتشاغل بالأكل وغيره فيه يستلزم طول المكث فيه فلا ينبغي ذلك.
هل يجزيء في الاستجمار استعمال المناديل ؟
يجزيء في الاستجمار استعمال المناديل ولا بأس به؛ لأن المقصود من الاستجمار هو إزالة النجاسة سواء كان ذلك بالمناديل ، أو بالخرق ، أو بالتراب ، أو بالأحجار ، إلا إنه لا يجوز أن يستجمر الإنسان بما نهى الشارع عنه ، مثل العظام والرَّوث ، لأن العظام طعام الجن إذا كانت مذكاة ، وإن كانت غير مذكاة فإنها نجسة، والنجس لا يطهّر، وأما الأرواث فإن كانت نجسة ، فهي نجسة لا تُطهّر ، وإن كانت طاهرة ، فهي طعام بهائم الجن ، لأن الجن الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وأمنوا به ، أعطاهم ضيافة لا تنقطع إلى يوم القيامة ، قال " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليه يَقَعُ في أيْدِيكُمْ أوْفَرَ ما يَكونُ لَحْمًا وكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوابِّكُمْ." [صحيح مسلم]وهذا من أمور الغيب التي لا تُشاهد ، ولكن يجب علينا أن نؤمن بذلك ..
(هل الدم نجس أم طاهر ؟)
أولاً: الدم الخارج من حيوان نجسٍ، فقليله وكثيرهُ نجس، مثل: الدم الخارج من الخنزير أو الكلب سواء خرج منه حياً أم ميتاً.
ثانياً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة، نجس بعد الموت ففي حال الحياة نجس، لكن يُعفى عن يسيره، مثل الغنم والدليل على نجاستها بعد الموت، قوله تعالى" قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } [الأنعام 145]
ثالثاً: الدم الخارج من حيوان طاهر في الحياة وبعد الموت فهو دم طاهر إلا الدم المسفوح ، وهو ما يخرج من الرقبة أثناء الذبح.
رابعاً: الدم الخارج من السبيلين أي سبيل الآدمي من القُبُل أو الدبر، فهذا نجس ولا يُعفى عن يسيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، لمّا سألته النساء عن دم الحيض يصيب الثوب أمر بغسله بدون تفصيل.
أما الدم الخارج من الإنسان من غير السبيلين لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره كدم الرعاف ودم الجرح بل نقول كل خارج من غير السبيلين من بدن الإنسان فإنه لا ينقض الوضوء كالقيء والدم دماء الجروح وغيرها، وفي الأثر قول الحسن البصري -رحمه الله-: (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم) . علَّقه البخاري بصيغة الجزم في كتاب: الوضوء، باب (٣٤)
وجه الاستدلال: أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر بغسله، ولم يرد أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتحرزون منه تحرزاً شديداً؛ بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدم متى وجدوا غيرها، ممايدل على طهارته، وروى بكر بن عبد الله المزني قال:" رأيت عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دم ، فحكَّه بأصبعه ثم صلى ولم يتوضأ" [حقيقة الصيام للألباني] و"صلَّى عمرُ وجُرْحُه يَثْعُبُ دمًا" [إرواء الغليل للألباني]
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبالله التوفيق
1434/8/9 هـ